دلدار بدرخان
تعالت في الآونة الأخيرة خطابات عنصرية بغيضة ومقيتة، لا تمتّ إلى الحسّ الوطني السوري بصلة، وتستهدف الأقليات والمكونات السورية، وبالأخصّ المكوّنين الكوردي والدرزي، واشتدت نبرة التحريض التي تروّج لخطاب الإنكار والإقصاء، وتدعو إلى استهداف هذه المكوّنات وحرمانهم من حقوقها المشروعة، واعتبر كثيرون أن المجازر التي وقعت في الساحل لم تكن سوى إنذاراً ودرساً لهذه المكونات، كي تتنازل عن مطالبها العادلة، وحقها في المواطنة المتساوية، وحقها في تقرير المصير والمشاركة في صياغة مستقبل الوطن، وبغض النظر عن موقفنا من سياسات حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، ورغم معارضتنا الشديدة لفلسفتهم الطوباوية الملتوية وممارساتهم الفجة، التي لا تمت للقضية الكوردية العادلة بأي صلة، ولا تجعلهم ممثلين شرعيين للشعب الكوردي، إلا أن واقع الكورد عموماً، والدروز معهم يختلف اختلافاً جوهرياً عن واقع المكوّن العلوي، وبالأخصّ من حيث موازين القوى والعلاقات الاستراتيجية، والجغرافيا التي يتمركزون فيها، فالكورد يتمتعون بجغرافيا مفتوحة على العراق وإقليم كوردستان، ويرتبطون بعلاقات استراتيجية لا يُستهان بها مع القوى الإقليمية والدولية، ويملكون من الامتداد السياسي والعسكري ما يمكنهم من المناورة، ويمنحهم القدرة على فرض أنفسهم كرقم مؤثر في المعادلة السورية، ويدفع باتجاه ضمان حضورهم في أيّ تسوية قادمة.
فبالرغم من سياسات النظام الاستبدادي الأسدي، وممارساته الشوفينية ضد الكورد طيلة عقود، ورغم إصداره العديد من القوانين الإستثنائية التي استهدفت وجودهم، ورغم حرمانهم لعقود من أبسط حقوقهم في المواطنة، إلا أن نضال الشعب الكوردي لم يخمد، وبقي متّقداً في وجه الظلم والاستبداد، واستمرّ رغم القمع والاضطهاد، ولن يتوقف حتى ينال الشعب الكوردي كامل حقوقه على أرضه، فالمظلومية الكوردية ليست وليدة لحظة عابرة، ولا نتيجة عام أو عقد من الزمن، وإنما تمتد لعقود طويلة من الاضطهاد والحرمان والتهميش، وتشهد عليها محطات نضالية سطرها الشعب الكوردي بدمائه وتضحياته، وستظل قضيته حاضرة في قلب الصراع السوري، ولن تُطمس مهما تكالبت عليها القوى المعادية للحقوق والحريات.
وبناءً على ذلك فإن التعاطي مع المسألة الوطنية بعقلية الإقصاء والاستعلاء لا يزيد المشهد السوري إلا تعقيداً، ولا يكرس إلا مزيداً من التشرذم والصراع، والرهان على تهميش أو إقصاء أي مكون وحرمانه من حقوقه لن يُفضي إلا إلى مزيد من الانقسامات، والانزلاق نحو دوامة لا نهاية لها من العنف، والانفجار الاجتماعي والانهيار الوطني، والحل لا يكون إلا بالاعتراف بالتعددية، والانطلاق من مبدأ الشراكة والانفتاح على الحوار، والانخراط في مشروع وطني جامع يضمن حقوق الجميع، ويؤسّس لدولة يكون فيها الوطن لكل أبنائه دون تمييز أو إقصاء.