عندما يهل الربيع على الطبيعة تتفتح الأزهار.
أما الثمار فإنها لا تنضج إلا في أواخر الصيف.
وتلك هي حال الربيع السياسي العربي الذي تتوالى فصوله ولم تنضج ثماره بعد.
إلا أنه ما من أحد يستطيع إنكار عمق أو مدى هذا الزلزال الذي هز العالم العربي، شعوبا وأنظمة، ولا الادعاء بأن الأمور فيه، بعد اليوم، سوف تبقى على حالها كما كانت في الثلاثين أو الأربعين عاما السابقة.
2 – لجوء المعارضين إلى حمل السلاح ومقاتلة القوات الحكومية دفاعا عن نفسها.
3 – تدخل المجتمع الدولي والعربي مباشرة في القتال إلى جانب المعارضين الثائرين المقاتلين، الأمر الذي وفر لهم الانتصار.
والأنظار تتجه، اليوم، إلى سوريا متسائلة: كيف سيكون المخرج من الانتفاضة الشعبية ضد نظام الحكم المستمرة منذ أشهر؟
من المسلم به أن وضع سوريا الجيوبوليتيكي الإقليمي والدولي، يختلف عنه في ليبيا ومصر وتونس.
وأن الحكم البعثي العلوي الأسدي القائم منذ أربعين عاما، متجذر بعمق في الإدارات العامة والقوات المسلحة والمؤسسات العامة، وبالتالي له أنصاره في الشارع، ويستطيع تجنيد عشرات الآلاف للتظاهر تأييدا له، ودفاعا عن مراكزهم وامتيازاتهم..
بالإضافة إلى أنه تمكن، بعد أن اندلعت الانتفاضة الشعبية، من إرهاب الكثيرين ممن يرغبون في التظاهر إعلانا لمعارضتهم ولكنهم يخشون من الرصاص والاعتقال والتنكيل.
أضف إلى ذلك أن الشعب السوري, والمعارضون في مقدمته، يرفض تدخل الدول الأجنبية عسكريا في بلاده، وأن الدول الكبرى منقسمة في مجلس الأمن حول الحالة السورية.
وأن روسيا والصين تعارضان صدور قرارات حاسمة ضد النظام السوري.
هل يعني ذلك أن المجابهة بين الشعب والنظام سوف تستمر أشهرا أو سنوات دون حسم؟ وهل يمكن للنظام السوري أن ينتصر على أكثرية الشعب السوري المنتفضة عليه؟ وكيف؟
لقد أخذ طوق الضغوط على الحكم السوري يضيق دوليا وإقليميا وعربيا، سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا.
ولا نقصد عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي فحسب، بل أيضا «توصيات» و«نصائح» مجلس جامعة الدول العربية، وتركيا، وحتى إيران، الداعية إلى «الإصلاح قبل فوات الأوان».
فهل يستجيب النظام إلى هذه النصائح ويرضخ للضغوط الدولية؟ أم أنه سوف يستمر في استعمال العصي الغليظة، لقمع المظاهرات وتكميم الأفواه وسجن المعارضين؟
كثيرون هم الذين باتوا يعتقدون أن النظام خاسر في كلا الخيارين: فلئن هو أقدم على الإصلاحات التي يطالب بها الشعب، أي دستور جديد وانتخابات حرة وإطلاق الحريات السياسية والإعلامية، فإن أكثرية الشعب سوف تحمل إلى السلطة قوى وشخصيات جديدة، تنهي النظام القائم منذ أربعين عاما، دفعة واحدة أو على دفعات.
أما إذا استمر النظام في القمع والتنكيل بالمعارضين المتظاهرين، فإن الضغط الدولي والعربي عليه سوف يزداد، وتزداد معه الأزمة الاقتصادية الداخلية.
وبالتالي نقمة الشعب.
وهناك حدود لقدرة النظام – أي نظام – على تحمل نتائجها السلبية.
هل هناك مخرج للنظام السوري من «كماشة» الضغط الشعبي الداخلي والضغط الدولي والعربي والإقليمي عليه؟ وماذا تستطيع إيران وتوابعها في المنطقة فعله لإنقاذه من فكي هذه الكماشة الضاغطة؟ ماذا تستطيع روسيا والصين وجنوب أفريقيا فعله لمساعدته على الصمود، غير الدعم المبدئي؟
إن لتغيير النظام الحاكم في سوريا له، بحد ذاته، تداعيات على موازين القوى في المنطقة، وأيا كان لون أو اتجاه النظام الذي سيحل محله، وتأثيره على عملية السلام في المنطقة وعلى المشروع الإيراني الإقليمي، الذي تعتبر سوريا قاعدة أساسية فيه، قد لا يتبع النظام الجديد سياسة عربية أو إقليمية أو دولية مناقضة لسياسة النظام القائم حتى الآن، ولكنه حتما، سيكون أقل اندماجا في المشروع الإيراني، وأقل تدخلا في لبنان، وأكثر انفتاحا وتعاونا مع مصر والمملكة العربية السعودية وتركيا.
وعلى الرغم من أن تسيير نظام ديمقراطي ليبيرالي في سوريا، بعد نصف قرن ونيف من الانقلابات العسكرية وحكم الحزب الواحد والعائلة الواحدة، ليس بالأمر السهل ولا المضمون النتائج، فإن استسلام الشعب السوري المتعطش للحرية والعدالة والمساواة، لأي نظام حكم يحرمه منها، بات غير مقبول وطنيا وعربيا ودوليا.
لا شك أن من بين السياسيين والقادة العسكريين السوريين المرتبطين بالنظام الأسدي – البعثي، من يؤثرون تحقيق الإصلاحات بدلا من القمع وإسالة الدماء وتنامي العزلة الدولية.
ومن حقهم وواجبهم أن يقنعوا الرئيس الأسد والمتشددين من حوله بأن الحوار الجدي مع المعارضين للتوصل إلى قيام مرحلة انتقالية تمهد لتحقيق الإصلاحات، أفضل ألف مرة من التشبث بالموقف العنيف والسلبي الذي اتخذه.
فهل تراهم يفعلون؟ وهل تراه يقتنع؟
أم أنهم سيتركون النظام ينحدر تدريجيا، وهم والبلاد معه، نحو هاوية مجهولة القرار؟
الشرق الأوسط