السكوت من علامات الرضا

المحامي مصطفى ابراهيم

هذا المثل المتداول في العديد من المناسبات تقابله القاعدة الفقهية الشهيرة  (السكوت في معرض البيان بيان) فهذا المثل وتلك القاعدة تنسحب وتنطبق على “ثوار ومناضلي” أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية في سوريا التي تعشعشت كالزعانف و الطفيليات على موائد البعث لأكثر من ثلاثة عقود تبارى و تنافس قادتها (اليساريون و الليبراليون و القوميون) فيما بينهم بالبيانات و التصريحات و القصائد العصماء دعماً و تأييداً لمواقف وسياسات النظام (الممانع و المقاوم) للمشاريع و المخططات الإمبريالية و مديحاً و ثناءً للقائد الراحل بطل التشرينين (التصحيح و التحرير) كأحد عمالقة العصر
ربما وضعوا بعض قادة البعث في مواقف الحياء و الحرج من هذا الرياء و النفاق الذي تجاوز الحدود و المنطق و الأمثلة عديدة في هذا السياق أكتفي بما قاله أحد أعضاء مجلس المهرجين عن مؤهلات وحق بشار الأسد لقيادة العالم بقاراته الخمسة ناهيكم بما كان يتحفنا به خالد عبود من خلال إطلالاته المتكررة على الفضائيات و استعماله أشنع الأوصاف و المفردات السوقية بحق المتظاهرين و المحتجين الشرفاء .

بيد أن اللافت للانتباه و المثير للتساءل هو غياب مواقف تلك الأحزاب تصريحاً و بياناً وأفول حضروهم على المشهد السياسي بعد ان قطعت انتفاضة الشعب أشواطاً بالصمود و التحدي لاَلة القمع و البطش و الاعتقالات وحافظت على زخمها وجماهريتها و طابعها السلمي و اتساع رقعتها لتغطي جل ساحات الجغرافيا السورية بلغت عديد ضحاياها أرقاماً مرعبة هزت الضمير العالمي بإستثناء ضمائر قيادات و قواعد تلك الأحزاب (الوطنية و التقدمية جداً) فهم صاغرون صامتون كصمت أبي الهول وفي مواقف و مواقع لا يحسدون عليها وهي نتيجة طبيعية لمشاركتهم البعث في جميع جرائمه وموبقاته بحق الشعب السوري لقاء بعض الفتات التي كان النظام يتصدق بها على قاداتهم وأتباعهم ببعض المناصب الرمزية و المخصصات المالية وعدد من السيارات .

فيستبعد أن تكون مبررات و دوافع هذا الغياب في البيانات و التصريحات بمثابة رفض ضمني لممارسات النظام البربرية أو ناجم عن عذابات الضمير الذي باعوه منذ عقود بل هو الإحساس و اليقين بأن المسلسل الذي اشتركوا مع النظام في الإنتاج و الإخراج و التمثيل قد شارف على نهايته و ما تشهده البلاد هذه الأيام هي الحلقة الأخيرة منه بعد أن تسربت المياه إلى السفينة ووصلت شرارة الثورة إلى المعبد و أعمدة الهيكل فربما يراودهم التفكير بالقذف من السفينة و الفرار من المعبد و لكن فات الميعاد كما رددتها المرحومة أم كلثوم في أغنيتها الشهيرة .

فإلى أي شاطئ وإلى أية مدينة وفي أحضان أية شريحة من الشعب السوري سيجدون الملجأ و الأمان فالجزاء من جنس العمل كما هي عليها سنن الحياة و المصير الحتمي للطغاة بأعوانهم و أتباعهم .

ومن الإنصاف الإشارة بأن بعض تلك الأحزاب كانت راسخة بجذورها بين الجماهير و نقية بمبادئها و مناهجها وجريئة بمواقفها الوطنية في منعطفات مفصلية من تاريخ البلاد لكنها تخلت للأسف الشديد عن قيمها و مبادئها و تاريخها النضالي و قبلت بدور التابع الذليل لنظام استبدادي حرق الأخضر و اليابس و دمر وطناً و شعباً و اقتصاداً و حضارة و ثقافة .


 
 فالنظام اّيل إلى السقوط بعد أن وصل بل أوصل نفسه بغبائه و غروره إلى شفير الهاوية و سيساق الذين  ظلموا و تلطخت أيديهم بدماء الشعب ونهب قوت أبناءه إلى العدالة الدولية أو الوطنية أسوة بالمصير الذي اّل إليه رأس النظام في أرض الكنانة و لن يكون أحد بمنىء عن المسؤولية و الإفلات من العقاب و سيحذو ثوارسوريا حذو ثوار ساحة التحرير في القاهرة ربما بسيناريوهات متباينة على ضوء المعطيات المستقبلية لممارسات و سياسات النظام ومواقف الأسرة الدولية في المشهد الأخير من المسلسل فما من قوة أو جهة تمتلك الحق و الصلاحية دون إرادة و حقوق ذوي الضحايا و أولياء الدم بطلب القصاص العادل للقتلة و المجرمين و اللصوص فاعلين أصليين أو شركاء لهم بالفعل و البيان و حتى السكوت عنهم لأن الساكت عن قول الحق هو شيطان ٌ أخرس و قد يتعذر على مناضلي البعث و رفاق دربهم في أحزاب الجبهة تأمين من يدافع عنهم أو تأخذه الرحمة و الرأفة بهم فعليهم القبول بالمصير و النهاية صاغرين صامتين كما كانوا عليه طيلة العقود السابقة بامتيازاتها ومنافعها دون أن ينتابهم الشعور بالظلم و الإحساس بالندم لأنهم شبوا على الذل و الهوان و شابوا عليه و من يهن يسهل الهوان عليه فما لجرح بميت إيلام .

سياسي كوردي سوري

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…