انقسام الأحزاب الكردية في سوريا بين التحديات ، ومسؤولية القيادات….!

اكرم حسين

منذ انقسام الحزب الكردي الاول في سوريا إلى جناحين عام ١٩٦٥، حيث باتت تعرف بـ “اليمين” و”اليسار” ، والأحزاب الكردية في سوريا تعيش حالة من التصدع  والانقسام المستمرين ، وبين الفينة والاخرى  يطفو هذا الموضوع إلى السطح ، و تتذمر الاصوات ، وتعلو المطالبة بالوحدة ورأب الصدع ، لكن لو دققنا النظر في الذين يذرفون الدموع على هذا الواقع المرير ، تجدهم  هم أنفسهم السبب في الوصول إلى هذه المآلات  ، ولا زال البعض منهم يشغل مواقع المسؤولية في بعض من هذه الأحزاب، و يدعو الى الوحدة او يقود مساعيها ؟والسؤال الذي يحرق اللسان هنا: هل هذه الدعوات حقيقية أم أنها محاولات غير جدية لاستغلال مشاعرالجماهير الشعبية والضحك على لحاها ؟

من أبرز التحديات التي تواجه الطموحات السياسية للشعب الكردي  في سوريا  هي انقسام الأحزاب الكردية ، وطبيعة الانظمة الاستبدادية والشوفينية  . هذا الانقسام ليس وليد اللحظة كما أسلفنا ، بل هو نتاج لتراكمات سياسية وفكرية واجتماعية على مر السنين . ففي الوقت الذي عانت فيه سوريا من اضطرابات وحروب أهلية متواصلة منذ عام 2011، لم تستطع  الأحزاب الكردية أن تلعب دوراً موحداً لمصلحة الشعب الكردي وقضايا الحريات والديمقراطية . وتقود العمل المعارض في سوريا لاعتبارات عديدة …! لكن ما حدث هو العكس من ذلك . حيث  تفاقمت الخلافات والانقسامات بين هذه الأحزاب، مما أضعف موقفها السياسي وأضاع العديد من الفرص المتاحة للعب هذا الدور الريادي وتحقيق مكاسب ملموسة للكرد.

من الواضح للعيان  أن العديد من القيادات الكردية التي تتحدث بشكل دائم ومستمر عن ضرورة الوحدة  وإنهاء الانقسام داخل الصف الكردي ، هي نفسها التي تعرقل ، بشكل أو بآخر، تلك الجهود. هذه القيادات تتحدث بلسان الواعظين وتنأى بنفسها . لكن عند اتخاذ القرارات أو الدخول في الصراعات ، تبرز الاعتبارات الشخصية والمصالح الحزبية باعتبارها العامل الحاسم في هذا المجال ، وكأن الدعوات والشعارات التي تطلق في المناسبات والتصريحات الإعلامية ليست سوى وسيلة لكسب العواطف والتعاطف الشعبي، وهي في الواقع بعيدة كل البعد عن الجدية.

فكلما دعت الحاجة إلى توحيد الصف الكردي، نجد أن بعض القيادات تضع شروطاً تعجيزية، أو تتبنى مواقف عدائية تجاه الأطراف الأخرى التي لا تتفق معها في الرؤية السياسية والتنظيمية ،  والمثير للسخرية أن هذه القيادات تستغل الانقسامات كوسيلة لتبرير عجزها عن تحقيق إنجازات فعلية على الأرض، فتجدها تتهم الأطراف الأخرى بالتعنت وعرقلة الوحدة، في حين أن العوامل الحقيقية غالباً ما تكمن في المصالح الشخصية لهذه القيادات.

وفي هذا السياق لا يمكن إغفال دور النظام السوري و بعض القوى الإقليمية في تعميق الانقسامات بين الأحزاب الكردية. فكل قوة تسعى إلى تحقيق مصالحها من خلال دعم طرف معين ضد طرف آخر. هذا التوظيف السياسي للانقسام لا يخدم سوى مصالح تلك القوى، ويضر بالقضية الكردية في مجملها. إلا أن القيادات الكردية، بدلاً من أن تكون على وعي بهذه المخاطر، تستمر في اللعب على نفس الوتر، مما يزيد من تعقيد الوضع.

إن النتيجة الحتمية لهذا النهج هو إضعاف الموقف التفاوضي للكرد في أي عملية سياسية مستقبلية في سوريا. فكلما زاد الانقسام، زادت الصعوبة في تحقيق أي شكل من أشكال التوافق السياسي الداخلي بين الكرد أو مع الأطراف السورية الأخرى ، وهذه الحقيقة يدركها الجميع، بما في ذلك من يساهمون في  الانقسام.

من الضرورة بمكان ،  التمييز بين الأسباب الحقيقية التي تقف وراء الانقسامات ، وبين الأعذار التي تطرحها القيادات لتبرير عجزها عن تحقيق الوحدة .

في الواقع، المشكلة ليست في الانقسامات الحزبية بحد ذاتها، بل في غياب الإرادة السياسية لتحقيق الوحدة. لو كانت هناك إرادة حقيقية، لوجدت الأطراف المختلفة سبيلاً للوصول إلى حلول وسطية تحقق الحد الأدنى من التوافق. لكن ما يحدث هو أن كل حزب يفضل الحفاظ على مصالحه الخاصة، حتى لو كان ذلك على حساب القضية الكردية ككل….!

عندما تعجز القيادات عن تقديم مشاريع وطنية متكاملة أو رؤى سياسية واضحة، تجدها تلجأ إلى التباكي على الوحدة ، وهذا ما يجعل بعض الأطراف تستمر في الحديث عن الوحدة دون أن تقدم على أية خطوات عملية لتحقيقها. وبالتالي يصبح الحديث عن الوحدة في هذه الحالة بمثابة الشماعة التي تعلق عليها كل إخفاقات القيادات الكردية.

الوحدة الحقيقية لا تأتي بالكلمات والشعارات، بل بالأفعال ، ولكي نرى تغيراً فعلياً على أرض الواقع، لا بد أن تبادر القيادات الحزبية الى تحمل مسؤولياتها  في تحقيق الوحدة ، لأنها تتطلب تنازلات مؤلمة من جميع الأطراف والأشخاص ، لتجاوز العقبات  . وهذا لا يعني  التنازل عن المبادئ والقيم السامية ، بل إدراك أن القضية الكردية أكبر من أي شخص أو حزب أو منصب . فإذا لم تستطع القيادات الحالية أن تدرك هذه الحقيقة، فإن الحديث عن الوحدة سيظل مجرد كلام فارغ لا يسمن ولا يغني من جوع….!

في النهاية، على القيادات الكردية أن تدرك أن الشعب الكردي في سوريا يستحق قيادات قادرة على تجاوز خلافاتها وتحقيق تطلعاته. فالسير على نفس النهج الحالي، سيكون مزيداً من التشتت والضعف، وسيظل الشعب الكردي يدفع ثمن هذه الانقسامات والخلافات …..!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…