الفيدرالية لا تعني الانفصال أو التقسيم .. كما يظن البعض

 شادي حاجي
لفهم الفيدرالية بشكل أوضح وأكثر شفافية لابد أن نعود ويعود أصحاب القرار السياسي في دمشق وممثلي كل المكونات السورية والمهتمين بالشأن السياسي السوري إلى التجربة الألمانية بعد الحرب العالمية الثانية حينها سيقرأون ليس فقط قصة نهوض دولة من ركام الهزيمة بل سيقف الجميع أمام نموذج عميق لفنّ إعادة بناء الدولة على أسس تعاقدية متينة جعلت من الفيدرالية أداة للتماسك والديمقراطية لا للتفكك ولا للتسلط.
وسيلاحظون أن ألمانيا الخارجة من الحرب لم تكن فقط بلداً مهزوماً عسكرياً بل كانت محطّمة سياسياً وأخلاقياً حاملة لإرث ثقيل من النظام النازي والكل يعلم أن سوريا لايختلف عن ماتعرض له ألمانيا في تلك الحقبة من الزمن  في كثير من الحالات وفي ظل هذا الانهيار الشامل لألمانيا جاءت الفيدرالية الألمانية بوصفها تعاقداً جديداً بين المركز والأقاليم يحول دون عودة النزعة المركزية الاستبدادية، ويمنح كل ولاية حق التعبير عن هويتها السياسية والثقافية والأمنية والقانونية ضمن الإطار العام للدولة.
وبالتالي فإن فيدرالية ألمانيا الحديثة لم تكن مجرد تقسيم إداري للسلطات بين المركز والولايات، بل كانت مشروعاً فلسفياً وسياسياً متكاملاً لإعادة تعريف العلاقة بين الفرد والدولة بين الخصوصي والعام وبين المحلّي والوطني وبالتالي لم تكن في أيِّ صورةٍ من صُورها تنازلًا من الدولة بل كانت تعبيرًا عن قناعة راسخة بأن تنوّع الأقاليم واختلاف ثقافاتها وتجاربها هو مصدر قوة لا تهديداً للوحدة.
وقد تجلّى هذا في الدستور الألماني أو القانون الأساسي الذي منح الولايات سلطات واسعة في مجالات الحكم المحلي ، التعليم، الشرطة، الثقافة، وحتى في بعض جوانب التشريع، في حين احتفظ المركز بالسياسات السيادية الكبرى كالخارجية والدفاع والعملة.
والوضع السوري لايختلف عن ماتعرض له ألمانيا في تلك الحقبة من الزمن فالسوريون أمام تعددية قومية ودينية وطائفية وحتى باتت مناطقية عميقة في بعضها وذاكرة مثقلة بالإضطهاد والقمع والإنكار والحرمان والصراع سياسياً وثقافياً ومجتمعياً وشبه انعدام للثقة بين جميع المكونات فضلاً عن تدخلات خارجية اقليمية ودولية متضاربة المصالح والأهداف منذ أن استلم حزب البعث وآل الأسد الحكم في سوريا وزادت وتيرة هذا الأمر أكثر شدة منذ الأزمة السورية التي اندلعت في عام 2011 وهذا ما يجعل من التجربة الألمانية الناجحة والتجارب الفيدرالية الأخرى السويسرية والأمريكية والإماراتية وبالإضافة الى هذه فهناك حوالي 25 دولة فيدرالية في العالم في الوقت الحالي، بحيث تمثل تلك الدول مجتمعةً 40 بالمئة من سكان العالم، بحيث تشمل تلك الدول أكبر الديمقراطيات وأكثرها تقدماً أمراً بالغة الأهمية لا نقول باستنساخ تلك التجارب والنماذج بل بالحاجة  إلى الاستفادة منها وإعادة تأويلها وفق مايناسب الوضع السوري قومياً ودينياً وطائفياً وجغرافياً وتاريخياً على أن تكون سوريا لكل السوريين وليست لفئة أو طائفة أو قومية بما يخدم الدولة السورية ومكوناتها ووحدة وسيادة أراضيها وحدودها الدولية .
وإلى مستقبل أفضل
ألمانيا في 7/5/2025

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…