بل إن وقفة رمضان، أو حتى عيده، لم “يوقفا” نظام الزُّعران، عن مواصلة شهوة ووحام القتل- صفة الحيوان الضاري حصراً- من دون أن ينتبه إلى الصدع، الرهيب، الذي أصيبت به أعمدة حكمه، التي يقوم عليها، وهي لحظة الانهيار النهائي، لأعتى وأغبى وأجبن نظام حكم العالم العربي، طراً، حتى لحظة الدم السوري، هذه، اللحظة التي لن تتكرر في تقويم الزمان، أو المكان.
يد الإجرام، الملوثة، طليقة، لا تتورع عن حصد الأرواح، لا فرق بين مكان ومكان، في خريطة بربريتها، مادام هناك من يريد إعادة بلد عملاق، عظيم، كسوريا، إلى مساراته-بروح الساتياغراها*- بعد أن تمَّ حرفه عنها،عقوداً متتالية، وفق أجندات متوالية، تخدم الاحتلال، والقوى العظمى الطامعة في العالم، القوى التي تقدم للنظام الدموي التطويب على رهن الكرسي له، كي يلبي النظام، مقابل ذلك، ما يملى عليه، من مخططات، وتكون –غالباً– مخالفة لروح خطاب التنويم الممانع، المنادى به.
دمشق، البو كمال، درعا، حمص.، مدينة مدينة، وفق ألفباء الخريطة، تتلقى الطعن في جسدها، ظهراً، وصدراً، وقلباً،واستئصال حنجرة، كي تكون” الوجبة اليومية” المقدَّمة على” مائدة” الدكتاتور، الجاهل، وبطانته، أرواحاً آدمية، تزهق، كي يرتفع الخط البياني، يوماً تلو آخر، وهو المؤشر، من جهة أخرى، إلى حريق حقيقي، في الجسد الوطني، الإنساني، سواء أكان ذلك عبر اعتقال عشرات الآلاف من المناضلين، أو عبر من انفتحت شفاه جراحات أجسادهم “كما جراحات الوطن تماماً” على أنين، وألم، وأمل، أو عبر من يتم تهجيرهم من مساقط رؤوسهم، وسكناهم، كي يكونوا عرضة لسجن مفتوح، من العوز والحرمان، وانتهاك الكرامات والأرواح، وما أكثر الحالات الرهيبة هنا، ما أكثر…!
ابن سوريا، اليوم،سوريانا، أكثر لمساً لجرحه، أكثر قرباً من روحه، أكثر قراءة لحلمه، أكثر قرباً من بوابة غده المشرق، لا محالة، وهو يجسر الدرب، عبر الثورة، مؤكدة الانتصار، نحو سوريا، جديدة، تواصل تحقيق خريطة حلم، طالما خطط لها صانعو الاستقلال الأول، ممن تمت سرقة حصيدهم، من قبل دهاة الجريمة، ودهاقنة الزِّيف، وهم يتقنعون بالشعارات الجذَّابة، التي ستروا بها وجوههم القميئة، وعوراتهم الكريهة، البشعة،وأرواحهم المنبوذة، وهم قاب قوسين، أو أدنى منها، بموجب معادلات تجارب الشعوب التي لا تخطـأ البتة.
السوري الذي يقرض غربته: عزاءً، عزاءً، وعيداً وعيداً، أو عيداً عيداً، أو وجهاً تلو وجه، السوريُّ، ذيَّاك، أو هذا، السوريّ-في غمرة سوريته- في كل مكان، بعد أن استبدل مذياعه الذي لا يكف عن ترداد عبارة“هنا دمشق” العبارة التي تموسقت عليها روحه،منذ مهادها الأول، وتعلمت أذنه بها بعض أبجدية إيقاع المكان، أو الوطن، كي يركن ذلك “الترانزستور” بعيداً، وتتوزع روحه في صندوق عجائب، آخر، يظهر الصائت خلاله، في ملمح وجهه، وألوان ثيابه، وأفكاره، أو في شاشة جهاز، آخر، تعلق عيناه عليها، وتراقص حروف “كيبورده” أصابعه، وهو يضغط على أزراره، باحثاً عن العبارة نفسها:”هنا دمشق..!”إذاعة الجمهورية السورية، العبارة المنتظر صداها، مترنماً، من فم أول مذيع، سيعلن.
يلعن… يعلن..
عن تكنيس “الشآم” من عصابات اللصوص، الأقذر في تاريخ هذا المكان، وفي انتظار كتابة النشيد السوري الجديد، الأبقى، لتردده أفواه الأجيال، المتعاقبة، الأكثر أبداً، أو أبدية، وهي تتنسم هواء الحرية، بالعربية، والكردية، والآثورية، في لكناتها المختلفة، بل والأرمنية، والشركسية، والتركمانية، وكي تسترد العصافير والبلابل شدوها، بعيداً عن سطوة قنَّاص، أو صياد، أو شبِّيح، كي تكون “هنا دمشق”، هنا “الثورة” “هنا النصر”، هنا اللاخوف، هنا اللااعتقال، هنا اللافساد، هنا اللا عصابة، هنا اللامخابرات واللا مخبرون، هنا اللاظلام، اللاظلم، هنا الفجر السوري، في طباعته الأزلية، “هنا دمشق”… “هنا دمشق…”هدرة تأتي، هنادمشق، هي هنا درعا، وهنا حمص، وهنا حماة، وهنا إدلب، وهنا دير الزور، وهنا اللاذقية، وهنا بانياس، وهنا البيضاء، وهنا قامشلو، وهنا عامودا، وهنا رأس العين “سري كانيي” وهنا ” كوباني” عين العرب، وهنا ديرك، وتربسبي، ومارع وتلكلخ، والميادين، وانخل، وطيبة الإمام، هنا سوريا..هنا أنا، في أطيافي، قوس القزحية، جمعاء….
elyousef@gmail.com
31-8-2011
· اللاعنف وفق غاندي”1869-1948″