صبري رسول
تُعَدّ الاتفاقية الثنائية بين الرئيس السّوري المؤقت وبين قائد قوات سوريا الديمقراطية مدخلاً إلى المعالجة السّياسية للقضية الكردية في سوريا رغم أنّها لم يرد فيها ما يخصّ الكرد سوى في البند الثّاني.
والبنود الأخرى تتناول قضايا عسكرية ومناطق النفوذ.
صحيح أن رأس النظام السابق البائد أورد في خطابه تعليقاً على أحداث قامشلي 2004 عبارة «إن الكُرد جزء من النسيج الاجتماعي السوري» كتأكيد لنفي المزاعم التي ادَّعت بوجود أيدي خارجية في الأحداث، إلا أن الأوضاع اتجهت إلى التأزيم، حيت شدد النظام قبضته الأمنية على الكرد.
في هذه الاتفاقية هناك مؤشرات إيجابية أكثر من التعاطي السابق للأنظمة السورية منذ الاستقلال للقضية الكردية سواء من المعارضة أو النظام المتشددين عروبياً، فإقرار رئيس الدولة المُعيّن وغير المُنتخَب في المرحلة الانتقالية يشير إلى أن هذه القضية دخلت حيز المعالجة السياسية خاصة في الدستور.
كان المنطقة الكردية تحت نفوذ قسد مرشحة جداً للتصعيد العسكري، خاصّة أن الدولة التركية لم تقف لحظة من دون التحريض على إبادة الكُرد، وشحّنت الفصائل المتشددة للقيام بعمليات عسكرية في المناطق التي تسيطر عليها قسد، بل كانت مرشحة لمزيد من القتل والنزوح والتهجير والتطهير العرقي، وجات الاتفاقية لوضع حدٍّ لتلك الاحتمالات الخطرة.
أما الملاحظات التي علي تسجيل عليه :
وقعت السلطة الجديدة في دمشق في مأزق سياسي وأخلاقي في ردة فعلها لمعالجة التمرّد، أو ما يمكن تسميته «فلول النظام السابق» واستخدام العنف المفرط ووقوع ضحايا مدنيين شوّه صورة السلطة لدى السوريين والخارج، وجاءت هذه الاتفاقية إنقاذاً للسلطة الجديدة من جهة وإنقاذاً للوضع العسكري لقسد المُهدَّد من قبل تركيا وأتباعها، يعني يمكن القول: إنّها اتفاقية «الإنقاذ» للطرفين بغضَ النّظر عن حقوق الكُرد أو استحقاقات شكل الدولة السورية وشكل نظامها في المرحلة المقبلة. وجاءت هذه الاتفاقية إنقاذاً لسلطة الشّرع أولاً، وللإيحاء بأنها ستعالج الملفات الساخنة بالحوار والاتفاقيات، من جهة أخرى قد تكون الاتفاقية درءاً للمخاطر التي تحدق بالكرد وليس لقسد فقط من جهة تركيا والفصائل المتشددة التابعة لها، لكن كان يمكن للمفاوض المحنك صياغة البند الخاص بالكرد بما يضمن الحلول المستقبلية مثل : ضمان الحقوق الدستورية للكرد، لكن المفاوض العسكري لا يفكّر إلا بمسألة النفوذ.
تضخيم حجم الاتفاقية والإنجاز ووصفها بالتاريخية أمرٌ مبالغٌ فيه، ويمكن القول أنّ البند الخاصّ بالحقّ الكردي تجاهل حقيقة الشعب الكردي ووجوده التاريخي على أرضه التاريخية، وحجم الفاتورة الكبيرة منذ 13 سنة «خمسة عشر ألفاً من الشهداء وأكثر من عشرين ألفاً من الجرحى» عدا عن حجم المآسي لم يقابلها ما يماثل تلك التضحيات.
فقد ورد في الاتفاقية البند الثاني:«المجتمع الكوردي مجتمع أصيل في الدولة السورية وتضمن الدولة السورية حقه في المواطنة و كافة حقوقه الدستورية، الدستور السّوري سيضمن حقّه في المواطنة، وكافاة حقوقه الدّستورية».
المعنى الذي يقصد بهذه الكلمة «المجتمع» هو جماعة من الناس، والمجتمعات أساس ترتكز عليه دراسة علوم الاجتماعيات. وهو مجموعة من الأفراد تعيش في موقع معين تتربط فيما بينها بعلاقات ثقافية واجتماعية، يمكن إطلاق مصطلح المجتمع على مجموعة أفراد في قرية ما أو مدينة، والمصطلح لا يشير سياسياً إلى مفهوم الشعب. وبذلك هذا انتقاص من مفهوم الشّعب الذي تسعى الحركة السياسية الكردية إلى الاعتراف الدستوري به.
«الشعب هو أيّ جمع من الأشخاص المعتبرين كلية واحدة، وهو مصطلح يستخدم في السياسة والقانون للإشارة إلى جماعة أو مجتمع مجموعة عرقيّة أو أمة، أو للإشارة إلى الجمهور أو عامة الناس في نظام سياسي، وعلى هذا النحو هو في قانون حقوق الإنسان والقانون الدولي وكذلك القانون الدستوري»[1]
الشعب له خصوصية في المفهوم السياسي والاجتماعي، ويمتلك الشخصيّة المستقلّة في الانتماء واللغة، ويجب أن يكون الشعب مالكاً لذاته والمتّسق مع خصوصيته، والقادر على القيام بدوره في تقديم الخدمات لمجتمعاته المحلية في المدن والأرياف، وينظّم آليات عمليّة في الحكم المحلي.
و«يتألّف الشعب من فئات اجتماعيّة وطبقات مختلفة، يتفاوت وضعها في المجتمع»[2]
الاتفاقية لم تمنح الكُرد الخصوصية القومية، كثاني أكبر مجموعة عرقية في سوريا، وأصبح مساوياً للأقليات الأخرى المتناثرة، كالتركمان والشركس مثلاً. لذلك يمكن التأكيد أنّ الاتفاقية ببنودها المنشورة انتقاصُ للشخصية الكردية، وقد لاتمنح الأنظمة المتعاقبة أكثر من هذا السقف المتدني من الحقوق.
=============
[1] – People – Wikipedia, https://en.wikipedia.org/wiki/People
[2] – المعجم الفلسفي المختصر، ترجمة توفيق سلوم، دار التقدم، موسكو- 1986، ص 272