البروفيسور جاويد رحمن: صوت العدالة للضحايا

البروفيسور جاويد رحمن

نظام مير محمدي *

في عام 1988، شهدت إيران واحدة من أحلك فصول تاريخها، حيث تم قتل الآلاف من السجناء السياسيين بوحشية لا توصف. كانت الأغلبية العظمى من هؤلاء الضحايا أعضاء ومؤيدين لمنظمة مجاهدي خلق، في جريمة إبادة جماعية لم تجد طريقها إلى العدالة حتى اليوم. مع مرور 36 عامًا على هذه المجزرة، برز البروفيسور جاويد رحمن، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران، كأحد أهم الشخصيات التي سلطت الضوء على هذه الجرائم وطالبت بتحقيق العدالة. وقبل انتهاء ولايته كمقرر خاص، قدم رحمان تقريره النهائي إلى الأمم المتحدة، مشيرًا بشجاعة وحيادية تامة إلى هذه الفظائع باعتبارها “جرائم ضد الإنسانية”.

في خطوة اعتراف دولية بأهمية العمل الذي قام به، كرمت منظمة حقوق الإنسان الدولية “العالم بلا إبادة جماعية” البروفيسور جاويد رحمن تقديرًا لدوره الحاسم في توثيق جرائم عام 1988 والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في إيران. مذبحة 1988 تمثل واحدة من أبشع الجرائم التي ارتكبتها السلطات الإيرانية ضد معارضيها، حيث تم تنفيذ الإعدامات الجماعية في حق الآلاف من السجناء السياسيين، أغلبهم من أعضاء مجاهدي خلق، بناءً على فتوى مباشرة من آية الله الخميني.

في رسالتها إلى البروفيسور رحمن بتاريخ 3 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أعربت الدكتورة إلين جيه كينيدي، المديرة التنفيذية لمنظمة “عالم بلا إبادة جماعية”، عن تقديرها العميق لجهوده التي بذلها في الدفاع عن حقوق الإنسان وتوثيق هذه الفظائع التي ارتكبت في الثمانينيات. أشارت كينيدي إلى أن العمل الذي قام به رحمن لم يكن مجرد توثيق للأحداث، بل كان أيضًا دعوة عالمية لإجراء تحقيقات شفافة ومحاسبة المسؤولين عن هذه الجرائم.

 

تكريم جاويد رحمن

يتمتع البروفيسور جاويد رحمن بخبرة طويلة في مجالات الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان، وقد لعب دورًا محوريًا في تقديم أدلة دامغة على الإعدامات الجماعية التي نُفذت في إيران في عام 1988. بصفته مقررًا خاصًا للأمم المتحدة، دعا رحمن بشكل متكرر إلى جمع الأدلة وحفظها لضمان عدم إفلات المتورطين في هذه الجرائم من العقاب. إن التزامه بالقضية لم يقتصر على كونه باحثًا ومحققًا، بل كان أيضًا صوتًا يطالب باستمرار بالعدالة للضحايا وأسرهم.

تؤكد الدكتورة كينيدي على أهمية ما قدمه رحمن من عمل جريء وشجاع في تسليط الضوء على مجزرة 1988، قائلة إن الاحتفاظ بذكرى هذه الأحداث الدامية حية هو أمر بالغ الأهمية لتجنب تكرارها في المستقبل. منظمة “عالم بلا إبادة جماعية” تعمل باستمرار على توعية الجمهور حول الإبادة الجماعية، وقد أشارت في رسالتها إلى أن مجزرة عام 1988 لم تكن حادثة عابرة، بل نتيجة لإجراءات مخطط لها بعناية من قبل النظام الإيراني بهدف القضاء على المعارضة السياسية.

 

المجتمع الدولي ومطالب المحاسبة

تكريم البروفيسور جاويد رحمن هو رسالة واضحة للمجتمع الدولي بأن العدالة لا تزال ممكنة. الجرائم التي ارتُكبت في عام 1988 يجب أن تبقى في الذاكرة الدولية، ويجب على الحكومات والمؤسسات الدولية أن تستمر في الدفع باتجاه محاسبة قادة النظام الإيراني الذين أمروا ونفذوا هذه الإعدامات. وقد أوضح رحمن في أكثر من مناسبة أن هناك أدلة قوية تشير إلى أن تلك الجرائم تندرج تحت تعريف الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية.

في مؤتمر عُقد مؤخرًا في 24 أغسطس/آب 2024 في مقر المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، تم تسليط الضوء مجددًا على هذه القضية بحضور مجموعة من الخبراء الدوليين. في هذا المؤتمر، أكدت السيدة مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، على أهمية تقرير جاويد رحمن حول مذبحة 1988 والإعدامات الجماعية التي سبقتها في عامي 1981 و1982، مشيرة إلى أن هذا التقرير يُعد تحولاً مهمًا في مسار فضح هذه الجرائم.

 

خاتمة

مع مرور 36 عامًا على مذبحة 1988، يظل صوت جاويد رحمن أحد أقوى الأصوات الدولية التي تطالب بتحقيق العدالة لضحايا هذا الفصل المأساوي من تاريخ إيران. إن الجرائم التي ارتكبها النظام الإيراني ضد السجناء السياسيين ليست فقط ذكرى مؤلمة، بل هي دعوة مستمرة للمجتمع الدولي للوقوف في وجه الظلم وضمان عدم تكرار مثل هذه الفظائع في المستقبل.

*كاتب حقوقي وخبير في الشأن الإيراني

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…