داود باغستاني
قرابة ستة أشهر مضت على الثورة السورية، ومازال الحراك الميداني الشبابي و الشعبي مستمر في صموده و نضاله السلمي، في تحدٍ تاريخي غير مسبوق لشباب يواجهون كافة الأساليب الوحشية و الترهيبية بصدورهم العارية و حراكهم السلمي.
إن النظام القمعي البعثي في سوريا لم يدرك حتى الآن استحالة اضعاف إرادة الشعب المنتفض، و هذا أمر طبيعي لنظام تعود أن ينظر إلى مواطنيه على مر عقود من الزمن و كأنهم ليسوا بشر، لهذا يحتاج إلى سنوات لفهم جدية الإنتفاضة الشعبية التي عاجلاً أم آجلاً ستنتصر عليه و تسقطه كما سقط أمثاله في دول و أزمنة أخرى،
و هنا لاتكمن المشكلة في أن النظام في سوريا لايدرك حقيقة و جدية إرادة الشباب في التغيير، بل المشكلة الأعظم تكمن في أن التيارات و الأحزاب التي تُسمي نفسها بالمعارضة السورية، مازالت هي أيضاً تتمسك بأفكار بالية و مخططات عفا عليها الزمن، من رفض للتدخل الدولي العسكري، و مراهنة البعض منها على بقاء نظام آل الأسد، ناهيك عن أن معظم هذه التيارات التقليدية مازالت تحاول اقصاء بعضها البعض أو اهمال مطالب شباب التغيير في سبيل أجنداتهم الضيقة و قوقعاتهم الأيديولوجية التي عفا عليها الزمن، متناسين صراخ الشباب بشكل يومي في ساحات الحرية التي تنادي ليست بسقوط الطاغية فحسب، بل حتى بالحرية و الوطنية و الإعتراف بالآخر و التغيير…إلخ و مع ذلك البعض أو الكثير من هذه التيارات مازالت تناقش حول مسائل و كأنها داخل محاضرة ثقافية، فيما يتعلق بعلمانية أو أسلمة الدولة السورية أو أسلوب نظام الحكم أو أو…إلخ في حين أن الدماء البريئة تُسال بأبشع الأساليب و بشكل يومي.
إن الحديث عن المواقف المتكلسة للتيارات السورية المعارضة طويل، علماً أن حقيقة معظمها باتت مكشوفة للشباب الثائر، و لكن هنا نريد أن نشير إلى موقف هذه التيارات من القضية الكردية في سوريا و حقوقه المشروعة، فمنذ ما قبل اندلاع الإنتفاضة السورية و حتى الآن و مواقف المعارضة السورية مازالت غامضة تجاه حقوق الشعب الكردي الذي يشكل احدى المكونات الرئيسية في سوريا، ناهيك عن أن البعض يلوح بأنه لو كان مستلماً لزمام الحكم قبل الآن، لمارس أبشع مما يمارسه البعث بحق الكرد، و هنا تبدو المعارضة أيضاً غير مدركة لإرادة الشباب في التغيير كما هو حال النظام القمعي نفسه، و تحديداً حركة الإخوان المسلمين.
نحن الكرد لا نريد الوقوع في معاناة أخرى في سوريا بلا نظام الأسد، و لهذا على المعارضة السورية و خاصة الأخوان المسلمين تحديد موقفهم ازاء حقوق الشعب الكردي في سوريا، و عليهم أن يعلموا بأن الكرد ليس بأقل تنظيماً منهم، و في المقابل يستوجب على الشعب الكردي أيضاً تبيان تفاصيل أدق حول حقوقه المشروعة التي يسعى إليها و كذلك مظلوميته على يد النظام السوري، و ليس بشعارات فحسب بل بواقعية ممكنة، كي لاتتمكن القوى الآتية من بعد بشار الأسد من استخدام الكرد كجسر للوصول إلى الحكم ، إضافة إلى أخذ الحيطة من ما يسمى بالمعارضة السورية، و هذا الأمر مطلوب بالدرجة الأولى من التنظيمات الشبابية الكردية التي تقود حراك الشارع الكردي في الثورة السورية، بعد أن فشلت الأحزاب الكردية (التي لا تقل تكلساً و كلاسيكية من أطراف المعارضة السورية) في تحديد مطالب الشعب الكردي بشكل واضح و واقعي و مشترك، خصوصاً و أن معظم الأحزاب الكردية مازالت تراهن على بقاء النظام، أو تثق بتيارات سورية ليست بأفضل من البعث و النظام الحالي حيال القضية الكردية.
هنا أذكر أنه قد اجتمعت ذات يوم بالدكتور حسن النجار و السيد بيومي (القياديين في حركة الإخوان المسلمين) في مدينة شتوتكر الألمانية عام 1987، و قد تناقشنا آنذاك حول أمور عديدة تخص المعارضة السورية بما فيها القضية الكردية، و قالوا حينها بأنهم يؤيدون كافة مطالب و حقوق الشعب الكردي، ولكنهم الآن و بعد استقوائهم بتركيا يحاولون استخدام الكرد السوريين فقط كجسر للوصول إلى الحكم ليس إلا، و طبعاً هذا الأمر سيكون مرفوضاً و مداناً لا محال، و غايتي من تذكير هذا المثال أو هذه القصة ليست إلا تأكيداً للشباب الكردي بواجبهم في أخذ الحيطة من هكذا مخططات مبيتة من شأنها أن تكون دوراناً حول حقوقهم في المستقبل القريب، كما أنه على المعارضة السورية أيضاً إثبات حسن نيتها تجاه مظلومية الشعب الكردي و حقوقه المشروعة إذا كانت بالفعل تمثل إرادة تنيسقيات شبابها في الداخل السوري.