الحوار الهادئ الرصين كفيل بمعالجة الازمة

صلاح بدرالدين

 

  التحولات السورية ، وسقوط نظام الاستبداد ، وقيام سلطة الإدارة الانتقالية المؤقتة بدمشق ، والتباطؤ في انجاز الخطوات المطلوبة شعبيا وهي لاتعد ولاتحصى ، وظهور العامل الاسرائيلي بقوة في الملف السوري ، ومجيئ إدارة جديدة بامريكا ، والتطورات الداخلية في دول الجوار : تركيا ، إسرائيل ، العراق ، لبنان ، لم يشفع كله في تسهيل محاولات معالجة الازمة الخاصة بالحركة السياسية الكردية ، بل زادها تفاقما ، وأصبحت الحيرة ، وزيادة الترقب ، وتراكمات الشكوك ، سائدة لدى أوساط الراي العام ، ومازاد بالطين بلة اخفاق الأحزاب الكردية المتصدرة للمشهد في التوصل الى اتفاق ، والاعتراض على مساعي الوطنيين المستقلين خارج اطرها ، ورفض مقترحاتهم ، ومبادراتهم وبشكل خاص عدم قبول مشروع حراك ” بزاف ” في عقد المؤتمر الكردي السوري الجامع ، على أساس تشكيل لجنة تحضيرية بغالبية مستقلة ومشاركة الأحزاب ، واكتفائها ( الأحزاب ) بلجنة حزبية ثنائية للتوجه الى دمشق كتمثيل للكرد السوريين وحركتهم ؟! ، وانعكس ذلك كله بنتائج عكسية سلبية على المشهد في الساحة الكردية ، وجعلت ( الآذان مغلقة ، واللغة متهافتة ، والتفكير معدوم ) بحسب توصيف صديقنا المثقف السوري للحالة السائدة في البلاد .

  ماحصلت من ردود افعال بالايام الأخيرة بشأن مذكرة حراك ” بزاف ” الى الرئيس الشرع تعبير دقيق عن الأجواء السائدة – غير الطبيعية – وعن درجة ارتداد الخطاب الثقافي نحو الوراء ، حيث تظهر بوضوح مدى قدرة – الحزب الآيديولوجي بمالديه من وسائل اعلام ، وقوى عسكرية وامنية ومالية – في بث ، وتعميم خطابه حتى في أوساط بعض النخب ، وإمكانية تجنيد كثير من الأقلام لخدمة اغراضه ، والتشهير بالآخر المختلف .

 

بدلا من الحوار الهادئ

  تنوعت نماذج ردود الفعل على مذكرة ” بزاف ” بين :

  اولا – من تفهم جوهر الموضوع المطروح وهو السماح القانوني لعقد مؤتمر كردي سوري بدمشق ، وتضامن مع المطلب او لم يبدي رايا ، وهو النموذج الغالب ، والذي يركن اليه .

  ثانيا – من قرأ المذكرة بشكل نقدي ، وطالب بتفسيرات ، وقد تمت الاستجابة بصدر واسع وتقدير .

  ثالثا – اما أصحاب المواقف العدائية المسبقة من جهات حزبية ، وافراد  فقد وجدت فرصة مناسبة لبث سموم الفرقة والانقسام ، والطعن بمصداقية حراك ” بزاف ” ونشطائه ، وتنوعت مداخلاتهم بين :

  ١ – من استحضر تعبيرات غير لائقة ، واتهامات كانت قد خرجت قبل عقود من مكتب – محمد منصورة – ومن بيانات منشقين متواطئين مع أجهزة السلطة المقبورة ، مع إضافة بند جديد : اتهامنا بالإرهاب لأننا وجهنا رسالة الى ( الإرهابي ) الشرع ؟؟!! .

  ٢ – من بعض – القومويين حديثي العهد – الذين يريدون الهروب من بيئاتهم السوداء وخدمات اسلافهم لأجهزة السلطة خصوصا المخابرات العسكرية ومديرها – منصورة – ، هؤلاء يسعون الى الانتقام ، والى الاستمرار في تقديم الخدمات للقوى السائدة في كل زمان .

 

نماذج من الاتهامات

 – ( حراك بزاف يعمل مع ارهابيي جبهة النصرة  الحاكمين بدمشق ) – والحقيقة لم نتعامل يوما مع فصائل مسلحة ، فقط وجهنا مذكرة كما ذكرنا سابقا الى رئيس الجمهورية الانتقالي من اجل السماح القانوني لعقد المؤتمر الكردي بدمشق ، وان كان أصحاب الاتهام صادقون فليتهموا من ابرم اتفاقيات ، ووقعها ، ومن حاول ومازال اللقاء بالإدارة بدمشق .

  – ( حراك بزاف كشف اسرار الحركة عندما اظهر ان أحزاب طرفي الاستعصاء ضد عقد المؤتمر الكردي السوري ، واضر بوحدة الكرد عندما وجه النقد لممارسات الطرفين ومواقفها السابقة واللاحقة ) والحقيقة ان موضوعة المؤتمر الكردي لم تعد لغزا سريا ويتابع اخبارها القاصي والداني عبر الفضائيات ، ثن ان كل الأحزاب باتت مكشوفة وبعضها مخترقة من اكثر من جهة مخابراتية .

  – ( حراك بزاف تسبب في تصدع الاجماع الكردي ) واذا كان لبزاف هذا الدور الكبير فلماذا تقولون ليس لبزاف أي وجود بين الكرد ؟ .

  – ( حراك بزاف اضر بالمشروع الإسرائيلي الهادف الى تشكيل دولة كردية في سوريا ) ، في الحقيقة لم نلمس وجود مثل هذا المشروع أصلا ، وحسب المعطيات التاريخية فان إسرائيل تعمل لمصلحتها فقط ، وليس لديها برنامج لتحرير الشعوب .

  بالرغم من كل التجاوزات ، والأساليب الرخيصة من جانب البعض فان حراك بزاف سيبقى ملتزما بمبادئه القومية والوطنية ، ولن ينجر الى المشاحنات الشخصانية ، لانه واثق من نفسه ومن مشروعه ، ومن جماهيره ومؤيديه ، واكثر من ذلك فان نوعية – المتربصين – المتدنية مؤخرا تثبت مدى عظمة حراك بزاف  ونزاهة ، وصدقية ، ووطنية لجان تنسيق الحراك المنتشرين في جميع أماكن التواجد الكردي بالداخل والخارج .

  وأخيرا يجب القول وعلى ضوء التطورات الأخيرة ان هناك مشروعان في الساحة الكردية السورية : واحد مشروع ( الحزب الآيديولوجي بعقليته الشمولية ) وبغض النظر عن الاسم والمسمى والمنبت  ، ومعه بقايا نظام الأسد ، وايتام – محمد منصورة – وثاني : مشروع الوطنيين المستقلين الكرد من كافة الشرائح ، والنخب الفكرية ، والثقافية من النساء والرجال ، ويتمحور صراع المشروعين الذي سيستمر حول الوجود الكردي ، والقضية الكردية ، والحركة السياسية ، والمؤتمر الجامع ، والقضايا الوطنية ، والاستقلالية والتبعية ، وان السبيل الوحيد لمواصلة الصراع السلمي المدني ، الحضاري ، المنتج هو الحوار الديموقراطي المستند الى اخلاقيات النضال ، والى تقاليد حركتنا التاريخية .

 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…