هذيان سياسي، أم ماذا؟؟؟ برسم الحركة الوطنية السورية، والكردية منها تحديداً

جوان أحمد

في سياق تداعيات الأزمة الوطنية تتنوع الآراء والمواقف، وذلك باختلاف زاوية الرؤية إلى الحدث، وتضارب المصالح والغايات والمستوى المعرفي، وذلك أمر طبيعي من الناحية المنطقية في ظرف غير مستقر كالظرف الراهن طالما أن هذه الاجتهادات تطرح لحل الأزمة ضمن الإطار الوطني، أما التفكير ضمن إطار استراتيجيات تفتيت وتقسيم البلاد فذلك شأن آخر، وفي مقامه كلام آخر وتوصيف آخر.
 “يجتهد” د.

عبد الحكيم بشار سكرتير الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا – البارتي في سياق قراءته للوضع الراهن بتقديم الحلول للأزمة الوطنية يصل إلى أن الأزمة تتعلق بأقليم كامل فيضع حلا “عبقرياً” لمشاكل تركيا وسوريا والاردن والعراق …
يقول حرفياً “بما أن الخارطة السياسية في المنطقة لا تنطبق مع الحدود القومية بل تم ترسيمها من قبل الدول الاستعمارية أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى انطلاقاً من مصالحها ومن القوى المؤثرة في الساحة آنذاك على أن تبقى كل دولة راقدة على بركان من المشاكل والخلافات يمكن تفجيرها في أية لحظة ، ولم تلجأ الحكومات المتعاقبة في الكيانات السياسية الحالية إلى حل مشاكل دولها بأسلوب ديمقراطي وموضوعي بالانطلاق من الواقع والبناء عليه وتطويره، بل لجأت حكومات الأغلبية إلى قمع المكونات الأخرى، وكان التنكر والقمع ومحاولات الصهر للمختلف هو السياسة المتبعة، والتي فشلت في ذلك، بل ساهمت في تأجيج مشاعر الخلاف والاختلاف بين المكونات المختلفة في الدولة الواحدة والذي بات حالياً واقعاً معاشاً، ولبنان والعراق نموذجان مثاليان لهذه الظاهرة، فلا الدولة اللبنانية رغم عمرها الطويل ونظامها الديمقراطي التوافقي نجحت في التغلب على الحالة الدينية أو الطائفية أو المذهبية بل بات لبنان كدولة مقسمة بين تلك المكونات وكل منها يسعى إلى الاستئثار بالدولة من خلال طائفتها ومصالحها ، والانتماء للطائفة أو الدين أو المذهب أقوى من الانتماء للوطن ، والحالة العراقية لا تختلف عن الحالة اللبنانية ، ورغم البعد الثقافي والحضاري للبنان فإن فشله في تحقيق مجتمع مدني ودولة عصرية يتجاوز المواطن كل الانتماءات الأخرى سوى الانتماء للوطن يدل أن الوقت لا يزال مبكراً ليتجاوز هذه الحالة التي ترسخت عبر مئات السنين ، لذلك فإن إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة من خلال تفكيك تلك الخارطة وإعادة تركيبها من جديد بحيث يتم فيها تحقيق أكبر قدر من التجانس قومياً أو دينياً أو مذهبياً بحيث يتم إعادة النظر في الحدود السياسية للدول التالية : لبنان – الأردن – سوريا – العراق – إيران – تركيا ، وذلك بإقامة كيانات سياسية جديدة تراعى فيها أكبر قدر من التجانس قومياً ومذهبياً .

إن هذا الحل رغم أنه يبدو صعب التحقيق ظاهرياً ، ولكنني أعتقد أنه أفضل الحلول الاستراتيجية حيث سيحقق حق تقرير مصير شعوب المنطقة من خلال إقامة كياناتها المستقلة وفك الارتباط القسري بين المكونات المختلفة قومياً أو دينياً أو مذهبياً ، وإعادة تجميع المكونات المشتتة ، ورغم أن ولادة الخارطة الجديدة ستترافق بمخاض عسير جداً جداً ولكنه في المنظور الاستراتيجي يكون قد وضع حجر الأساس لدول شبه متجانسة سوف تخلق استقراراً شبه نهائي في المنطقة وبداية لعصر جديد قوامه التعاون الاختياري بين مختلف مكونات المنطقة ومذاهبها لا الجمع القسري بينها .

إن هذا الخيار يعتبر أفضل الخيارات خاصة إن الكل مجمع على أن الحدود الحالية هي حدود رسمها الاستعمار ، فأين المشكلة إذا تم رفض الحدود الاستعمارية وإعادة صياغتها بشكل ينسجم مع الواقع القومي والمذهبي في المنطقة ” موقع سوبارو الالكتروني17أغسطس 2011
وكما سلف يرى الدكتور في هذا الطرح أفضل الحلول الاستراتيجية من جملة الحلول الأربعة التي يطرحها، ولأنه يراه كذلك فإن هذا ” الإبداع ” التاريخي يتطلب قراءته قراءة تحليلية نقدية ووضع النقاط على الحروف في هذا الظرف الحساس ولقضية حساسة، ومن حزب سياسي ينتمي الى تكوين قومي في سوريا، كان نشطاؤه متهمون على مدى عقود بتهمة “الانفصالية ” و “اقتطاع جزء من التراب الوطني” من قبل بعض الدوائر في النظام وكان الجميع يجاهد من أجل إنكار ذلك!!!؟

–   أول ما يدعو إلى الاستغراب والدهشة في المقالة هو زج اسم الأردن بين الدول التي يجب إعادة النظر في حدودها، مع العلم أنها دولة لا تنطبق عليها مفهوم الدول ذات التعدد الدينى أو القومي أو المذهبي – وبعيداً عن الاتهام-  نتساءل هل يحاكي الدكتور مشروع قديم متجدد “الوطن البديل” وتصفية    ليحل ” بالمعيّة” مشكلة أبناء العم ” اليهود” ومشكلة الشعب الفلسطيني؟

أم أن رأيه هذا يندرج فقط في إطار الأمية السياسية ، ويجهل تبعات كلامه في تنمية الحساسيات القومية، ونظرة الآخر إلى الأكراد السوريين ؟؟  

–  إذا كانت دول المنطقة لم تستطع حل المشاكل القائمة بعد رحيل الاستعمار وأنتجت بحكم تراكم المشاكل نتيجة سياسات الانظمة وضعاً معقداً قابلاً للإنفجار، فمن المفروض أن يكون منطق الدكتورعكس منطق الأنظمة في التفكير والسلوك، ولو من باب الجكارة على الأقل، طالما أنه يحسب نفسه معارضاً لسياسات وسلوك هذه الأنظمة على طول الخط، أم أنه ينضم الى من يريد استكمال وشرعنة ما أسست له هذه الأنظمة باتجاه ضرب الوحدة الوطنية، كونه ينتمي إلى نفس البنية الفكرية والسياسية ولو ادعى عكس ذلك؟

–  إن الحدود الحالية ليست حدود استعمارية بالصيغة النهائية كما كانت ترتئيها الدوائر الاستعمارية, بل أن طرح  الدكتور هو جزء من الطرح الذي عملت عليه فرنسا لإيصال سايكس بيكو إلى خواتيمها في سوريا مثلاً عبرمحاولة تقسيم البلاد إلى عدة دويلات، ولم تفلح فيه  بسبب رفض أغلبية الشعب السوري لذلك، بما فيه أغلبية الأكراد السوريين وبالتالي فأن طرح الدكتور بتغيير الحدود الحالية من جهة رفض الحدود الاستعمارية هي بمثابة “نكته” سياسية باهته لاطعم لها ولا لون، واذا قبلنا بذلك جدلاً فأن رفض الحدود الاستعمارية القديمة سايكس بيكو لايعني القبول بحدود استعمارية أخرى فالحل المقترح هو محاكاة لمشروع استعماري جديد” الشرق الأوسط الجديد” الذي يطرح الآن لاستكمال ما لم يستكمل في حينه، أم إن الدكتور اكتشف بأن  تلك القوى أصبحت رحيمة دون أن يبلغ أحد؟

–  إذا كان القصد من المشروع العتيد هو حل الإشكالات المزمنة بسبب التعدد القومي كما يزعم فإن التجربة الملموسة تقول إن الدول أحادية القوميات أيضاً لم تُحلّ مشاكلها مصر – ليبيا – وبالتالي فأن المشكلة لاتكمن في التعدد القومي والطائفي بقدر ما تكمن في الطبقة الاجتماعية المهيمنة، ومدى التعبير الحقيقي عن مصالح شعوبها والقرب والبعد من قوى الهيمنة في العالم، وفي هذا السياق أيضاً نتساءل… لو كان الأمر كذلك فماذا عن الصراع الكردي – الكردي في العراق على بضع ملايين من الدولارات من ريع بوابة ابراهيم الخليل الحدودية، والذي كلف آلاف الضحايا و لم تنتهي تداعياته الى الآن، مع العلم أن طرفي الصراع من دين واحد ومذهب واحد وقومية واحدة؟ وماذا عن موقف قيادات الاحزاب الكردية في العراق من الصراع الجاري بين حزب العمال الكردستاني والدولة التركية؟ وماذا عن تجربة حزب الدكتور نفسه الذي انقسم بطريقة البارامسيوم مع العلم أن كل اعضاء الحزب من نفس القومية والدين والمذهب، ويحملون أفكاراً واحدة كما هو مفترض؟؟؟؟؟

–   من حيث الجوهرلاتوجد أية مشكلة في إطار الحركة الشعبية المتصاعدة في بلدان المنطقة ذات طابع قومي أو مذهبي أو ديني، فالحركات أو الانتفاضات، أو الثورات – سمّها ما شئت – هي رد فعل على القهر الاجتماعي والسياسي المزمن، وكل ما تمظهر ويتمظهر من الطائفي والقومي والديني هي شكل الظاهرة، وتأجيجها هو نتاج نشاط علني وسري لوكلاء الطوائف والقوميات والأديان ومن مختلف المواقع كل لغاياته، وتحاول من خلال ذلك تمييع الحراك الشعبي العابر للطوائف والقوميات ونزع أحد أهم مصادر قوتها وصولاً إلى المتاجرة بدماء الشباب من خلال زجّهم في حروب عبثية تعيد إنتاج الأزمة، وحيث يعيش الدكتور عبد الحكيم وتحديداً في مدينة – القامشلي – كان وما زال الشعار الأبرز في المظاهرات هو “واحد واحد واحد الشعب السوري واحد” وهي مدينة من أكثر المناطق تعدداً وتنوعاً في البلاد دينياً وقومياً، ويلاحظ كل مراقب كيف أن الحس الوطني والإنساني العفوي لأبناء هذه المدينة دفعهم الى التضامن مع أبناء درعا و دير الزور … على عكس ما عمل ويعمل عليه جوقة الفكر القومي الشعبوي من هنا وهناك.

   

–  اذا كان المشروع المقترح هو حل استراتيجي، فإنه من المنطقي الآن وضع التكتيك اليومي على ضوءه وذلك حسب أبجديات علم الإجتماع السياسي (التكتيك في خدمة الاستراتيجيا) وبناء عليه فأن التكتيك الأنسب لذلك هو العمل على نسف كل المشتركات بين شعوب المنطقة، عبر رفع الشعارات الطائفية أو القومية أو الدينية الضيقة، والحال هذه فلماذا هذه الجعجعة المستمرة عن الدولة المدنية الديمقراطية، والوحدة الوطنية وما شابهها من مصطلحات يظل الدكتور يكررها بمناسبة ودون مناسبة، ناهيك عن ما يعنيه ذلك اليوم من إجهاض الحراك الشعبي المشروع وتفريغه من محتواه؟؟؟؟؟؟؟!

–  ان الحل الحقيقي لايكمن في المزيد من التفتيت كونه يخالف منطق الأمور واتجاه التطور التاريخي، وتوجه العالم الموضوعي نحو الترابط والإندماج عبر الاتحادات والتكتلات الإقليمية بل بايجاد البنى السياسية القادرة على تحقيق الاندماج الطوعي، تماشياً مع الواقع الموضوعي الذي تعبر عنه الجغرافيا السياسية، والمصالح المشتركة.

إن الحراك الشعبي لايتحمل المزيد من الاعباء، وبالأخص من قبل من يحسبون أنفسهم عليه ، ويطعنوه في الصميم من خلال هذه الاطروحات التي تؤكد انهم لم يفهموا بعد طبيعة هذا الحراك واسبابه وأهدافه ووظيفته التاريخية التي تكمن في كنس كل البنية السياسية التقليدية وفي مختلف المواقع، إلا من رحم ربي، والرحمة تخص فقط  من يستطيع التفاعل الواعي مع الحراك ويتركه ينمو حتى يحقق اهدافه في التغيير المنشود، ومن هنا فإن القوى الوطنية السورية عامة، والكردية على وجه الخصوص، مدعوّة إلى تفنيد هذه الأطروحات الصبيانية، ومعالجة هذا الهذيان السياسي الذي يسوّق لشرخ في النسيج الوطني السوري في ظرف خطير للغاية، الأمر الذي عملت عليه قوى الفساد والاستبداد ضمن جهاز الدولة خلال الفترة الماضية وتعمل عليه الآن اليوم لشق صفوف الحراك الشعبي، ناهيك عن كونه مساس بالمقدسات الوطنية التي هي ليست ملكاً لنظام أو حزب أو قومية أو دين، بل هي إرث الأجيال إلى الأجيال إرث السوريين من ديبو شاشو ويوسف العظمة وسلطان الأطرش وصالح العلي وسعيد آغا الدقوري وفارس الخوري وسعيد اسحاق ورمضان شلاش، إرث فرضته الجغرافيا السياسية، وتوازن القوى في سياق عملية التطور التاريخي.
 

 وأخيراً إذا كان ثمة من يريد تغيير الحدود الحالية، عليه أن يعلم أن التغيير الذي يعبر عن مصلحة الشعوب لايكون باتجاه المزيد من التفتيت بل باتجاه وحدة نضال شعوب الشرق العظيم على أساس الإعتراف المتبادل بالحقوق، وتعزيز المشتركات، وليس بمحاولات نفخ الروح في الجثث الميته من مشاريع بقايا الماضي الاستعماري، ونسخه الجديده، وأوهام ملحقاته من بقايا الاقطاع والبرجوازيات الريعية التابعة، داخل الأنظمة وخارجها، المفلسة والمستهلكة التي تبحث لها عن مكان وموقع جديد في سياق عمليات التغيير التاريخية الجارية، عبر تسويق مشاريع التفتيت الامر الذي يعني بالضرورة المزيد من الموت العبثي والمجاني, ودورة أزمات جديدة في المنطقة لن يستفيد منها أحد إلا من ظل ينهب هذه المنطقة منذ قرون، ووكلاؤهم المحليين.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…