بازار الأحزاب الكوردية في سوريا شر أم بشارة لخير قادم

الدكتور صلاح الدين حدو

بدأ الحراك السياسي الكوردي بشكل حزبياتي منظم عند نشوء البارتي عام 1957م ومر في خضم حراكه بقمم نضالية أسست ثم رسخت لقواعد النضال الكوردي في سوريا  واستطاعت المصداقية والتضحيات  التي تحلى بها الأوائل  جذب انتباه السواد الأعظم من الكورد السوريين وبالتالي التفافهم حول أول تجربة قومية تجمعهم ، وكان ذلك الالتفاف عاملا محرضا في الاتجاه السلبي إذ جذب في حراكه انتباه  العقليات الشوفينية  العروبية الحاكمة بما تملكه من أجهزة استخباراتية ومؤسسات دولاتية

حيث وجدت تلك العقليات العنصرية في تشكل أول حزب كوردي في سوريا منفذا لها في تصدير أزماتها بتحويل نظر الشارع العربي المحبط من جراء سياساتها الفاشلة التي ساهمت بشكل أو بآخر في خلق نكبة فلسطين و عسكرنة الحكومات الشبه ديمقراطية  ، فبدأ العمل المضاد يأخذ منحين اثنين أولهما شحن الشارع العربي السوري  المحبط ضد ما روج على أنه إسرائيل الثانية وخطر قضية الشعب الكوردي عامة وثانيها هو العمل الإستخباراتي في تفتيت الحزب الكوردي من الداخل وزرع العملاء عبر الخروقات الأمنية  المدروسة .

ونظرا لعود الحزب الكوردي الطري وقلة خبرة الكورد في سوريا بألاعيب وأحابيل السياسة  سقطوا في الفخاخ المعمولة لكبح نضالهم وبدأ مسلسل الانشقاقات  والتخوين يعلو السطح السياسي الكوردي  واستطاعت السلطة في خضم انشغال الساسة الكورد بخلافاتهم تمرير عدد من المشاريع العنصرية ” الإستراتيجية “من وجهة نظرهم في تطبيق الإحصاء الاستثنائي وتجريد مائة وعشرين ألفا من الكورد المقيمين على أرضهم التاريخية أبا عن جد من هوياتهم السورية وأتبعوا ذلك بسياسة تفريغ الأرض الكوردية من الكورد في محاولة لتبديل الهوية الديمغرافية للمناطق الكوردية عبر ما سمي  بالحزام العربي ، الذي يعتبر بحق جريمة هي الأخطر على الوطن والوحدة الوطنية في المدى المنظور واللاحق ، لأن مجرد قبول هذه الثقافة الإقصائية بحق الكورد هذه المرة ستفتح مجالا محدقا في الخطر لتطبيقها على باقي الشعوب والأقليات الدينية والعرقية في الوطن السوري في ظرف مكاني وزماني واصطفافي مختلف ، ألا يجب علينا الاتعاظ من الثور الأبيض والأحمر والأسود في قصة كليلة ودمنة ، وعلى الفسيفساء السوري المتنوع تقع حتمية إفشال هذا الحزام القذر المطبق بحق الكورد.
وباتت الانشقاقات في الأحزاب الكوردية مؤشر البورصة للحراك السياسي العام في سوريا ودليلا على استحقاقات المرحلة بالنسبة لقضية الشعب الكوردي في سوريا ومدى انعكاس الأحداث في الأجزاء الكوردستانية الأخرى عليها .وقد خلقت هذه الانشقاقات أحقادا وضغائن على المستوى الشخصي لازمت الحركة الكوردية كنواة لورم خبيث كبرت  مع مرور الزمن لتصبح عائقا أمام إنجاح الوحدات الجزئية الناتجة عن ضغط القواعد والشارع الكوردي بمفهوم ردات الفعل ، لذلك سرعان ما كانت تلك الوحدات تفشل أمام أول عقبة أو امتحان تنظيمي أو سياسي  ، مما ساهم في خلق عقلية التملك الفردي والعائلي للأحزاب وانعكست الخلافات الشخصية على أحزاب يمتلكون نفس النهج والايدولوجيا لا بل في كثير من الأحيان نفس الاسم والجريدة ، وبالتالي أصبح الولاء للشخص هو المعيار الأوحد لصعود سلم ترفيعات الأحزاب ومؤشرا للوطنية والكورداياتية عند القيادات الحزبية .

وأصبحت مقولة عبد الملك بن مروان الأموي ” والله ما ناؤني أحد في هذا الكرسي الذي منحني إياه الله إلا وضربت عنقه ” شعارا لدى معظم القيادات الكوردية ينفذ تحت غطاء ومسميات شتى كالحفاظ على وحدة الحزب وخطه التاريخي ونهجه السماوي ومكافحة الفساد وان استمر الحال هكذا لا شك أنه سيوصف لآلام الرأس وهر الشعر ووجع الأضراس .؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
زلزال  آذار 2004 وما تلاه من آلام  أظهر جليا عجز القيادات الكوردية في سوريا في قراءة وتحليل الحدث وما ترتب عليه من استحقاقات بسبب ضبابية الخطاب السياسي وازدواجيته وعرَى ويشكل سافر الهوة بين طموحات الشارع الكوردي وبين تموضع الأحزاب الكوردية التي تنادت إلى ما أسمته مجموع الأحزاب الكوردية الذي كان حقيقةً هرمٌ من ورق سرعان ما اندثر بسبب  فقدان الرؤيا الاستراتيجية والعمل لها بالهروب إلى داخل الشرنقة والانغلاق على الذات تخوفا من الانكشاف أمام بعضهم البعض وأمام الشارع وتهربا من نتائج حتمية التعاطي بما تفرضه فداحة الحدث ألا وهو الأسلوب الديمقراطي ، تخوفا من تبعات  الديمقراطية وما ستحملها من خطر على الكراسي الخلبية ، ارتفع مؤشر بورصة الحراك  السياسي على الساحة الكوردية في سوريا مجددا وتحت ضغط الشارع الكوردي وتضحياته وآلامه وهروبا من استحقاقات سداد فواتيره المطلوبة  ، كثرت  الانشقاقات وتبدلت الاصطفافات  من جهة  وتوالت الولادات الحزبية المستندة على ردات الفعل أو الضربات  الاستباقية المبرمجة من جهة أخرى لإفراغ  أجنة الأمل المستقبلية من المحتوى إن وجدت .
إن الحالة المرضية  التي يعيشها الحراك السياسي الكوردي في سوريا هو نتيجة منطقية لتضافر عوامل سلبية ” ذاتية وموضوعية ” وإيجابية عدة من  المتغيرات الهائلة التي عصفت بالعالم والمنطقة وما تزال ، وانعكاس آثارها وصولا إلى مستوى الأفراد  ، و ساهمت في بلورتها وإخراجها إلى السطح فقدان المرونة اللازمة المرتكزة على التحليل الإستراتيجي العلمي والمؤسساتي ، الناتج عن عدم التجدد لمواكبة التطورات والتفاعل معها في المستوى السياسي والشخصي لفقدان الكادرية السياسية  المختصة وعدم التحضير لذلك ، والاكتفاء عند الأزمات بالانغلاق والانكفاء إلى داخل الشرنقة والعودة في البحث عن سياسة  الطوق الموالي والمطيع وإغداق الكراسي الخلبية عليهم ، حتى بات من نحسن الظن بهم تنطبق عليهم مقولة ” كالمستجير من الرمضاء بالنار ” .

وخير دليل هو تراجع شعبية أفضل الأحزاب حالا بشكل دقت معه نواقيس الخطر ناهيك عن ضعفائهم .
مقترح مشروع الحل وآلياته :
في العرف الطبي إن تشخيص المرض والاعتراف به هي نقطة الارتكاز في طريق الشفاء عند استكماله بالعلاج النوعي والمواظبة عليه  ، لذلك تكمن أولويات الحل لواقع الأحزاب الكوردية في سوريا  بـ :
1-     تمثل مفهوم الديمقراطية على مستوى الحراك الداخلي والفردي أضعاف ما تطالب به من السلطة .

2-     التخلص من المستورد الذي أثبت عدم الجدوى على مستوى برامجها ومناهجها وأنظمتها الداخلية .

 

3-     توجيه دفة النضال والارتقاء به إلى تمثل طموحات الشارع الكوردي بعد تهذيبها لتناسب الواقعية المقترحة .

 

4-     علمنة الأحزاب وإتباع منهج المؤسساتية الكادرية الإختصاصية وتحديد المهام حسب المؤهلات اللازمة لكل مرحلة من النضال .

 

5-     التحلي بالجرأة والتخلص من ضبابية و ازدواجية الخطاب السياسي بين الداخل والخارج .

وأخيرا إن شرف النضال يقاس بالمكاسب التي تتحقق للشعب عبر تاريخ الحراك السياسي ولا يقاس بالعمر الزمني  الروتيني الطويل ، فهل تنبثق بشارة الخير من بازار الأحزاب الكوردية الحالي ؟؟؟؟؟؟ يأمل الشارع الكوردي ذلك وأتمنى من القلب أنا .

عفرين 2006

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…