إبراهيم اليوسف
بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا.
بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها:
“نسختك من الكتاب في الطريق إليك”.
لا أخفي أني سررت بهذا، لا سيما أن أصدقاء في الداخل يتذكرونني ويهدونني كتبهم. وهنا أذكر: عبدالباري أحمي، خليل مصطفى، نايف جولو، فارس عثمان، دلاور زنكي، ماهين شيخاني، برزو محمود وغيرهم، معتذراً ممن لم تحضرني في هذه العجالة أسماؤهم.
ولقد كانت فرحتي أكبر، عندما أرسل إليّ الأستاذ محمد النسخة الإلكترونية من كتابه الجديد، فقرأتها خلال ساعات فحسب، لأجد فيها ما سبق وقرأت عنه، أو ما سأقرؤه لأول مرة. لا سيما أنني ممن يعنون بما يُكتب عن التاريخ الكردي في الدرجة الأولى، بشكل عام، وكل ما كتب في تاريخ الحركة الكردية محل تقدير لدي. فقد سبق وأهداني الراحل محمد ملا أحمد كتابه، وهو في قامشلي، وهكذا أهداني الأستاذ صلاح بدرالدين مؤلفاته، كما الراحل الأستاذ عبدالحميد درويش، وغيرهم ممن كتبوا في هذا المجال.
ولمحمد جزاع مكانة خاصة عندي، لاعتبارات عدة. ربما أولها: أنه، في لجة حرب النظام عليّ، ونقلي من العمل في مجال التربية إلى العمل في “مكتب محو الأمية” – إذ تم إبعادي من العمل في مكتب بائس في المركز الثقافي إلى آخر في المجمع التربوي- كي يتم إنهاء خدماتي، بناءً على نميمة من قبل أحدهم، التقطها أحد أزلام محافظ الحسكة محمد مصطفى ميرو، الذي أمر بإنهاء خدماتي ونقلي إلى وزارة الزراعة، وكان هو ذاته من أصدر قرار تعييني بعد نقلي نتيجة تقارير أمنية، بعيد نشر ديواني الشعري!
وقد كتبت آنذاك في التفاصيل، ولا أجد الآن دافعاً لذكرها، لأن الكتابة عن أدوات السلطة هؤلاء لم تعد شجاعة!
في هذه اللحظة، كنت أراجع الدكتور أحمد الحسين، رئيس المراكز الثقافية، معترضاً على التضييق علي، فكان هناك محمد جزاع، رئيس المركز الثقافي في سري كانيي “رأس العين”. ولم أكن أعرفه أو سمعت به، فاهتم بي كثيراً، في مكتب رئيس المراكز الثقافية، وقال له:
“إن كنتم لاتريدونه، انقلوه إلى مركزنا، ليعمل عندي. أنا بحاجة إليه. هكذا كاتب نشيط”
فرحت، لأنه يعرفني ويتابعني. وفرحت، لأنه دافع عني. ولكن القرار كان سارياً، لا مناص منه، ولا أريد أن أشرح ما تم.
بعد أيام، في اجتماع الهيئة الحزبية، قال لي عضو المنطقية أحمد رمضان:-أبو زويا- أحد أنبل من عرفتهم في العمل السياسي من مناضلين صادقين مع رؤاهم وذواتهم!
“من التقاك في الحسكة كان محمد جزاع، وهو مثقف وكاتب وصديق لنا”.
ثم التقينا مراراً. زارني في بيتي في إحدى المناسبات مع الصديق الباحث عبد الإله الباشا. كما أنه تم تكليفنا من قبل مجموع أحزاب الحركة السياسية الكردية: إبراهيم محمود، عبدالإله الباشا، محمد جزاع، عقب انتفاضة 2004، بالذهاب إلى دمشق للالتقاء بالمثقفين السوريين، لشرح ما تعرض له الكرد من مظالم.
عملنا كخلية نحل، في دمشق، وكان من أحد أنشطتنا الندوة التي أقامها لنا الشاعر صقر عليشي في دار الينابيع، وحضرها العشرات من دكاترة الجامعات، الشعراء، القصاصين، الروائيين، الإعلاميين. وقد تحدثنا مراراً عن هذا اللقاء، وكان جد مهم في هذه الرحلة من قامشلي إلى دمشق، والتي بقينا فيها بضعة أيام، وعشنا خلالها، نحن الأربعة، عن قرب، معاً.
في هذا اللقاء، كان كل من في الوفد يعملون بروح عالية، وأعجبتني حكمة وحنكة أبي بوشكين، كما أعرف عبقرية إبراهيم محمود أبي مالين وإنسانية وثقافة المرحوم الباشا.
كما أنني، بعد عملي التنظيمي في مناطق: عامودا، الدرباسية، سري كانيي، إلخ، التقيت كثيراً بأبي بوشكين في الندوات التي كنا نقيمها مع نخبة من مثقفي المدينة.
ولم ينقطع تواصلنا بعد سفري إلى الإمارات، ثم ألمانيا، منذ عقد ونصف وحتى الآن، ولربما اختلفنا في الرأي- هنا أو هناك- أمام قراءة الجاري في مناطقنا. وقد كتب شهادته في أحد كتبي عن رحلتنا إلى دمشق، وهي منشورة في الجزء الثالث من كتاب “انتفاضة آذار 2004”.
وإذا كنتُ قد أنهيت قراءة كتاب الباحث جزاع في جلستين عبر ساعات، ونشرت الحلقة الأولى عن الكتاب، كعرض أو إضاءة له، فقد وجب عليّ أن أكتب عن صورة هذا الباحث في إطار استذكار من أحمل ذكرى طيبة لهم، ممن وقفوا إلى جانبي، ولو عبر موقف أو كلمة.
آمل من الصديق أبو بوشكين، الذي طالما قرأت له ما كان ينشره باسم “بوشكين” في الصحافة الكردية، وفي “مواسم”، أن يواصل كتاباته التوثيقية، وأن يسعى لتشكيل لجنة مع الأستاذ فارس عثمان، وعدد من الغيارى في “سوبارو”، لجمع تراث ابن سري كانيي، عبدالإله الباشا، في مجال تاريخ الكرد، وتاريخ سري كانيي.
وجدٌ حزين، لأن يد القدر عاجلت الباشا، وخطفته، بعد إعلاني في صفحتي أني سأحاوره حول تاريخ رأس العين، وأعلم أن المحامي الأستاذ عبدالعزيز أيو عمل بدوره في هذا الجانب.
إنها دعوة ملحّة!