اللا تنظيم ….. !!

خليل كالو

  أغلب الظن أننا نعيش هذه الأيام الفوضى واللاـ تنظيم في الحراك والتفاعل الداخلي على مستوى الأفراد والجماعة وفي الإطار الشعبي والتنظيمي وقد أثرت هذه الظاهرة بشكل مباشر على السلوك والتفكير وشعور الانتماء وانضباط الوعي الجمعي والرأي الموحد من الأهداف والحقوق مما حدا بعدم التحرر من عقدة الحزب والتحزب والانتماءات الخاصة أيضاً.

كل الخوف هو أن يصبح الفوضى واللا ـ تنظيم سمة بارزة للمرحلة المقبلة على عكس ما كان يتفاءل به البعض بعيد الأحداث وقد يصبحان سببان أساسيان في تخلفنا عن أي تطور محتمل في المستقبل وعدم جني نتائج مرضية إذا ما بقيت الحالة الراهنة على حالها.
 قد يكون مصدر هذه الفوضى بنيوي ناتج من تأثير إرث الماضي وبالإضافة إلى فورة البحث عن الذات على المستوى الفردي والحزبوي كرقم له وجود وماهية بعد كبت والخوف من  الاستبداد في السنوات الماضية (عقدة الإنسان المقهور) و كذلك هامش الحرية المؤقت الذي نتج قسرا في ظل الأوضاع غير الطبيعية والاحتجاجات الشعبية التي تسود البلاد وشملت مرابع الجميع .

العامل الأهم في سيادة اللاـ تنظيم وفوضى الحراك هذه الأيام هو غياب الرأس المؤهل والقادر لإدارة المرحلة كما ينبغي في الوقت الذي يتحتم على الكرد أيضاً التمسك بفكرة التنظيم بسبب ما يعيشونه من التشتت والفوضى التي تهدد أسباب وجودهم.

فعندما نشأت فكرة التنظيم لدى مثقفي الكرد في بداية القرن العشرين كان الهدف هو تجميع طاقات وقدرات الشعب الكردي من أجل غاية ومطلب حقوقي قومي.

ولكن مع مرور السنوات وتخلف النخب القائمة من انتهاج سلوك قيادة تاريخية وعدم إدراكها لمتطلبات المرحلة وتحملها لمسئولياتها دب الخلل في التنظيم فتحولت الكثير من الأطر المتشكلة إلى هياكل تنظيمية فارغة من محتواها التي نشأت من أجلها مع خواء شخصية الأفراد المنتمية.

فانتاب الضعف والتمزق هذه الهياكل شيئا فشيئا حتى بات المرء لا يعرف وجود التنظيم من عدمه، وصارت الكثير منها تدار على أسس واعتبارات شخصية إلى أن ابتعد التنظيم من الغاية التي نشأ من أجله وعن حقيقة أهدافه وتجاهل مشاعر الشعب الكردي وإرادته واتبع التقليد كمنهج في الإدارة والتنظيم ومن ثم بدأت مسيرة التشتت والتمزق والتناحر والصراع الداخلي في جسده وسار التنظيم الكردي يسير من ضعف إلى ضعف .
    إن وجود الكرد هو دائما وأبدا رهن مقومات وجودهم التاريخي وتكون مسألة الحفاظ على هذه المقومات أمر لا بد منها ، لذا لا يكفي أبدا أن يعرف الكرد كيف يكونوا وكيف يجب أن يكونوا، بل يجب عليهم السعي إلى تحقيق هذا الوجود من خلال الحفاظ على تلك المقومات والعوامل وتنمية ثقافة الهوية كي يمارسوا حياتهم حسب تقاليدهم ونواميسهم وأخلاقياتهم التي تمايزهم عن الآخرين.

فلن يكونوا باستطاعتهم النهوض بهذه الفلسفة بشكل تنظيمي جديد ما لم يبتعدوا عن الشكل القديم في العلاقات البينية والثقافة التي كانت وما زالت سبب تشتتهم وضعفهم .

فمن يزرع الزيوان سوف لن يحصد إلا الزيوان وبالمثل هي زراعة الأفكار فبث ثقافة التشتت واللاـ تنظيم والفوضى بين الكرد سوف لن تكون الثمار سوى الفرقة والفساد والصراع الجانبية فكل ثقافة لا تنتج إلا سلوكا منعكسا لها .
  من الخطأ التفكير وعقد الآمال على المناهج المضطربة والتفكير الارتجالي وأفكار مثقفي الصورة ذات الطابع المزاجي ولا على التنظيمات غير المنظمة وغير المنضبطة في الحراك الراهن لتحقيق شيء عملي كون هذه النماذج لا تمتلك منهج عملي وأدوات جديدة وأسلوب نضالي عصري تتماشى مع متطلبات المرحلة وإن تعدد التسميات والبرامج النظرية ليس لها معنى بالرغم من تأرجحها بين اليمين واليسار وما صنعه الحداد بينهما من تسميات ومصطلحات وهي التي وضعت لنفسها مرابط تعيق حركتها دون أن تدري بنقل الشعب الكردي من حالة القعود إلى النهوض والحركة الجدلية والبحث عن الذات.

إن الكثير من القوى السياسية إن لم تكن كلها التي تشغل الفضاء السياسي لم تستطع تحقيق إنجازات ملموسة من خلال قدراتها الذاتية وتعتقد أن مصيرها هي دائما رهن القدر والظروف الموضوعية وبحاجة إلى تدخل قوى إضافية لتفعيلها وتحريكها لمجاراة المرحلة وتذليل العقبات التي تجابهها دائما حتى وإن استسلمنا للقول بأن هناك قوى مضادة تقوض عملها لذا تبقى المهمة الأولى للنخب الكردية ليست إقامة شكل تنظيمي جديد متماسك بل القضاء أيضاً على الشكل القديم ونبذ منهج التحزب والانتماءات الخاصة حيث من المستحيل بناء الجديد بالتعايش والاتفاق مع القديم البالي مهما كانت إنجازات هذا القديم .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…