“الشباب الإيراني والهجرة: بين العقبات الحكومية والبحث عن فرص جديدة”

سعيد عابد

مع تكثيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في إيران، أصبحت الهجرة استجابة واسعة النطاق في جميع شرائح المجتمع. من العمال المهرة إلى أصحاب الأعمال، يستكشف العديد من الإيرانيين طرق مغادرة البلاد بحثاً عن الاستقرار والفرص في أماكن أخرى. ويشمل جزء كبير من هذا الاتجاه الشباب، حيث اختار العديد من الشباب الإيرانيين التعليم كمسار للهجرة. في المقابل، تتخذ السلطات الإيرانية تدابير صارمة على نحو متزايد للحد من هذه الهجرة، وتستهدف المؤسسات ذاتها التي تساعد الطلاب على الدراسة في الخارج.

اتجاه متزايد للهجرة التعليمية

أصبحت الهجرة التعليمية خيارًا مفضلًا للشباب الإيرانيين الباحثين عن فرص في الخارج. وفي مواجهة آفاق العمل المحدودة، وعدم الاستقرار الاقتصادي، والقيود السياسية، ينظر العديد من الشباب إلى الجامعات الأجنبية باعتبارها بوابتهم إلى مستقبل أكثر إشراقًا. ومع ذلك، استجاب المسؤولون الإيرانيون بسياسات مصممة لوقف تدفق الشباب الذين يغادرون البلاد. وتشمل هذه التدابير ارتفاع تكاليف إصدار الدرجات الأكاديمية، والإلغاء المتكرر لامتحانات الكفاءة في اللغة الإنجليزية، والقيود على العملة، والحملات القمعية على الوكالات التي تسهل برامج الدراسة في الخارج.

في الأيام الأخيرة، ذكرت وسائل الإعلام المحلية أن النظام القضائي الإيراني بدأ في استهداف المؤسسات التي تساعد الطلاب في الدراسة في الخارج بنشاط. ووفقًا لولي الله مهبودي، نائب المدعي العام في طهران، فإن المؤسسات التي لا تخضع لإشراف مباشر من وزارة العلوم أو وزارة الصحة تعتبر “غير مرخصة”. يسمح هذا التصنيف للسلطات بإغلاق هذه المؤسسات، وحجب مواقعها على الإنترنت، ومنعها من مواصلة خدماتها. ويزعم مهبودي أن هذا جزء من حملة “لحماية الحقوق العامة ومنع الجريمة”. ويبرر القضاء هذه الإجراءات باتهام المؤسسات غير المرخصة باستغلال رغبات الطلاب في الهجرة لتحقيق مكاسب مالية وانتهاك حقوق المواطنين.

عقبات منهجية أمام الطلاب الطموحين

إن العديد من هذه المؤسسات هي وكالات خاصة تسهل إرسال الطلاب إلى الخارج، مستغلة الطلب المتزايد بين الشباب الإيرانيين للدراسة في الخارج. ومع فرض اللوائح الصارمة والأعباء المالية عليها، غالبًا ما يجد الطلاب أنفسهم يلجأون إلى هذه الكيانات الخاصة على الرغم من التكاليف والمخاطر المرتفعة. وتزعم السلطات أن مثل هذه الوكالات تستغل الطلاب والأسر المعرضة للخطر لتحقيق ربح كبير، ومع ذلك فإن جذر القضية لا يزال دون معالجة: العوامل التي تحفز هذا الاتجاه للهجرة.

في أوائل أكتوبر/تشرين الأول، أفادت وكالة أنباء تسنيم التابعة للحرس الثوري أن تراخيص 60 وكالة لإرسال الطلاب ألغيت في السنوات الثلاث الماضية، ولم يتبق سوى 120 وكالة معتمدة من الحكومة تعمل. تخضع هذه المنظمات لمجموعة عمل تتألف من ممثلين من وزارات متعددة، بما في ذلك العلوم والصحة والشؤون الخارجية والإعلام والعدل والإرشاد الإسلامي، وكلها تفحص طلبات الحصول على تراخيص التشغيل. وتعتبر أي وكالة تعمل خارج موافقة هذه المجموعة غير قانونية.
المتطلبات الدينية والأيديولوجية للطلاب الأجانب
يتعين على الطلاب الذين يسعون إلى الدراسة في الخارج من خلال القنوات المعتمدة من الحكومة تلبية متطلبات أيديولوجية صارمة. ووفقًا لقانون إيران بشأن إرسال الطلاب إلى الخارج، فإن أولئك الذين يثبتون الولاء للمرشد الأعلى والجمهورية الإسلامية هم فقط المؤهلون للحصول على الدعم القانوني. بالإضافة إلى ذلك، لا يُسمح للطالبات الحاصلات على درجة البكالوريوس أو أعلى بالدراسة في الخارج إلا إذا كن متزوجات ويرافقهن أزواجهن.
ونظرًا لهذه القيود، يختار العديد من الطلاب التقديم بشكل خاص أو مستقل. ومع ذلك، من خلال التحايل على القنوات الحكومية، يتم تصنيف هؤلاء الطلاب والجامعات التي يلتحقون بها على أنهم “غير مرخصين”. ونتيجة لذلك، غالبًا ما لا تعترف وزارة العلوم الإيرانية بالدرجات التي تم الحصول عليها من هذه المؤسسات الأجنبية، مما يجعل من الصعب على هؤلاء الخريجين العودة والعمل في إيران بمؤهلات أجنبية.

العقبات المالية واللوجستية

في السنوات الأخيرة، صعدت السلطات الإيرانية من الحواجز المالية لردع هجرة الطلاب. وبحسب أحدث إرشادات وزارة العلوم، يتعين على الخريجين دفع رسوم كبيرة “لإصدار” شهاداتهم، والتي تحتفظ بها الحكومة لضمان الامتثال لمتطلبات ما بعد التخرج. على سبيل المثال، يتعين على حاملي درجة البكالوريوس دفع 40 مليون تومان سنويًا  لإصدار شهاداتهم، في حين يواجه خريجو الماجستير رسومًا سنوية قدرها 50 مليون تومان. والتكاليف أعلى بكثير في المجالات الطبية، حيث تصل إلى 120 مليون تومان سنويًا لطب الأسنان، وهو ما يترجم إلى حد أدنى 500 مليون تومان لبرنامج طبي كامل.
بالإضافة إلى ذلك، أضافت عمليات الإلغاء المتكررة لامتحان IELTS – وهو اختبار إتقان اللغة الإنجليزية المطلوب من قبل العديد من الجامعات الأجنبية – إلى الأعباء على المهاجرين الطموحين. يجبر هذا الإلغاء الطلاب على تحمل تكاليف سفر إضافية بالذهاب إلى دول مجاورة مثل تركيا لإجراء الاختبار.

الخطاب الرسمي وواقع هجرة الشباب

على الرغم من التدابير المتخذة، كانت السلطات مترددة في الاعتراف بالأسباب الجذرية التي تدفع الشباب الإيرانيين إلى الخارج. انتقد المرشد الأعلى علي خامنئي علناً أولئك الذين يغادرون البلاد بعد إكمال تعليمهم، واتهمهم بخدمة القوى الأجنبية. ويزعم أن هؤلاء الأفراد “يُغذون ويتطورون في إيران، ولكن عندما يصلون إلى ذروتهم، يغادرون ويقدمون فوائد مواهبهم للآخرين”. ومع ذلك، تتجاهل تعليقاته التحديات الشاملة داخل إيران والتي تدفع الشباب إلى البحث عن فرص في أماكن أخرى.
وفقًا لبيانات المرصد الإيراني للهجرة، فإن عدم الاستقرار الاقتصادي والقمع السياسي والاستياء الاجتماعي وأزمة التوظيف هي عوامل مهمة تدفع اتجاه الهجرة. وبدلاً من معالجة هذه القضايا الأساسية، ركزت الحكومة على التدابير العقابية للسيطرة على التدفق الخارجي، مثل منع الطلاب المحتجين من مغادرة البلاد وتنفيذ قيود العملة على أولئك الذين يسعون إلى الدراسة في الخارج.
الخلاصة

مع تدهور الظروف الاقتصادية والاجتماعية في إيران، ازدادت الرغبة في الهجرة، وخاصة بين السكان الأصغر سناً. وعلى الرغم من جهود الحكومة لفرض القيود، فإن تصميم العديد من الإيرانيين على السعي إلى حياة أفضل خارج وطنهم لا يزال قائماً. إن اختيار المغادرة ليس مجرد قرار فردي، بل إنه يعكس خيبة الأمل الأوسع نطاقاً إزاء الآفاق المستقبلية داخل إيران. وإذا ظلت الظروف الحالية دون معالجة، فمن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه، الأمر الذي يترك مستقبل إيران في ظل تقلص مخزون المواهب وتزايد إحباط الشباب.

*سعيد عابد عضو لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية؛ ناشط في مجال حقوق الإنسان، وخبير في شؤون إيران والشرق الأوسط*

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…