إبراهيم اليوسف
تشهد سوريا تطورات متسارعة، حيث تتشابك المعارك بين الفصائل المسلحة من طرفي النظام والمدعومة من تركيا وغيرها، وتتضح أبعاد مخططات كبرى تهدف إلى إعادة تشكيل المنطقة بأسرها. في هذا السياق، يبرز سؤال جوهري: أين يقف الكرد من هذه التحولات، وما هو دورهم في مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري؟
معركة النفوذ الإقليمي
منذ بداية” الأزمة” السورية، حاول العديد من الأطراف الإقليمية والدولية استغلال الفوضى لتحقيق مكاسب استراتيجية. كما حالة: تركيا، بقيادة أردوغان، وهي تعتبر أول و أبرز هذه الأطراف، حيث سعت إلى تأمين نصيبها من “الكعكة السورية” عبر احتلال مناطق استراتيجية مثل عفرين وسري كانيه (رأس العين) وتل أبيض. ولعل أخطر ما في الدور التركي هو محاولاتها المستمرة لإحداث تغييرات ديمغرافية، ما يجعل وجودها في أي مرحلة انتقالية مستقبلية تهديدًا لاستقرار سوريا ووحدتها، وإجهازا على” الكرد وكردستان”.
إضافة إلى تركيا، هناك أطراف أخرى تتشابك في الصراع السوري. إيران، التي تعتبر سوريا حليفًا استراتيجيًا، تسعى بكل ثقلها للحفاظ على نفوذها، بينما تحاول التكيف مع التحولات المتسارعة لتجنب خسائر كبرى. العراق ينحني أمام الضغوط، وتركيا تؤدي تمثيليات سياسية لتظهر كحامية للسوريين، لكنها في الواقع كانت أول من خان الثورة عبر تسليم شخصيات منشقّة للنظام.
الكرد بين الانقسام وفرص التوحيد
رغم الدور البارز الذي لعبته قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في حماية مناطقها وطرد داعش والدفاع عن مناطق سورية خارج روج آفا كردستان، إلا أن الكرد يعانون من انقسامات داخلية عميقة تمنعهم من تقديم موقف موحد في المشهد السوري. لا تزال التبعية لجهات كردستانية خارجية وغيرها، تعيق تشكيل رؤية كردية مستقلة تخدم مصلحة الكرد السوريين فقط.
إن تفهُّم هذه التحديات والعمل على تجاوزها بات ضرورة ملحّة. يجب على الكرد أن يدركوا أن استمرار الخلافات الداخلية سيؤدي إلى فقدان المزيد من الفرص التاريخية. المطلوب الآن هو توحيد الصفوف بعيدًا عن الوصاية الخارجية، والتركيز على القضايا الكردية في سوريا دون تدخل مباشر من أي جهة.
خطر الفصائل المتشددة
مع استمرار هيمنة الفصائل المتشددة على أجزاء واسعة من سوريا، يبقى الخطر الأكبر هو تأثير هذه الجماعات على مستقبل البلاد. هذه الفصائل لا تعادي الكرد فقط، بل تسعى لإعادة سوريا إلى حقبة مظلمة عبر فرض أيديولوجياتها المتطرفة. ولعل تغلغل عناصر داعش داخل هذه الفصائل يضاعف من خطورة الموقف.
إن إعادة هيكلة القوات السورية بما يضمن استبعاد القتلة واللصوص والراديكاليين أصبحت ضرورة لا غنى عنها. سوريا الجديدة بحاجة إلى جيش موحد يعمل من أجل مصلحة البلاد بعيدًا عن أجندات التطرف والفساد.
الحاجة إلى توافق وطني
رغم وجود كروكيات وخطط مسبقة ترسم ملامح المستقبل السوري، إلا أن الواقع يثبت أن الأمور قد تتجه إلى تعقيدات غير متوقعة. التجربة الأمريكية في العراق دليل واضح على أن إسقاط الأنظمة لا يعني استقرار الدول، بل قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع إذا لم يتم التوصل إلى حلول وطنية شاملة.
لذلك، يجب على السوريين أن يتجاوزوا خلافاتهم ويعملوا على طرد كل الاحتلالات الدخيلة التي ساهمت في إطالة أمد الحرب. الحوار الوطني هو السبيل الوحيد لإنقاذ سوريا وضمان حقوق جميع مكوناتها، بما في ذلك الكرد.
الشرق الأوسط الجديد: حلم أم وهم؟
تتحدث بعض الأطراف عن مشروع الشرق الأوسط الجديد، الذي قد يشمل تغييرات جذرية في الخارطة السياسية للمنطقة. لكن السؤال يبقى: هل هذا المشروع قابل للتحقق؟ وما هو الثمن الذي ستدفعه شعوب المنطقة لتحقيقه؟
إيران تبدو مرعوبة من هذه التحولات، وتركيا تسعى لإعادة رسم دورها بما يتناسب مع طموحاتها التوسعية. أما الكرد، فيقفون عند مفترق طرق تاريخي، حيث يمكنهم أن يكونوا جزءًا فاعلًا من هذا التحول إذا ما توحدوا وتجاوزوا انقساماتهم.
من هنا، فإن الأحداث في سوريا متسارعة وغير قابلة للتنبؤ، لكن ما هو واضح أن استمرار التشرذم والصراعات سيؤدي إلى مزيد من الدمار.
لذلك فإن على الكرد أن يدركوا أن اللحظة التاريخية تستوجب الوحدة والعمل المشترك من أجل ضمان حقوقهم وحماية وجودهم. وفي الوقت نفسه، على السوريين ككل أن يعملوا من أجل مصلحة بلادهم، بعيدًا عن الأجندات الخارجية التي تسعى لتقسيمهم ونهب ثرواتهم.