إبراهيم اليوسف
تتسم اللحظة التي نعيشها اليوم في سوريا بالتحولات العميقة التي لا تخلو من التعقيد والتناقضات. وقد جاء بيان ال 170 كاتبة وكاتبًا كرديًا كصرخة مدوية في وجه واقع سياسي واجتماعي يكاد يطغى عليه الظلم والتهميش بحق الشعب الكردي. ومع أن البيان اتسم بالشجاعة والوضوح، إلا أنه واجه ردود أفعال متباينة تفضح عمق الأزمة البنيوية التي تعاني منها الدولة والمجتمع السوري.
لطالما كان الكرد جزءًا أصيلًا من النسيج الاجتماعي السوري، إلا أن السياسات القومية المتطرفة التي تبناها النظام السوري في العقود الماضية استهدفتهم بصورة منهجية. من مشاريع مثل “الحزام العربي” إلى سحب الجنسية عن الآلاف من المواطنين الكرد، إذ سعى النظام البعثي- الأسدي وما قبل الأسدي- إلى محو الهوية الكردية وإقصائها من المعادلة الوطنية. واليوم، بينما تحاول المعارضة تقديم نفسها كبديل ديمقراطي، نجد أن الكثير منها يحمل الخطاب الإقصائي ذاته، ما يعكس عمق التحديات التي يواجهها الكرد.
بيان الكتّاب الكرد لم يكن موجهًا لاستجداء الحقوق أو طلب الشفقة؛ كما يزعم بعض المصابين بعمى الألوان، أو” المزايدين”” أو النهازين” الذين انقلب كل منهم مع تطورات الأوضاع في كردستان سوريا، خلال الأربع عشرة سنة الأخيرة، لداع خاص به. معروف، بل جاء كوثيقة وطنية تُطالب بتصحيح المسار نحو دولة عادلة تتسع لجميع مكوناتها. لكن الردود التي أعقبته كشفت عن تيارات عدة مناوئة، متضادة، موغلة في التعطش إلى القدح والطعن الجاهلي وإشعال فتيل الكراهية، بعيداً عن روح النقد الذي نحتاجه، فبعض العنصريين القومجيين” العروبويين” لم يروا في البيان سوى تهديد لمشروعهم القوموي الضيق، من لدن كرد لابد من تأديبهم. تحريض بعض هؤلاء ضد الموقعين أعاد إلى الأذهان ممارسات النظام نفسه، حيث تأسس خطابه على الخوف والتعصب الأعمى ضد الكردي. في المقابل فإن بعض المثقفين الكرد الممالئين والزئبقيين هنا وهناك: بالرغم من تمسك البيان بروح النقد البناء، إلا أن من بينهم من اعتبره انحيازًا ضد مشروع سياسي محدد، بعكس العروبويين والإسلامويين الذين رأوا البيان في خدمته، نعم. نعم. بعكس الإسلامويين الذين لم يدركوا أن البيان في خدمة استقرار البلاد، ما يعكس عجز كل هؤلاء عن تقبل الآراء المختلفة، والتقاء هاتيك الأطراف المتناقضة في جبهة واحدة، إذ رأوا ضرورة تبني خطاب هذا الطرف السياسي أو ذاك، وألا يكون للمثقف الكردي أي رأي في هذا المجال، وهو ما بدأ به من هم محسوبون على المثقفين، بكل أسف!
أجل. إن بعض الإسلامويين و في ظل تصاعد التيارات المتطرفة، لا يزال يرى في الكرد تهديدًا لعقيدتهم الضيقة. هؤلاء ذواتهم لجؤوا إلى التخوين والتكفير، والتأليب، غير مدركين أن البيان ينبع من رؤية إنسانية ووطنية تتجاوز الانقسامات الأيديولوجية.
ثمة من أصيب بالهلع من كردنا- المتثاقفين- الذين بدلوا رؤيتهم، خلال أربع عشرة سنة من الحرب، ضمن دائرة قطرها 360 درجة، ولاتزال بوصلتهم تدور- ومنهم الزرتكجي- وذلك بعد أن وجدوا الموقف الصائب من موقعي البيان الذين نقدوا ب ك ك أنى دعت الضرورة ذلك، بيد أنهم ما أن يقرع طبول الحرب ضد شعبهم- لكرديته- فإنهم لا ينفكون عن مصير ذويهم، ويرافعون عنهم، وهومافعلناه منذ محاولات تركيا 2012 لغزو سري كانيي- رأس العين، ومروراً بكل محطة، ولمن يريد أن يعيد تأكده من الموقف الصائب الذي قمنا به، فليعد إلى مدونة كل منا!
للعلم، أنه لم يكن نهجنا يومًا ما- ككتاب ملتزمين بقضية شعبنا وبلدنا في آن- الالتفاف حول الحقائق أو التهرب من مواجهة الخطابات المتطرفة، غير محابين أية قوة أو أية بيادق مستولدة في هذه العاصمة أو تلك، من دون أن يكون لها أي صوت نقدي في الوطن. لقد خضنا معارك فكرية وانتقادية مع مختلف الأطياف، من جبهة النصرة إلى الهيئة وتجاوزاتها، ومن شعارات داعش المستجدة بلباس – مبيض- إلى أي كيان يحمل أفكارًا تهدد القيم الإنسانية والحرية. كنا حاضرين لنقد قسد في كل أخطائه، دون محاباة أو خوف، ونقف إلى جانبه وأهلنا أنى حوربوا لكرديتهم كما يتم الآن، من دفاع عن راديكاليين إرهابيين، وتكفيرقسد، رغم أن كثيرين باتوا يكذبون عليه، اليوم، بشكل رخيص، لمجرد كردية من هم وراءه. ورغم ذلك، فإن هناك من الإسلامويين من يتوهم أن نقدنا من قبلهم هو تمهيد ل”جزّ”ِ رؤوسنا، بينما نؤكد أن رؤيتنا تستند إلى الموضوعية والوضوح.، أكثرمن كل-التشكيلات- الثلاثة..
نحن الموقعين على البيان لا نتوسل السيد أحمد الشرع، كشخص، أو ابن أسرة ما، ولا ابن ثقافة ما، وإنما نخاطب موقعه- وظيفته- و نواجهه بفكر واضح وأدوات حضارية. إن الشرع، الذي تغير اسمه من أبي محمد الجولاني إلى أحمد الشرع- عبر إرادة دولية- هو ذاته الذي يمكن لأي موقع على البيان أن يحاوره- في أقل تقدير- في الالتزام الإنساني والديمقراطي على مدار سنة كاملة. ومع ذلك، فإننا نحافظ على النقد الهادئ عندما يكون خطابه مقبولاً، ملتزمين بتقديم الحقائق بلا تهويل. إذ أننا- جميعاً- وأكررها: خاطبنا مركزه. مسؤوليته التي آلت إليه- وإن حالياً- وباركت له كبريات الدول التي جاءت به وبهيئته ومن والوها، وإذا كان قد وصل عبر دباية- أجنبية- فإن الأسد الأب جاء عبر دبابة مماثلة، وهي ذاتها التي حمت ابنه الأسد الصغير، فما الذي اختلف؟ هل كان الأسدان شرعيين، إذاً، لمن يبكي الشرعية؟ وما الذي يمكن فعله في بلد فتح عينيه على الانقلابات؟ هل ننتظر حكومة شرعية تتولد من تحت رماد الحرب؟ أم نعلن صوتنا في وجه العالم، قائلين: نحن هنا أيها البشر فوق ترابنا التاريخي، ولا تاريخ لأحد قبله.
وإذا كنا قد دعونا إلى سوريا- جميعنا- فإن كثيرين مثلي يرون أن هناك كردستان، وأن في سوريا جزءاً منها، إلا أننا نميل إلى العيش المشترك مع جيران طالما كانت المحبة العمود الفقري في علاقاتنا، لولا رؤى العنصريين والطائفيين؟
لقد كانت لكثيرين منا مواقف تجاه النظام السوري ورموزه. فقد انتقدنا بشار الأسد ووالده في ذروة استبدادهما، مستخدمين أدوات كل مرحلة بما يتناسب مع السياق والضرورات. ولا يمكننا إغفال لحظة مهمة في تاريخنا؛ حين قال لنا الرئيس مسعود بارزاني في ملتقى الحوار الكردي العربي في هولير الذي دعت إليه رابطة كاوا2004، وكنت- آنذاك- مع الشهيد مشعل التمو جالسين “قبالته” مع آخرين: “عندما صافحت صدام حسين، قلت له: لقد خضت بحرًا من الدماء وأنا آتٍ إليك.” تلك العبارة تلخص شجاعة الموقف وقوة العزيمة في مواجهة الطغاة.
أين الاستجداء أيها الأغبياء؟
إن البيان الذي أصدرناه ليس فيه أي استجداء، بل هو انعكاس لوعي عميق وشجاعة أدبية وفكرية. إنه مكتوب بوضوح، يُظهر الالتزام بقيم العدالة والحرية دون تنازل أو مجاملة، من دون أي تفريط بحقوق الكرد. إذ أن الرؤية المشتركة الموقعة بين الطرفين الكرديين لا تزيد عما قلناه، بل إن دورنا- كمثقفين- إن كنا كذلك، يكمن في إضاءة الطريق للسياسي الذي طالما تجاهل الثقافي، وأراده تابعاً، وما المثقف الكردي الذي رأى في البيان الموقع إلا تطاولاً- على حد وهمه- فيما لا يعنيه!
لا يمكن إنكار أن الشعب الكردي عانى على مدار عقود من سياسات التهميش والإقصاء. واليوم، يتطلع الكرد إلى مستقبل مختلف، ليس فقط بالاعتراف بحقوقهم القومية، بل بضمان مشاركتهم الكاملة في بناء دولة حديثة وديمقراطية. إن المطالبة بنظام فيدرالي أو لا مركزي ليس خيارًا انفصاليًا كما يحاول بعضهم تصويره، بل هو صيغة عادلة تضمن وحدة البلاد وتنوعها في آن واحد.
لقد أثبت التاريخ أن الشعب الكردي كان دائمًا في طليعة القوى الوطنية التي ناضلت ضد الاستبداد والاحتلال، بعيداً عن تزوير التاريخ الذي تم ويتم، على قدم وساق. ومع ذلك، لم يكن المقابل سوى المزيد من الظلم والجحود. إن البيان الأخير يعبر عن رغبة الكرد في طي صفحة الماضي وفتح آفاق جديدة لسوريا المستقبل. لكن هذه الرؤية تتطلب تجاوبًا من باقي المكونات السورية، خاصة العرب الذين يتحملون مسؤولية تاريخية في بناء شراكة حقيقية مع الكرد.
ومن هنا فالبيان الذي وقع عليه حوالي 170 صاحب قلم كردي هو شهادة حية على إصرار الكرد على المطالبة بحقوقهم ضمن إطار وطني جامع، وقد أرعب” تشكيلات” متضادة، كجماعات صغيرة، ما جعلهم يفقدون صوابهم. وهو دعوة صريحة لجميعنا، ولاسيما المعارضة السورية، لمراجعة مواقفها وسياساتها. سوريا المستقبل لا يمكن أن تكون إلا من خلال دولة مدنية ديمقراطية تُعلي من شأن العدالة والمساواة، ومن كان لديه من الكرد أفضل مما أردنا فليرنا مشروعه؟ وإن كان ممن نقدونا من السوريين ما يضمن عيشنا تحت سطوتهم: مؤخونين أو قومويين مزايدين:كرداً أو عرباً هنا وهناك، في نموذج أفضل مما استحصل من قبل تجربتي معارضة رسميتين، لم يعد يعترف بهما، فليرونا إياه؟!
غسان مفلح مو كوردي
مثقفين او سياسيين ،يعتقدون ان من يستلم السلطة في حكومات مقسمي كوردستان ،ينطلقون من هذا المطلب الكوردي اوذاك،وبالتالي يتحدد موقفهم…لاياسادة ياكرام موقف الموجودين في السلطة ،في تركيا ايران العراق سوريا،ينبع من القضاء على الشعب الكوردي،وليس له أي علاقة بمايطلبونه…انظر إلى العراق ،الان عندهم استعداد للقيام بأكثر مما قام به صدام،كم سنة ولايريدون حل مشكلة الرواتب، يدفعون باولاد الطالباني ضد اربيل للقضاء على كوردستان الجنوبية…اترك بقية أجزاء كوردستان حيث الفاشية في اوجها….
بقي لنا الامل في امريكا واسرائيل،وعلينا أن نجد طريقة للتعامل مع هذا….