ماذا أرى من قامشلو إلى دمشق (2)

سيامند ابراهيم*

في جلق الشام ثمة مرابع يتجلى فيهم حلاوة الروح وطل المكان المسحور, الأول هو مقهى النوفرة السياحي التاريخي الرائع, وهنا تشرب الشاي وتدخن النارجيلة المعسلة الأصلية وأمام ناظريك أجمل الحسناوات الدمشقيات والغربيات اللواتي يدرسن اللغة العربية في معاهد دمشق, وتطول الجلسة مع همسات هذه العاشقة وحديثها الخفيف مع صديقها, أو تلك الصبية الفرنسية التي تفوح منها روائح باريس ونسائم حريتها التي نفتقدها في سوريا القمع التي أصبح عنوانها الأثيري في العالم؟! لكن في حقيقة الأمر إن هذا الكلام عن الحسناوات الأوربيات هو من ذكريات الصيف الماضي لكن في هذا الصيف لم أجد سوى يابانياً واحدا والمكان مقفر إلا من العوانس البلديات اللواتي يقززن القلب أكثر من بنات عصبات كامورا الايطاليات؟!
وفي النوفرة تغمض عينييك وتنظر إلى الجامع الأموي الرائع, وإلى الأعمدة الرومانية والشارع الروماني المقوس وتسير عليه, وتتذكر أن قبلك مر من هنا قياصرة الروم, خالد بن الوليد, بني أمية بنو العباس, وصلاح الدين الأيوبي , إمبراطور المانيا غليوم الذي زار دمشق وأعجب فيها وزار قبره وجاء بصندوق من الأبنوس ووضعه بجانب قبره الحقيقي, تخليداً لذكراه.

والعبرة هنا أنهم كلهم رحلوا والبعض منهم أبقى ذكرى جميلة عطرة, والبعض الآخر أبقى ذكرى ملعونة كغورو الفرنسي, واللعنة الأخرى هي قصف المسجد الأموي بالرصاص الحي في انقلاب سليم حاطوم والرئيس المقبور صديق صدام حسين أمين الحافظ؟! وإلى اليوم لم تمحى أمكنة طلقات الرصاص التي أطلقت نحو جدران المسجد الأموي وخاصة من ناحية شرق المسجد؟!
ومن النوفرة تسير بهدوء إلى سوق الحميدية التي قال لي أحد تجارها إن الحركة خفيفة جداً حيث غاب السياح الخليجون والأجانب وتقول مصادر مطلعة أنه فقط زار سوريا في الفترة الأخيرة حوالي 25 ألف سائح وجلهم من العرب!
ولابد من زيارة مقهى الروضة الذي يجلس فيه مجموعة من المثقفين والفنانين السوريين والعراقيين وبعض الأكراد وهنا تجد أنه بات بلا حركة كما هي في الأيام الخوالي عدد من الصحفيين السوريين يشربون الشاي, و لا تجد الحيوية السابقة لرواده وكل شيء فيه باهت.
والمكان الثالث الذي يشكل جزء من كياني هو مكتبتا الظاهرية العريقة ومكتبة الأسد وفي هذه السنة فقد تنوي إدارة المكتبة إلى معاقبة دور النشر السورية التي لم تشارك في معرض هذه السنة؟! وكانت الاستعدادات جارية على قدم وساق في هذا المعرض.
وفي البرامكة حيث تتربع صرح حضارة العلم والمعرفة جامعة دمشق والمنظر الغريب والمقزز هو هذه المناظر الشاذة لبسطات الأحذية والإكسسوارات, والملابس التقليدية الصينية والوطنية ولا تستطيع المشي على رصيف الجامعة من كثرة هذه الإشغالات؟! ويبدوا أن نية السلطات هو عدم السماح للطلاب في الخروج بتظاهرات سلمية عند افتتاح الجامعة وأصحاب هذه البسطات سيكونون سنداً قوياً لقمع هذه التظاهرات الجامعية؟
وهكذا غادرت دمشق مكسور الجناح والحزن يلف قلبي لهذه المناظر والممارسات اللا إنسانية في عاصمتنا الحبيبة, ورجعت إلى القامشلي والمنظر كما هو حواجز أمنية لكن الشيء السلبي فيها أكثر هو حاجز القامشلي عند دوار زوري حيث تجد عناصر الدورية يوقظون المسافرين في البولمانات الفخمة ويسألون عن البطاقات الشخصية ولا يسلم من السؤال حتى النساء المرضعات والشيوخ المسنين وبأسلوب فوقي؟! وكأنهم يتعاملون مع مجرمين؟!

قامشلو 9/9/2011 

siyamendbrahim@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد حسو إن مسيرة الشعب الكوردي هي مسيرة نضال طويلة ومستمرة، لم تتوقف يومًا رغم الظروف الصعبة والتحديات المتراكمة، لأنها تنبع من إرادة راسخة ووعي عميق بحقوق مشروعة طال السعي إليها. ولا يمكن لهذه المسيرة أن تبلغ غايتها إلا بتحقيق الحرية الكاملة وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة بين جميع أفراد المجتمع، بعيدًا عن أي شكل من أشكال التمييز القومي أو الديني…

مسلم شيخ حسن – كوباني يصادف الثامن من كانون الأول لحظة فارقة في التاريخ السوري الحديث. ففي مثل هذا اليوم قبل اثني عشر شهرًا انهار حكم عائلة الأسد بعد أربعة وخمسين عاماً من الدكتاتورية التي أثقلت كاهل البلاد ودفعت الشعب السوري إلى عقود من القمع والحرمان وانتهاك الحقوق الأساسية. كان سقوط النظام حدثاً انتظره السوريون لعقود إذ تحولت سوريا…

زينه عبدي ما يقارب عاماً كاملاً على سقوط النظام، لاتزال سوريا، في ظل مرحلتها الانتقالية الجديدة، تعيش واحدة من أشد المراحل السياسية تعقيداً. فالمشهد الحالي مضطرب بين مساع إعادة بناء سوريا الجديدة كدولة حقيقية من جهة والفراغ المرافق للسلطة الانتقالية من جهة أخرى، في حين، وبذات الوقت، تتصارع بعض القوى المحلية والإقليمية والدولية للمشاركة في تخطيط ورسم ملامح المرحلة المقبلة…

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…