الجريمة والخطأ في سطور !.

شكري  بكر

 

لا توجد قوة سياسية كردية معصومة من ارتكاب الأخطاء أو السلبيات. مع ذلك، فإن هذه الأخطاء لا ترقى إلى مستوى الجرائم مثل اعتقال المختلفين فكريًا أو قتل الأبرياء من أصحاب القيم والمبادئ الإنسانية والمدافعين عنها بالوسائل الممكنة. في مسيرة النضال الكردي، سواء كان مشروعًا أو غير مشروع، نجد من ينتقد المجلس الوطني الكردي، الذي ترك أبوابه مفتوحة للتوسع والانتقاد، وهناك من يهاجمه ويلصق به اتهامات باطلة.
المجلس الوطني الكردي في سوريا هو أحد الأطر السياسية في الحركة الكردية. هذا لا يعني أنه لم يرتكب أخطاء؛ فمن لا يخطئ لا يعمل. ربما لم يكن أداؤه بالمستوى المطلوب، لكنه ناضل ضمن رؤية سياسية اتخذها منذ عقد مؤتمره التأسيسي عام 2011 كإطار سياسي، ولم تتلطخ يداه بالدماء. هذا يدفعنا لطرح السؤال التالي:
من هو الطرف الكردي الذي لم يفشل في أداء واجبه النضالي منذ قيام الثورة السورية وحتى الآن؟
عند حدوث انقلابات عسكرية أو ثورات وطنية، يحق لكل فرد وكل طرف سياسي تحديد موقفه من أي طارئ يظهر في أي بقعة من العالم. الشعبان السوري والكردي جزء من هذا العالم. منذ قيام الثورة السورية، برز تياران:
  1. تيار تمثل بالنظام الطائفي والشوفيني، الذي كان يعادي كل مكونات المجتمع السوري.
  2. تيار تمثل بالمعارضة التي تشكلت على مراحل، وتوحدت ضمن برنامج سياسي تحت مسمى “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية”، الذي ضم العديد من المجموعات السياسية من جميع مكونات المجتمع السوري.
بناءً على ذلك، صدر قرار دولي بضرورة عقد مؤتمر دولي حول سوريا، وكان مؤتمر جنيف 1 ومخرجاته بسلاله الثلاث:
  1. تشكيل حكومة انتقالية.
  2. كتابة دستور جديد.
  3. إجراء انتخابات حرة ونزيهة برعاية أممية.
انطلقت عملية التفاوض بين النظام والمعارضة، وتشكّلت لجنة التفاوض من النظام والمعارضة والمستقلين.
في الجانب الكردي، عمل المجلس الوطني الكردي على المساهمة مع أغلب القوى السياسية السورية في العمل على إسقاط النظام، دون السعي وراء مصالح خاصة. لكن بعض الأحزاب الكردية، التي كانت موالية أساسًا للنظام البائد، انحرفت عن مسار الثورة السورية وتجاوزت أهدافها، متخطية سياسات خاطئة عبر الاعتماد على النظام وبعض الأجندات الإقليمية، مفضلة مصالح النظام وتلك الأجندات على المصلحة الوطنية السورية عموما والكردية خصوصا. نتيجة لذلك، انقسمت الحركة الكردية إلى تيارين مختلفين:
  1. تيار التحق بالنظام وأجندات خارج الجغرافيا السورية لمصالح خاصة.
  2. تيار التحق بالمعارضة السورية.
كان النظام يدرك تماما الشأن الكردي، وبناءً على هذا الإدراك، عمل على زرع خلافات جذرية في صفوف الحركة الكردية، ما زلنا ندفع ثمنه حتى بعد إسقاط النظام. هذا الخلاف خُطط له بدقة متناهية منذ انقلاب البعث واعتلائه السلطة في سوريا، بالإضافة إلى بعض القوى السورية، سواء كانت عربية أو كردية، وكذلك بعض القوى الإقليمية والدولية التي ساهمت أولًا في استمرار النظام في السلطة طيلة 14 عاما من عمر الثورة، وثانيا في استمرار الخلاف في صفوف الحركة الكردية، وذلك لسببين أساسيين:
  1. منع وحدة الصف الكردي سياسيًا وتنظيميا.
  2. منع توحيد الخطاب الكردي في المطالبة بالحقوق القومية المشروعة للشعب الكردي، كما شرعتها العهود والمواثيق الدولية بحق الأمم في تقرير مصيرها.
الخلاف الكردي-الكردي أساسا هو خلاف مبدئي يمس جوهر قضية الشعب الكردي، الذي يتجاوز 17% من سكان سوريا. بناءً على هذا الانقسام، فرزت الحركة الكردية تيارين:
  1. تيار ملتزم بالثوابت القومية للشعب الكردي في سوريا، الذي يعيش على أرضه التاريخية في الجزء الكردستاني الملحق بالدولة السورية، والذي من حقه التمتع بحقه في تقرير المصير أسوة بشعوب المنطقة.
  2. تيار يساوم على تلك الثوابت، ويجعل من القضية الكردية قضية أقلية قومية هاجرت من كردستان تركيا واستقرت في مدن سورية، كحلب وحماة والحسكة ودمشق واللاذقية.
لا شك أن هذا الادعاء لا أساس له من الصحة، بل كان خدعة من النظام البائد. رغم ذلك، وقفت بعض الأحزاب الكردية إلى جانب النظام أثناء الثورة لقاء امتيازات خاصة ومعينة.
هذه الحقيقة بات يدركها القاصي والداني على الصعيد الكردي والسوري والإقليمي والدولي. هذا هو جوهر الحقيقة في الأزمة المفتعلة داخل الحركة الكردية منذ أول انشقاق في الحزب الديمقراطي الكردستاني – سوريا عام 1965 والمستمر حتى هذه اللحظة.
هناك مرض منتشر في الحركة الكردية في سوريا، وهو أننا نلوم الضعيف ولا نلوم القوي أو من بيده القوة، الذي يدخل في عقد الصفقات مع القوى الإقليمية والدولية للحفاظ على مصالح فئوية ضيقة. هنا يتبادر إلى الذهن السؤال التالي:
من المستفيد كرديًا ووطنيًا من مسألة خلط الأوراق بين الجريمة والخطأ؟

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…