تقرير عن كابوس سياسي كردي

 إبراهيم محمود
 

كل ما أقوله قد تم في غفلة جديرة بالبحث، أي دون سابق إعلام! إذ زارني – بالأمس- كل من السادة: عبدالحميد درويش، فؤاد عليكو، عبدالحكيم بشار، طاهر صفوك، نصر الدين ابراهيم، عبدالرحمن آلوجي، عزيز داوي، اسماعيل حمه، مشعل التمو، محمد موسى، شيخ آلي، صالح مسلم، فيصل يوسف….، وسادة آخرون كانوا في صحبتهم ويرافقونهم وآخرون جاؤوا من بعدهم مباشرة أعتذر إليهم لأنني لا أتذكر أسماءهم كاملةً، كما أن ترتيب الأسماء لا صلة له باعتبارات شخصية- وجاهية، رغم عدم وجود ما يفاجىء في أي إجراء يتبعه أحدهم واقعاً.
 كان علي إثر ذلك أن أتصرف كما يجب، أولاً، وقبل كل شيء، بإخبار الجيران، عن طريق من في البيت، بضرورة تحمل مشهد أرتال سياراتهم وقد ملأت الشارع ومن الجهتين، ومحاولة إبعاد الأيدي العابثة عنها، فهي ليست سيارت عادية ريثما تخلص هذه الزيارة المباركة حقاً.

 المفاجأة لم تكن في الزيارة التاريخية هذه والتي منحتني زخماً غير مسبوق في الكتابة والثقة بالذات لاحقاً، وكذلك التأكيد على ما هو حضاري أو برتوكولي في العلاقات الأكثر إيجابية وثراءَ قيمة بين السياسي والمثقف، وبالنسبة لنا ككرد صراحةً، لا! المفاجأة التي أربكتني تتلخص في محاولاتي المثيرة للتعليقات هي كيفية التصرف مع السادة هؤلاء والقيام بواجبات الضيافة المطلوبة، حيث لكل منهم مزاجه وطريقة تفكيره وتقديره لمواقف من هذا النوع، وخصوصاً جهة الاهتمام، ومن سيكون الأكثر اهتماماً به، وكيف سأتغلب على الحرج الذي تلبَّسني و أظنني أحسَد عليه في الترحيب بهم، وهو ما قصَّرت في التعبير عنه، رغم أن لدي خبرة لا بأس بها في أمور من هذا النوع، سواء العملية منها، أو النظرية، وهذه أكثر من الأولى، وإلا لما كان الحرج سالف الذكر قائماً.
بطريقتي المضطربة قليلاً، وكلهم قدموا معاً، أفصحت عن اعتذاري، لأن المكان ليس على قدر المقام، سواء في ضيقه، أو حتى في بعض الكراسي البلاستيكية التي تمكنت من شرائها مؤخراً بعد أخذ ورد، كانت حركاتي تلفت النظر من خلال تمتمات أو ابتسامات كنت ألاحظها لدى هذا أو ذاك لا تخفي حقيقتها، ولكن ذلك لم يكن يشغلني أمرها كثيراً وأنا أسعى جاهداً إلى أن أضبط نفسي، ولكن الترتيبات لم تتم بدقة، سواء من خلال ضيق المكان، أو عدد الكراسي، وأنا أدفع بهذا الكرسي وأؤخر غيره، جاهداً إلى أن يقتعدوا كراسيهم وهي ناقصة، ناسياً أنني في ورطة بالفعل، لأسباب مذكورة، ورغم أنني استغثت ببعض الجيران للحصول على عدد كاف من الكراسي.
لكن الموقف بلغ الذروة سواء من جهة وضعيات الكراسي والذين تسابقوا في الجلوس عليها، أو من جهة المكان الذي اضطرني إلى جعل الصالون البائس امتداداً لغرفتي لتخفيف الضغط على المكان، وعبارة: تفضلوا، تفضلوا… لا تفارق شفتي..
لاحظت بلبلة في المكان، فقد كان هناك وقوف وتململ، رغم تحقيق نصاب الكراسي المطلوب.

إذ إن العرق الذي كان يتصبب مني، وشكل غشاوة في بعض الأحيان على عيني، لم أعبأ به، إنما بهؤلاء السادة غير العاديين بالنسبة لي، وكل ذلك يحتاج إلى مقالة لها نكهة خاصة تليق بعظمة المناسبة، وأنا أتخيل- ولو- في ثوان، أن جيرانيَّ والذين يمرون في الشارع وفي الاتجاهين، لا بد أن يلفت نظرهم مشهد السيارات وهي تعرّف بأصحابها طبعاً، ويعلي مقداري بالتالي، فكان يزيد في لغة الترحيب بهم: خطوة عزيزة يا سادة، خطوة عزيزة..عزيزة..
إلا أن مشهد التململ والاضطراب والتزاحم سيطر على كل تفكيري، وأنا أستجمع قواي، باعتباري المضيف، في أن أجد مخرجاً لكل ذلك دون جدوى، وهو ما تخوفت منه، إلى درجة أنه تهيأ لي أن ثمة إرباكاً أكبر لا بد أنه في انتظاري إذا تحول المشهد إلى أكثر من التدافع والاحتكاك الجانبي… أن يحصل عراك ما، مثلاً…
تزايد الضغط حقاً إلى درجة الشعور بأن قوة داخلية تكتم أنفاسي، كان على إثرها صرخة خرجت مني: لا!
يا للعنة! حدث كل ذلك، وخلال ثوان، وأنا نائم، فززتُ من فراشي وأنا أستعيد مشهد الكابوس الكردي الفظيع!
لأخفف الضغط عن نفسي، حاولت أن أنقل حرفياً وقائع الزيارة التاريخية تلك، دون زيادة أو نقصان، وأنا أدعو بقدر ما آمل أن لا يتعرض أي كان، ودون استثناء، لكابوس كردي كهذا الذي لم أعهده إطلاقاً من قبل!

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…