الكرد في سوريا: ورقة تحترق في مهب المصالح الدولية

حوران حم

في لعبة الأمم، لا مكان للضعفاء، ولا ضمانات ثابتة لمن لا يملك أوراق ضغط حقيقية. هذا ما يتكرر في المشهد السوري، وتحديداً فيما يخص مصير القوى الكردية، وعلى رأسها قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي وجدت نفسها مجدداً على مفترق طرق مصيري، بعد مؤشرات واضحة على تخلي الولايات المتحدة عن التزاماتها السابقة تجاهها.

لقد كانت قسد تراهن لسنوات على التحالف الدولي، خصوصاً الولايات المتحدة، كشريك أساسي في الحرب على تنظيم داعش، وكحامٍ غير مباشر للمنطقة الكردية شرق الفرات. إلا أن التحولات الاستراتيجية في واشنطن، خاصة بعد الاتفاقات الأمنية بين أميركا وتركيا، وبدء تمهيدات انسحاب أميركي تدريجي من شمال شرق سوريا، دفعت قسد إلى البحث عن بدائل، فكان الرهان على فرنسا كورقة أخيرة في المواجهة مع الزمن والفراغ.

إلا أن دمشق لم تقف متفرجة. فقد أرسل النظام السوري، عبر نائب رئيسه السابق فاروق الشرع، إشارات انفتاح تجاه باريس، مستبقاً قسد في فتح قناة مباشرة مع الفرنسيين. وبذلك، سحب الشرع البساط من تحت أقدام “الإدارة الذاتية”، وأجهض محاولتها في حشد دعم غربي بديل، وسط تخلي واشنطن الوشيك.

ما يحصل اليوم هو نتيجة طبيعية لغياب المشروع السياسي الكردي السوري عن الساحة الدولية. فالإدارة الذاتية، رغم ما قدمته ميدانياً، لم تتمكن من ترسيخ نفسها ككيان قابل للاستمرار أو كشريك ضروري لأي حل سياسي في سوريا. وكلما تعمقت التحولات الإقليمية، كلما تراجع وزن الورقة الكردية، وتحولت من عنصر فاعل إلى ورقة تفاوضية بين الكبار.

غياب الضمانات الدولية ووضوح تراجع الالتزام الأميركي يعني أن الكرد في سوريا باتوا بلا ظهر حقيقي. الرهان على القوى الكبرى، دون امتلاك أدوات ضغط ذاتية أو تحالفات إقليمية، هو رهان على وهم مؤقت. ولعلّ ما يجري الآن هو أكبر دليل على أن السياسة الدولية لا تعترف بالعدالة أو الشراكة، بل بالمصالح والقدرة على التأثير.

المسألة اليوم لم تعد فقط انسحاب أميركي أو فشل الرهان على فرنسا، بل باتت تتعلق بمصير شعبٍ كامل. في ظل هذا الفراغ، قد تواجه المناطق الكردية خطر الانهيار السياسي، أو التهامها تدريجياً من قبل النظام أو حتى قوى معارضة موالية لأنقرة، ما يعني نهاية المشروع الكردي السوري بصيغته الحالية.

إن لم تُراجع القيادة الكردية استراتيجياتها، وتبحث عن صيغ واقعية للتحالفات، وتُعيد ترتيب أوراقها الداخلية، فإن الورقة الكردية فعلاً تكون قد سقطت، لا على طاولة المفاوضات، بل في مهب الريح.

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…