ازدواجية الخطاب العربي وحقوق الكورد

د. محمود عباس
أحيي الإخوة الكورد الذين يواجهون الأصوات العروبية والتركية عبر القنوات العربية المتعددة وفي الجلسات الحوارية، سواءً على صفحات التواصل الاجتماعي أو في الصالات الثقافية، ويُسكتون الأصوات التي تنكر الحقوق القومية للكورد من جهة، أو تلك التي تدّعي زورًا المطالبة بالمساواة والوطنية من جهة أخرى، متخفية خلف قناع النفاق.
وأثمن قدرتهم على هدم ادعاءات المتلاعبين بالمفاهيم، التي تهدف إلى الطعن في المكتسبات التي حققها الكورد، وتفنيد افتراءاتهم بمنطق قوي يستند إلى سوريا كوطن مشترك وإلى الدستور في سياق الصراع الكوردي-التركي. كما يبرزون بأدلة متنوعة، سياسية وثقافية، أن الاتهامات الموجهة إلى الكورد بالسعي للانفصال لا تستند إلى أي أساس حقيقي، بل إنها مجرد مزاعم تخدم أجندات أطراف معينة تقف خلفها لتحقيق مصالحها الخاصة.
في الواقع، ربما لا أملك القدرات والإمكانيات ذاتها، وربما يعود ذلك إلى أنني لم أعد أؤمن بدولة المواطنة أو بأي دستور، حتى لو كُتب بأحرف من نور. فمسيرة قرن كامل من النفاق والخداع وتجاوز الدساتير كانت كافية لترسيخ قناعة لدى أي كوردي بأن المساواة في الدول المحتلة لكوردستان أمر شبه مستحيل. هذه الدول تحتاج إلى عقود طويلة من الوعي الثقافي لتغيير الصور النمطية المعادية للكورد، والمترسخة في أذهان نسبة واسعة من شعوبها.
ومن المفارقات الغريبة أنه، وبعد قرن من الاضطهاد والظلم، ظهرت شريحة من الكُتّاب العرب تدّعي المظلومية تحت حكم الإدارة الذاتية، على الرغم من أن جميع مفاصل هذه الإدارة تُدار من قبل أشخاص عرب إلى جانب الكورد. هؤلاء الكُتّاب يحاولون الاستناد إلى ما خلفته الأنظمة السابقة من تغييرات ديمغرافية وتشويه للتاريخ، والاستيلاء على أملاك الكورد وأراضيهم، متجاهلين ما نحن عليه اليوم، ومتغافلين عن الدمار الذي ألحقته تلك الأنظمة على مدى العقود الماضية.
والسؤال هنا: هل هؤلاء حقًا يطالبون بالعدالة؟ أم أن معظمهم كانوا سابقًا جزءًا من منظومة النظام المجرم بشار الأسد وأعضاء في حزب البعث العنصري؟ أم أنهم يعيشون في رهبة من احتمال حصول الكورد على حقوقهم القومية، مما قد يؤدي إلى انهيار الذهنية التي ترفض العدالة والمساواة بين الكورد والعرب تحت سماء وطن مشترك؟
لذلك، أرى أن الحل المنطقي يتمثل إما في نظام لا مركزي فيدرالي، سواءً كان قوميًا أو جغرافيًا، ولكن بصبغة كوردستانية، أو بالاتجاه نحو الانفصال واستقلال كوردستان. وفي حال عدم تحقيق ذلك، ينبغي أن نستمر في نضالنا كما فعلنا طوال القرن الماضي.
إنهم يخافون على جغرافيات الدول المحتلة لكوردستان، رغم أنهم لا يملكون حقًا مشروعًا عليها. وبكل وضوح، هذه الأرض هي أرضنا، ولم نعد نقبل العيش تحت ظل أنظمة ديكتاتورية أو حكومات تساومنا على حقوقنا. فما الذي سيضر الشعوب العربية أو التركية إذا تحررت كوردستان؟ أم أنهم لا يستطيعون التحرر من منطق الاحتلال والسيادة على الكورد؟
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية
mamokurda@gmail.com
10/1/2025م

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

أزاد خليل* على مدى عقود من حكم آل الأسد، عاشت سوريا غيابًا تامًا لعقد اجتماعي حقيقي يعبر عن إرادة شعبها، ويؤسس لنظام حكم ينسجم مع تنوعها الثقافي والعرقي والديني. كان النظام قائمًا على قبضة أمنية محكمة وممارسات استبدادية استباحت مؤسسات الدولة لخدمة مصالح ضيقة. واليوم، مع نهاية هذه المرحلة السوداء من تاريخ سوريا، تبرز الحاجة إلى التفكير في نظام…

إبراهيم اليوسف منذ بدايات تأسيس سوريا، غدا الكرد والعرب شركاء في الوطن، الدين، والثقافة، رغم أن الكرد من الشعوب العريقة التي يدين أبناؤها بديانات متعددة، آخرها الإسلام، وذلك بعد أن ابتلعت الخريطة الجديدة جزءاً من كردستان، بموجب مخطط سايكس بيكو، وأسسوا معًا نسيجًا اجتماعيًا غنيًا بالتنوع، كامتداد . في سوريا، لعب الكرد دورًا محوريًا في بناء الدولة الحديثة،…

فرحان كلش طبيعياً في الأزمات الكبرى تشهد المجتمعات اختلالات عميقة في بناها السياسية والفكرية، ونحن الآن في الوضع السوري نعيش جملة أزمات متداخلة، منها غياب هوية الدولة السورية وانقسام المجتمع إلى كتل بطوابع متباينة، هذا اللاوضوح في المشهد يرافقه فقدان النخبة المثقفة الوضوح في خطوط تفكيرها، وكذا السياسي يشهد اضطراباً في خياراته لمواجهة غموضية الواقع وتداخل الأحداث وتسارعها غير المدرك…

عبدالله كدو المرحلة الجديدة في سوريا عامةً، وعلى الساحة الكردية خاصة، ملبدة بالعواطف الجياشة، بعضها بريء وبعضها الآخر مصطنع. وعليه، نجد أعداداً كبيرة، من بينهم كثيرون من العامة، يحاولون تسجيل حضور معين في المشهد الجديد، منطلقين أحيانا من دوافع شخصية تحت ذريعة الدفاع عن المصلحة العامة المزعومة. بالطبع، هذا الحديث لا يشمل المغرضين المكلَّفين من قبل جهات لا تريد الخير…