بماذا تفكر إيران في هذه الأيام العصيبة؟

ادريس عمر
كما هو معروف للقاصي والداني عبثت إيران بأمن المنطقة معتمدة سياسة”  تصدير الثورة” التي قام عليها النظام الإيراني في سبعينيات القرن الماضي1979، وهو ما أدى إلى تدخلها في شؤون العديد من دول المنطقة عبر دعم الفصائل المسلحة وإنشاء مليشيات موالية لها بالمال والسلاح والمشورة واعتمدت عليها بعيداً عن اطار الدولة، هذه السياسة خلقت حالة من عدم الاستقرار في العراق، سوريا، لبنان، اليمن، وأماكن أخرى، وأدت إلى مواجهات مباشرة أو بالوكالة بينها وبين خصومها الإقليميين والدوليين.
 ولكن المعادلة تغييرت بعد الضربات الأخيرة على نفوذها في المنطقة وخاصة بعد الأحداث التي قلبت المعادلة الإقليمية مثل 7 أكتوير والحرب على حزب الله وتصفية قياداته من الصف الأول والثاني وتدمير بنيته التحتية وأضعافه والتحولات التي جرت في سوريا، سقوط نظام الطاغية بشار الأسد، وهروبه إلى روسيا، بذلك فقدت إيران أهم حلفاءها الإقليميين.
السؤول الأهم: هل ستقبل إيران بالهزيمة بعد أن أصبحت قوة إقليمية كبيرة تمتلك وتصنع عدة صواريخ قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى وتعد أكبر ترسانات صواريخ وأكثرها تنوعا في المنطقة  وهي منتج رئيسي للطائرات المسيرة وعلى أبواب أن تصبح قوة نووية؟
برأيي أن إيران لن تقبل الخسارة بسهولة وتحديداً بفقدان نفوذها في سوريا ولبنان، لكنها تدرك أيضاً أن الظروف الإقليمية والدولية تغيرت، ما يفرض عليها إعادة تقييم استراتيجياتها. لن تعترف طهران رسمياً بالهزيمة، بل ستحاول التكيف مع الواقع الجديد عبر تكتيكات غير مباشرة مثل:
-استخدام المليشيات الموالية لها في العراق وسوريا ولبنان لإعادة التموضع وخلط الأوراق، مستفيدة من الفوضى الأمنية والتوترات الطائفية.
-تحريك جبهات جديدة، خاصة في الساحل السوري، لفرض واقع أمني يتيح لها التفاوض من موقع قوة.
-اللعب بورقة المقاومة عبر حزب الله والفصائل الفلسطينية لإبقاء الضغط على إسرائيل، وبالتالي إبقاء دورها الإقليمي قائماً.
-استخدام شيعة العراق للضغط على القرار السياسي في بغداد ودفعه لدعم نفوذها الإقليمي.
-تعزيز النفوذ الاقتصادي عبر شبكات تهريب وتجارة غير شرعية في سوريا ولبنان، ما يضمن بقاء أدواتها مؤثرة رغم الضغوط.
-التعاون مع قوى أخرى كحزب العمال الكوردستاني لتعزيز نفوذها في الشمال السوري، مستغلة التناقضات الإقليمية.
وهنا لا بد من الإشارة إذا استمر حزب العمال الكورستاني في التقارب مع إيران والحشد الشعبي، فقد يجرّ ذلك الكورد إلى صراعات ليست في مصلحتهم، خاصة أن ميزان القوى يتغير في الشرق الأوسط، وهناك محاولات لإضعاف النفوذ الإيراني. هذا قد يجعل أي فصيل مرتبط بإيران في مواجهة ضغوط عسكرية وسياسية كبيرة.
من ناحية أخرى، المصلحة الكوردية طويلة الأمد تكون في تبني سياسة أكثر استقلالية وتجنب التحالفات التي قد تؤدي إلى عزلة أو عداء إقليمي ودولي. الدول الكبرى والإقليمية مثل الولايات المتحدة، تركيا، وإسرائيل تسعى جميعها للحد من نفوذ إيران، وبالتالي أي ارتباط وثيق بطهران قد يكون مكلفاً سياسياً وعسكرياً للكورد.
جديراً بالقول أن إيران لن تسلم بسقوط الأسد بسهولة، ستسعى إلى خلق اضطرابات أمنية وطائفية عبر المليشيات الموالية لها (مثل حزب الله والمليشيات العراقية، وعناصر الحرس الثوري المتغلغلين في سوريا.
ستحاول بكل ما تملك من أن  تدعم أعمال تمرد في المناطق العلوية والساحل السوري، لاستنزاف النظام الجديد ومنعه من تحقيق استقرار. ومحاولة تحويل سوريا إلى ساحة صراع طويلة الأمد، على غرار ما فعلته في العراق بعد سقوط صدام حسين.
هنا يجب على الحكومة الجديدة في دمشق أن أن تكون يقظة وتتخذ خطوات استراتيجية لضمان أن لا يتحول النفوذ الإيراني إلى أداة لتعميق الانقسام أو الفوضى في البلاد.
باختصار، يتعين على الحكومة الجديدة في دمشق أن تسعى لتشكيل حكومة وطنية شاملة تضم جميع المكونات، بغية استعادة الثقة الوطنية وإرساء قواعد الحوار والتعايش، إن إشراك مختلف القوى والطبقات السياسية والاجتماعية يعزز من شرعية النظام ويقلل من الفجوات التي يمكن أن يستغلها أطراف خارجية لتحقيق مصالحها. مما يمنع تكرار التدخلات الإقليمية التي سببت في السابق مزيداً من الانقسام والفوضى والدمار.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…