المازوت… ومعادلة السلطة والمجتمع في مناطق “الإدارة الذاتية”…؟

  اكرم حسين 

في الوقت الذي تشهد فيه الساحة الكردية السورية جُهوداً متقدمةً لتوحيد الصفوف من خلال عقد “كونفراس ” كردي جامع يضم مختلف القوى السياسية والمنظمات المدنية والفعاليات المجتمعية، بالتوازي مع الاتفاق المبرم في العاشر من آذار بين قائد قوات سوريا الديمقراطية وحكومة أحمد الشرع الانتقالية، تفاجأ المواطنون في مناطق “الإدارة الذاتية” بقرارٍ غيرِ مدروس ،  يقضي برفع سعر ليتر المازوت من 4000 إلى 6200 ليرة سورية، اي  بزيادة تتجاوز الخمسين بالمئة، وهو ما مثّل ضربةً قاسيةً للفئات الفقيرةِ والمرهقةِ أصلاً من التدهور الاقتصادي وغياب الخدمات ، والمشكلة أن هذا القرار لم يصدر في إطار خطة اقتصادية مدروسة أو ضمن سياقٍ إصلاحي واضحٍ، بلْ عكس استمرار عقلية “الجباية” التي اتبعتها “الإدارة الذاتية” لسنواتٍ، حيث يجري تحميل المواطن أعباء الفساد والأزمات المالية المتراكمة في ظل غياب كامل للشفافية والمحاسبة والمشاركة الشعبية ، والمُثير للسخرية ، أن يأتي هذا القرار في بيئة خالية تقريباً من الخدمات، حيث لا كهرباء منتظمة، ولا مياه متوفرة الا لساعات ، والبنية التحتية مهترئة، فيما تتراجع الخدمات الصحية والتعليمية  باطراد ، وفي المقابل، يُطلب من المواطن أن يدفع أسعاراً باهظة لمادة أساسية كالمحروقات، ما ينعكس على أسعار النقل والسلع الأساسية ويجعل من الحياة اليومية صراعاً دائماً من أجل البقاء. في الوقت الذي احتبست فيه الأمطار ، وتلفت المزروعات ، وبات اغلب الناس تحت  خط الفقر وعلى عتبة الموت ..! 

وبالتالي فإن  توقيت القرار نفسه يطرح تساؤلات عميقة حول المسؤولية السياسية والأخلاقية، إذ في الوقت الذي يجري فيه تنفيذ الاتفاق السابق  مع السلطة في دمشق ، وتُبذل القوى الكردية محاولات جادة للتقارب وتجاوز الانقسامات، تأتي مثل هذه الإجراءات لتُعمّق الشرخ بين المواطن و”الادارة”، وتُثير الشك في نوايا الإصلاح والتغيير . فتجربة السنوات الماضية أثبتت أن ا”لإدارة الذاتية” ، رغم ما تدّعيه من شرعية شعبية ، باتت تُمارس سياسات اقتصادية لا تختلف كثيراً عن سياسات الأنظمة التي ثار عليها السوريون، فهي تفرض الرسوم والضرائب وتُصدر القرارات المصيرية دون الرجوع إلى أي مؤسسة تمثيلية أو إشراك المجتمع في صنع القرار. فالمازوت لم يعد مجرد وقود، بل أصبح رمزاً للمعاناة اليومية ولسياسات الانفصال عن الواقع، فهو مصدر التدفئة وتشغيل المولدات ووسائل النقل ومورد رزق آلاف العائلات في الأرياف، ومع رفع سعره، يجد المواطن نفسه عاجزاً عن الوصول إلى عمله أو تشغيل معداته أو حتى تأمين الخبز والدفء لأطفاله ، وأمام هذا الواقع المتدهور، تبرز الحاجة إلى مراجعة جذرية لهذه السياسات الاقتصادية المجحفة، لأن الاستمرار على هذا النحو سيؤدي حتماً إلى تآكل الشرعية الشعبية وتفاقم الانفصال بين “الإدارة ” والمجتمع. 

المطلوب اليوم ليس فقط إصدار المزيد من  القرارات المجحفة وزيادة  الأعباء، بل إعادة هيكلة الاقتصاد المحلي على أسس شفافة، وتوجيه الموارد لتحسين الخدمات الأساسية، والقطع مع سياسات النهب المقنن التي حولت “الإدارة” إلى عبء إضافي على كاهل الناس بدلاً من أن تكون أداة لتحقيق العدالة والتنمية والاستقرار.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…