الحقل الكوردي ومستقليه

آلان حمو

 

لا يخفى على أحد بأن القضية الكوردية في سياقها السياسي الدولي والإقليمي تأخذ مراكز متأخرة من الحيث الأولوية والفائدة كي تستقطب المحاور والدول المؤثرة لإيجاد حل لتلك القضية التي تشغل 70 مليون نسمة وأربع دول، اثنان منها محورية في جغرافية الشرق الأوسط. بدأت القضية الكوردية بمنظورها الحالي والمطروح على الطاولة الدولية منذ عام 1918 عندما طرح وودرو ويلسون مبادئه 14 على الكونغرس الاميريكي. ووجدت الشعوب المُحتلة في البلقان وتركيا الحالية ضالتها في العبارة الأكثر شعبية وهي ” حق الشعوب في تقرير مصيرها ” تتالت الشعوب التي استفادت من تلك العبارة منذ ذلك الحين، ولم يبقى سوى الكوردي بإنتظار نتائجها حتى يومنا هذا، بعد أكثر من 107 سنوات طرأت على القضية الكوردية الكثير من التحولات والمتغيرات السياسية منها والاجتماعية وأغلبها بفعل الأطراف المضادة لتلك القضية، حاولت دائماً السياسة الكوردية أن تبقى على قيد الوجود وبذلك نقضت حتى أكثر المبادئ اصالة في ايديولوجيتها، قتل الكوردي الكوردي، اتفق الكوردي مع مَن قتل الكوردي…. وكأن بها تضحي بابنها لترى حفيدها، هكذا كانت صيرورة القضية الكوردية في صراعها الوجودي مع القوى الإقليمية والمُطالبة بدفع حق الكوردي حتى يهدأ ويستكين. ما أريد قوله بعد هذه المناحة هي أن ولادة القضية الكوردية كانت صعبة، طفولتها مضطهدة، مراهقتها متعبة، وهي الآن في شيخوختها تحاول أن ترى احفادها وهم يمسكون طوق النجاة لتصل بهم بر الآمان.

السياسة الكلاسيكية المتبعة في الحقل الكوردي هو نتاج ما أنف ذكره، فالحركة السياسية الكوردية في الأجزاء الأربعة لا تملك مساحة آمان، فهي محاربة دائماً من السلطة وأيضاً من الاخوة المنافسين من ذات الحقل، الحالة التي خلقها السلطات الأربعة أو الاخوة خلف الحدود المرسومة، فواقع هذا الحال أنتج مجتمعات غير متزنة سياسياً، فتعاظم إمكانية الشك وتضاءل الولاء القيمي يحد من قيام أيديولوجية رصينة يمكنها الصمود أمام كل هذه الضغوط.

ظهرت صفة المستقلين الحاليين نتيجة التيارات التي عصفت بالحقل الكوردي دون الدراية بغايتها ومبتغاها، وهنا لا اتحدث عن الذين فقدوا أساساً مُلكة الإنتماء فهم خارج الحقل اصلاً، وهم الضحاية الأكثر إيلاماً نتيجة الهجوم الممنهج على الحقل، بل الكوردي المستقل الذي مازال ضمن الحقل السياسي الكوردي ويحاول اختزال كل الخيبات في الحركة السياسية ليرتدي هو ثوب خالي من الدنس السياسي، وتصبح الطوباوية والمثالية منهجه لينفصل بذلك داخلياً في الحقل والواقع أيضاً، فالكوردي المستقل الآن، لم يعد مراقباً للعدو بقدر ما هو مراقب للحركة السياسية، وهذا يشي بأزمة الثقة التي خلقتها الاهتزازات العدائية تجاه حركتهم السياسية.

ما يفضي إليه الحديث، هي بأننا يجب أن نكون مدافعين عن الحقل قبل أن نكون منتقدين لنتاجات زرعها، بهذا الحال المنشطر في مجتمعنا ستبقى الانتصارات السياسية يشوبها الشك، وسيضفي على الهزائم صفة القبول، فالمجتمعات هي التي تسوغ المفاهيم وتضحدها.

شارك المقال :

1.5 2 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نظام مير محمدي*   نوروز، العيد الإيراني العريق والكبير، كان منذ القدم رمزًا للتجدد والفرح والارتباط بالطبيعة. يُحتفل بهذا العيد مع بداية الربيع، في الأول من فروردين حسب التقويم الهجري الشمسي (الموافق 20 أو 21 مارس)، وهو متجذر في الثقافة الفارسية وحضارة إيران التي تمتد لآلاف السنين. في عام 1404 الشمسي، الذي يبدأ يوم الجمعة 21 مارس، سيحتفل الإيرانيون…

شكري بكر مع بداية انطلاقة الثورة السورية، صدرت عدة بيانات باسم الإجماع السياسي الكوردي وسبعة عشر حزبا. وأقرت تلك الأحزاب الذهاب لعقد مؤتمر كوردي لتأطير النضال السياسي الكوردي في سوريا، والتعامل مع المستجدات على الساحة السورية بوحدة الصف والكلمة في تقرير المصير للشعب الكوردي في سوريا. إلا أن حزب الاتحاد الديمقراطي أعلن انسحابه من الإجماع الكوردي، وغرّد نحو إعلان مجلس…

إبراهيم اليوسف   لا يفتأ بعض شركاء الوطن أن يسأل بين الفينة والأخرى، أنى تم انتهاك بحق من هم مقربون منهم، قائلين: أين الحقوقيون والكتاب الكرد الذين لا يدينون هذا الحدث أو ذاك؟، منطلقين من فكرة واقعية أن هكذا قضايا لا يمكن أن تجزأ، بل هناك من يتجاوز مثل هذا السؤال غير البريء ويعنف الآخر- الكردي- كما أن هناك من…

حسن صالح   البارحة ٢٣آذار حضرت ندوة للدكتور زيدون الزعبي، على مدرج جامعة روج آفا بقامشلو ، بدعوة من شبكة الصحفيين الكرد السوريين. عنوان المحاضرة: الهوية الكردية في الإعلان الدستوري السوري. أقر الدكتور زيدون بأن الإعلان لا يلبي طموحات الشعب الكردي وبقية المكونات، لكنه إنتقالي ويمكن للمعارضين أن يشاركوا في لجنة إعداد الدستور الدائم لتلافي النواقص. وكانت لي المداخلة التالية…