بيد أن اللافت للانتباه و المثير للتساءل هو غياب مواقف تلك الأحزاب تصريحاً و بياناً وأفول حضروهم على المشهد السياسي بعد ان قطعت انتفاضة الشعب أشواطاً بالصمود و التحدي لاَلة القمع و البطش و الاعتقالات وحافظت على زخمها وجماهريتها و طابعها السلمي و اتساع رقعتها لتغطي جل ساحات الجغرافيا السورية بلغت عديد ضحاياها أرقاماً مرعبة هزت الضمير العالمي بإستثناء ضمائر قيادات و قواعد تلك الأحزاب (الوطنية و التقدمية جداً) فهم صاغرون صامتون كصمت أبي الهول وفي مواقف و مواقع لا يحسدون عليها وهي نتيجة طبيعية لمشاركتهم البعث في جميع جرائمه وموبقاته بحق الشعب السوري لقاء بعض الفتات التي كان النظام يتصدق بها على قاداتهم وأتباعهم ببعض المناصب الرمزية و المخصصات المالية وعدد من السيارات .
فيستبعد أن تكون مبررات و دوافع هذا الغياب في البيانات و التصريحات بمثابة رفض ضمني لممارسات النظام البربرية أو ناجم عن عذابات الضمير الذي باعوه منذ عقود بل هو الإحساس و اليقين بأن المسلسل الذي اشتركوا مع النظام في الإنتاج و الإخراج و التمثيل قد شارف على نهايته و ما تشهده البلاد هذه الأيام هي الحلقة الأخيرة منه بعد أن تسربت المياه إلى السفينة ووصلت شرارة الثورة إلى المعبد و أعمدة الهيكل فربما يراودهم التفكير بالقذف من السفينة و الفرار من المعبد و لكن فات الميعاد كما رددتها المرحومة أم كلثوم في أغنيتها الشهيرة .
فإلى أي شاطئ وإلى أية مدينة وفي أحضان أية شريحة من الشعب السوري سيجدون الملجأ و الأمان فالجزاء من جنس العمل كما هي عليها سنن الحياة و المصير الحتمي للطغاة بأعوانهم و أتباعهم .
ومن الإنصاف الإشارة بأن بعض تلك الأحزاب كانت راسخة بجذورها بين الجماهير و نقية بمبادئها و مناهجها وجريئة بمواقفها الوطنية في منعطفات مفصلية من تاريخ البلاد لكنها تخلت للأسف الشديد عن قيمها و مبادئها و تاريخها النضالي و قبلت بدور التابع الذليل لنظام استبدادي حرق الأخضر و اليابس و دمر وطناً و شعباً و اقتصاداً و حضارة و ثقافة .
فالنظام اّيل إلى السقوط بعد أن وصل بل أوصل نفسه بغبائه و غروره إلى شفير الهاوية و سيساق الذين ظلموا و تلطخت أيديهم بدماء الشعب ونهب قوت أبناءه إلى العدالة الدولية أو الوطنية أسوة بالمصير الذي اّل إليه رأس النظام في أرض الكنانة و لن يكون أحد بمنىء عن المسؤولية و الإفلات من العقاب و سيحذو ثوارسوريا حذو ثوار ساحة التحرير في القاهرة ربما بسيناريوهات متباينة على ضوء المعطيات المستقبلية لممارسات و سياسات النظام ومواقف الأسرة الدولية في المشهد الأخير من المسلسل فما من قوة أو جهة تمتلك الحق و الصلاحية دون إرادة و حقوق ذوي الضحايا و أولياء الدم بطلب القصاص العادل للقتلة و المجرمين و اللصوص فاعلين أصليين أو شركاء لهم بالفعل و البيان و حتى السكوت عنهم لأن الساكت عن قول الحق هو شيطان ٌ أخرس و قد يتعذر على مناضلي البعث و رفاق دربهم في أحزاب الجبهة تأمين من يدافع عنهم أو تأخذه الرحمة و الرأفة بهم فعليهم القبول بالمصير و النهاية صاغرين صامتين كما كانوا عليه طيلة العقود السابقة بامتيازاتها ومنافعها دون أن ينتابهم الشعور بالظلم و الإحساس بالندم لأنهم شبوا على الذل و الهوان و شابوا عليه و من يهن يسهل الهوان عليه فما لجرح بميت إيلام .