إبراهيم اليوسف
بعد الفضائح التي ارتكبها غير الطيب رجب أردوغان في احتلاله لعفرين- من أجل ديمومة كرسيه وليس لأجل مصلحة تركيا- واستعانته بقطاع طرق مرتزقة مجرمين يعيثون قتلاً وفسادًا في عفرين، حاول هذه المرة أن يعدل عن خطته السابقة. يبدو أن هناك ضوءًا أخضر من جهات دولية لتنفيذ المخطط وطرد إيران من سوريا، والإجهاز على حزب الله. لكن، وكل هذا ليس له شأن بأردوغان، إلا أنه استغله مع الجهات المعادية لإيران التي وقفت مع الدكتاتور بشار الأسد، كما حال روسيا بوتين، وساهموا في تدمير سوريا. هذه الخطوة قد تكون صحيحة، أي خطوة طرد إيران وحزب الله، ولكن أردوغان يتذاكى، وهو عار أمام أعين العالم الحركله!
إنه يريد تمرير أمر آخر، ألا وهو تمرير مخططه الرئيس الذي يعنيه. المخطط الذي يستهدف الكرد في سوريا بذريعة أن حزب العمال الكردستاني موجود في سوريا. إلا أن حزب العمال موجود في برلمان بلده، وهو يحاول هناك التودد إلى الكرد الذين وحقق أحلامه بالوصول إلى كرسي الرئاسة بفضله، ولو كان ذلك التودد زيفًا. بهذا الشكل، يتجاوز أردوغان الحدود الدولية، بينما يسقط المدن السورية ، في أيدي ميليشات مؤتمرة بأمرته، يسعى لتأمين تمويله، من مصادر مضحوك عليها، ضمن مخطط متفق عليه بين الدول ذات الشأن: روسيا، أمريكا، وإسرائيل التي ليست بعيدة عن المخطط، حيث هدفها الأساسي هو إيران وحزب الله.
بينما المخطط لا يستهدف بشار الأسد بشكل مباشر، ولكن ربما، ربما، يكون جزءًا من الخطة. وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لم تتحرك قوات الأسد لمواجهة “هيئة تحرير الشام” وتسليم مفاتيح حلب، حمص، وحماة إليها؟ في الواقع، لا أحد يستفيد من الحرب إلا تركيا. ولا أحد يكون الضحية في هذه الحرب إلا الكرد.
وموضوع منح تركيا في أي مخطط تصالحي مع النظام السوري الصلاحية لاختراق الحدود لوأد الكرد واستهدافهم هو بمثابة جريمة دولية. إذ كيف يسكت العالم الحر على هذه الجريمة؟ في الوقت الذي تتبجح فيه تركيا بطرح شرطها حول حلب، حيث يتم الترويج بأن حلب “إسلامية” وهي تابعة لتركيا، هذا لا يكشف فقط عن نوايا تركيا، بل يفضح المشروع التركي في المنطقة.
بعد أن سكت كثيرون من الساسة مخدوعين كما في كل مرة بأن القادم هو الدعي الجولاني الذي سيسقط النظام، اتضح أن الأمر ليس كذلك، وبدأ بعضهم.-أقول بعضهم إلا من كانت له أسبابه للاستمرار في لعبة الخديعة- يكتبون على صفحات الفيسبوك أو في مقالات سريعة آراء خجولة. وكأنهم استفاقوا للتو. إن انخداع النخب السياسية والثقافية، كما العوام، بأن ما يتم لتحسين الوضع في سوريا هو لإسقاط النظام، بدأ يتضح الآن. في حين أن التأليب على الكرد يتم بشكل منهجي، ويجب على المكونات الأخرى الانتباه والتصدي لمن يقوّضون أراضي وقرى وأملاك ومحال الكرد، مستغلين الوضع كما يحدث في عفرين.
من هنا، نقول: عفرين أولاً؟!
لم يكن أمام العالم خيار سوى السكوت والتفرج على عملية التغيير الديمغرافي التي كانت تجري في عفرين تحت إشراف تركيا وأدواتها. فبينما كان الكرد في عفرين يدافعون عن أرضهم ومنازلهم، كانت تركيا تواصل مخططها الكبير الذي لم يعد يخفى على أحد. احتلال عفرين لم يكن مجرد عملية عسكرية بل كان جزءًا من حرب ثقافية وديموغرافية تهدف إلى محو الهوية الكردية في المنطقة. ومن هنا يظهر الهدف الحقيقي لهذا المخطط بجلاء مفضوح: ليس فقط السيطرة على الأراضي الكردية، بل القضاء على أي وجود كردي في عفرين.
هذه الحملة لا تتوقف عند حدود الأراضي السورية، بل تمتد لتشمل تهديدات أكثر خطورة في باقي أجزاء كردستان. من خلال ذلك، يسعى أردوغان إلى إعادة رسم خريطة المنطقة بما يخدم مصالحه، مستغلاً الفوضى والحروب التي تعصف بسوريا منذ سنوات. وإذا كان قد ظن البعض أن هذا التدخل التركي سيكون لمصلحة الشعب السوري في المقام الأول، فإن الواقع يكشف عن عكس ذلك، فالأكراد هم من يدفعون الثمن الأشد.
لكن المؤلم في هذا المشهد هو صمت المجتمع الدولي، الذي بدلاً من أن يقف مع الحق الكردي، يُسكت على انتهاكات فاضحة، ويغض الطرف عن جرائم الاحتلال التركي. في هذا السياق، يزداد قلق الكرد بشكل عام من نوايا تركيا في بقية المناطق الكردية. وفي وقت تتراكم فيه الضغوط على الكرد من جميع الاتجاهات، يصبح السؤال الأهم: هل هناك من يقف في وجه هذه الهجمة الشرسة التي تهدد وجودهم؟
ليس مجرد طرد إيران أو حزب الله من سوريا هو ما يسعى إليه أردوغان، بل هنالك مصلحة أكبر وأكثر تعقيدًا تتجلى في سعيه لضمان نفوذ تركيا في المنطقة من خلال القضاء على الكرد. وبهذا، يصبح الهدف الاستراتيجي لأردوغان هو محو أي فكرة عن إمكانية استقلال كردستان سوريا أو حتى الاعتراف بحقوق الكرد في سوريا. ومن هنا، يمكننا القول إن تركيا تعتبر أن المشروع الكردي في سوريا يشكل تهديدًا ليس فقط لأمنها القومي، بل لوجودها في المنطقة بشكل عام.
إن جريمة التغيير الديمغرافي التي شهدتها عفرين ليست سوى بداية لحملة أكبر تهدف إلى طمس الهوية الكردية في جميع مناطق كردستان سوريا. فعندما تتدخل تركيا في أي تسوية سياسية في سوريا، فإنها تضع نصب أعينها الاستمرار في سياسة تهجير الأكراد، سواء عن طريق الهجمات العسكرية أو من خلال تشجيع الاستيطان التركي في المناطق الكردية.
لقد كنا نعتقد في يوم من الأيام أن” النزاع/ الحرب” في سوريا ليس إلا مجرد صراع داخلي بين النظام السوري والمعارضة، ولكن تبين فيما بعد أن ما يحدث هو جزء من لعبة أكبر، لعبة تدار من قبل القوى الدولية والإقليمية التي تملك مصالح خاصة في المنطقة. ومن هنا يتضح أن الكرد في سوريا هم الضحية الأكبر في هذا الصراع، وأن المعركة من أجل بقائهم ستكون طويلة ومعقدة.
عود على بدء:
إن أردوغان، رغم ادعاءاته المتكررة أنه يعمل من أجل مصلحة تركيا، إلا أنه قد أضر بالمشروع الذي تناوله وزير خارجيته الأسبق، أحمد داوود أوغلو، في كتابه ورؤيته “صفر مشاكل”. هذه الرؤية التي كانت تهدف إلى إقامة علاقات طيبة ومتوازنة مع جيران تركيا، بما فيهم سوريا، والتخلص من المشاكل والمعضلات الداخلية، قد تهاوت على يد ثعلب تركيا الماكر: أردوغان، الذي سعى إلى استعداء جيرانه السوريين. إذ إنه كان في البداية، كان ه قطاع واسع من الإسلاميين والعروبيين وبعض الثوار- المغرر بهم- الذين رأوا في أردوغان رمزًا للنقي. المنقذ، المخلص، وكانوا يتوقعون منه دورًا محوريًا في تحرير المنطقة من الأنظمة الاستبدادية. لكن مع مرور الوقت، وانكشاف أكاذيبه وتناقضاته، بدأ هؤلاء يكتشفون حقيقة نواياه.
اليوم، ليس حول أردوغان إلا أنموذجان اثنان من هؤلاء الذين كان يعوّل عليهم في بناء تحالفات استراتيجية: أولهما هو المستفيد المرتزق، الذي استغل النظام التركي لتحقيق مصالحه الشخصية في ظل الوضع القائم، وثانيهما هو اللاجئ البائس المكره على البقاء في تركيا، الذي لا يرى في أردوغان- في أعماقه- سوى ملجأ مؤقتًا بعيدًا عن جحيم الحروب. لكن ما إن تتاح له الفرصة للسفر والعودة إلى بلاده أو الهجرة إلى بلد آخر، حتى يعلن موقفه الأخلاقي من أردوغان بشكل صريح، ويعبر عن خيبة أمله في سياساته التي أدت إلى مزيد من التوترات والنزاعات الإقليمية.
One Response
كل من يقرأ بالعربية ،وقرأ لك من الكورد يقدرك،امل كبير في امثالك لصد هجمات الأقلام المسمومة وتشويه الحقائق….لقد وضعتم اصبعكم على موضع الألم الكوردي،انت وإبراهيم محمود(فقدته اين هو وهو صديقك)،الكاتب الكبير والسياسية القدير صلاح بدرالدين، والدكتور محمود عباس ..وآخرين آخرون…..أطال في عمركم وبصحة جيدة…تستحقون الاحترام عن جدارة وفقكم الله