إسقاط الديكتاتورية في إيران مسؤولية من؟

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)*

بالتزامن مع اقتراب “إسقاط الدكتاتورية في إيران”، تحتدم المناقشات والتكهنات حول مستقبل هذا البلد، وتزداد الضرورة والأبعاد المتعلقة بذلك يومًا بعد يوم. بيد أن السؤال الرئيسي هو “من هي القوة التي تطيح بالديكتاتورية في إيران؟”. وهل كل فرد وجماعة مؤهل لامتلاك مثل هذه القوة والاضطلاع بمثل هذه المهمة؟ وهل يمكن أن تكون العودة إلى النظام السابق “خياراً” في هذا الاتجاه؟

يعلم الجميع أن الدكتاتورية السابقة التي حكمت إيران كانت من النوع “الملكي”، والدكتاتورية الحالية من النوع المسمى بـ “الجمهوري”، بل من نوع “إسلامي” مزعوم أيضاً. والشعب الإيراني محروم من حقوقه في كلتا الدكتاتوريتين.

الحرية والديمقراطية!

في أرض أو بلد بلا “حرية”، كل شيء يتلون بلون الدكتاتورية ويحمل رائحتها. ولا يهم أن يكون علماء مثل هذا النظام منتمين إلى أي مذهب أو أيديولوجية أو أُطُر فكرية، سواء كانت ملكية أو ولاية فقيه أو غير ذلك! ولذلك فإن الحرية هي الكلمة الأكثر أهمية والأقدس التي تستحق الكفاح والتضحية بالدماء من أجلها! وهذا واجب على كل إنسان واعي في إيران؛ نظراً لأنه يجب أن يتمتع الجميع بالحرية. و إلا فلن تكون هناك حرية! إن الحرية هي الحق الجوهري للإنسان في المجتمعات البشرية.

من هذا المنطلق، يتضح لنا جليًا أن كلاً من نظامي الشاه والولي الفقيه قد حرم الشعب من الحرية.  يمكننا أن نفهم جيدًا السبب في أن الديكتاتوريين والنظم الديكتاتورية يخشون تمتع الشعب بالحرية. ولماذا، في مثل هذه الأنظمة الديكتاتورية، يتم تلويث جميع الكلمات الرئيسية؟ لأن القيم الإنسانية والاجتماعية، بل والقيم الأخلاقية والدينية قد تعرضت للاستغلال.

ما هو الحل؟

فيما يتعلق بإيران، نجد أن أنصار الديكتاتورية في المجتمع الدولي يتصدرون المشهد بشتى الطرق ويختلقون بدائل مزيفة. إلا أنه نظراً لوجود “البديل الديمقراطي” و”الشعبي”، أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وهو التحالف السياسي الأطول أمداً في تاريخ إيران، فإن هذه المساعي مشوهة ولن تلقى قبولاً شعبياً على الإطلاق.  لدى الإيرانيين مثل شهير يمثل في الوقت نفسه درساً عظيماً من التاريخ، ألا وهو ” من ذاق مرارة التجربة مرة واحدة، فليحذر من تكرارها”. لقد تعلم الشعب الإيراني من التجربة أنه لا ينبغي عليه أبداً أن يستسلم للديكتاتورية الملكية أو دكتاتورية ولاية الفقيه. لقد خضعت هذه الأنظمة للاختبار في إيران، و أثبتت فشلها، ويرفضها الشعب رفضاً باتاً!

أهمية نيل الحرية

إن نيل “الحرية في وطن ما” ليس بالمهمة السهلة؛ لأن الحرية “كنز نفيس”، ولكن الوصول إليه يتطلب تضحيات جسام.  وعلينا أن نتكاتف ونبني تنظيمات ونتغلب على العقبات، إذ إن إيران مسرح لهذه المعركة الدموية!

لطالما حرمت دكتاتورية الشاه ودكتاتورية ولاية الفقيه الشعب من “الحرية”. لقد أسسوا “الأحزاب” ورفعوا “الشعارات” واستخدموا السلاح والجيش والأجهزة الأمنية “لقمع الحرية في المجتمع”. ولتحقيق هذا الهدف لجأوا إلى الاعتقال والتعذيب والإعدام والمجازر والاغتيالات وإشعال الحروب والنهب، وحياكة المؤامرات ضد الشعب والتيارات المناهضة للديكتاتورية.  كما لجأوا إلى تصدير الأصولية الإسلامية والتهديدات والاختطاف واحتجاز الرهائن والافتراء على المعارضين لتشويه سمعتهم لنفس الغرض؛ لأن الأنظمة الدكتاتورية تبحث باستمرار عن وسائل للحفاظ على سلطتها!

لقد ضحى الشعب الإيراني كثيرًا ضد دكتاتوريتي الشاه وولاية الفقيه، وقد ضحى حتى الآن بأكثر من  120,000 شهيد في سبيل نيل الحرية.  إن الشعب الإيراني قد عقد العزم على إزالة الدكتاتورية من بلاده إلى الأبد. ولما لا وقد تغلب على العديد من العقبات وتراكمت لديه العديد من الخبرات. لسوء الحظ، كما تخلى عن الكثيرين من الأشخاص والتيارات ممَن كانوا يزعمون صداقته!

مثال تاريخي

وعندما وصل المعمم محمد خاتمي إلى السلطة، لم يكن أمام مقاومة الشعب الإيراني إلا أن أعلنت أن: “الحدأة لا ترمي كتاكيت”! أي أن نيل “الحرية” ضرب من المستحيلات في ظل هذا النظام! حيث كشفت الأيام أن الحديث عن وجود إصلاحيين في هذا النظام ما هو إلا وهم. والشاهد على ذلك هو أن الشعب الإيراني أعلن في انتفاضته عام 2017 فشل التيارات الإصلاحية والمحافظة، رافعاً شعار “انتهى الأمر أيها الإصلاحيون والأصوليون”.

مثال جديد!

ورغم أن مسعود بزشكيان هو “حرسي ولاية الفقيه” ويدعمه ما يسمى بالتيار الإصلاحي، وهو نفسه قال إنه تابع لولاية الفقيه”، واختاره على خامنئي من صناديق الاقتراع، وتم تعيينه في منصب رئيس الجمهورية، بيد أنه تم إعدام أكثر من 350,000 شخص في إيران خلال ما انقضى من فترة حكمه، وازدادت حدة الغلاء والفقر، وتوسعت الحروب التي يشعلها النظام الديني لتصل إلى ذروتها في منطقة الشرق الأوسط. ولا يجب أن ننسى أن بزشكيان نفسه قال إنه تصدر المشهد لإنقاذ نظام الملالي المنهار الآيل للسقوط.

حرية إيران!

بالنظر إلى المشهد اليوم في إيران، نرى أنه في أيام تصاعد التوتر بين الفاشية الدينية وإسرائيل بشأن لبنان، فإن الاعتماد على “حلول سماوية” لتغيير هذا النظام يشبه إلى حد كبير نكتة مولانا نصر الدين حول البيضة والدجاجة. كان مولانا ذو العقل البسيط يحلم بحل سحري لمشكلاته، حل لا يرتكز على الواقع أو الجهد! ولذلك فإن “إيران” لن تنل الحرية أبداً بالحلول السماوية! إن إيران ملك للشعب الإيراني، والإطاحة بدكتاتورية ولاية الفقيه تقع على عاتق الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية. لقد بذل الشعب الإيراني كل ما لديه للإطاحة بنظام الشاه ودفع ثمن ذلك غالياً.

الاستقلال

إن قرار المقاومة الإيرانية بعدم الاعتماد على القوى الكبرى في إسقاط النظام الديني، واعتمادها على قدراتها الذاتية، يُعتبر من أبرز روائعها. إن الطلب الوحيد من الشعب والمقاومة الإيرانية للحكومات الأجنبية هو: إذا كنتم لا تدعمون البديل الديمقراطي لهذا النظام، أي المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، فعلى الأقل لا تساعدوا دكتاتورية ولاية الفقيه. لا تصنفوا أبناء هذا الوطن الثائرين في قوائم الإرهاب، ولا تكونوا عائقاً في طريقهم، وتنحوا جانباً ليتمكن الشعب والمقاومة من إسقاط هذا النظام الديكتاتوري. النظام الدكتاتوري. ما أجمل ما قاله صائب تبريزي: ” إن لم تكن قادراً على فكّ عقدة، فلا تزيدها تعقيدًا، كن متفائلاً ومبتسماً في مواجهة التحديات،  حتى لو لم تكن يديك ممدودة بالمال، فإن قلوبنا المتفائلة كفيلة بتقديم العون للآخرين”.  قال تعالى: “وَلَا تَقْفُ بِالسَّبِيلِ لِتُضِلُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِهِ” (سورة الأنعام: 146). فإن لم نستطع هداية الناس، فلا نضللنهم. ولنكن قدوة حسنة للآخرين، فإن الإبتسامة صدقة.

إنّ إسقاط الدكتاتورية الدينية في إيران ليس أمراً عفويًا ولا خارجًا عن القانون، ولا يعتمد على الحظ أو الصدفة. إنها ظاهرة علمية وتتبع قواعد صارمة.  يجب أن نبنيها لبنة لبنة ببطء وهدوء، وبصبر جميل. لا سبيل لبناء بديل ديمقراطي وشعبي في عالمٍ يفتقر إلى القيم والأصول ولا يُحترم التاريخ.

الكلمة الأخيرة!

لا يمكن بناء بديل ديمقراطي حقيقي إلا بوجود نظرية متكاملة واستراتيجية واضحة وأسس متينة وهيكل تنظيمي قوي تم بناؤه على مدى سنوات عديدة.  بديلٌ تجاوز العقبات وتذوق مرارة الظروف القاسية. لا يمكن إخماد نار الديكتاتورية بلهبها. لا يمكن للبديل أن يكسب ثقة الشعب بالمجان، بل يجب أن يكون له جذور في الأرض الإيرانية.

تتمتع المقاومة الإيرانية، بالإضافة إلى “قيادتها الجماعية للانتفاضة”، بآلاف وحدات المقاومة المنتشرة في جميع أنحاء إيران؛ والتي تستهدف مراكز قمع ونهب هذا النظام الفاشي منذ سنوات عديدة.

***

*کاتب ومحلل سياسي خبير في الشأن الايراني

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…

إبراهيم اليوسف إنَّ إشكالية العقل الأحادي تكمن في تجزئته للحقائق، وتعامله بانتقائية تخدم مصالحه الضيقة، متجاهلاً التعقيدات التي تصوغ واقع الشعوب. هذه الإشكالية تطفو على السطح بجلاء في الموقف من الكرد، حيث يُطلب من الكرد السوريين إدانة حزب العمال الكردستاني (ب ك ك) وكأنهم هم من جاؤوا به، أو أنهم هم من تبنوه بإجماع مطلق. الحقيقة أن “ب ك ك”…

شيروان شاهين سوريا، الدولة ذات ال 104 أعوام البلد الذي كان يومًا حلمًا للفكر العلماني والليبرالي، أصبح اليوم ملعبًا للمحتلين من كل حدب وصوب، من إيران إلى تركيا، مرورًا بكل تنظيم إرهابي يمكن أن يخطر على البال. فبشار الأسد، الذي صدع رؤوسنا بعروبته الزائفة، لم يكتفِ بتحويل بلاده إلى جسر عبور للنفوذ الإيراني، بل سلمها بكل طيبة خاطر…