منظمات البارتي و قواعده بين دقة الاختبار و سلامة الاختيار

بقلم عبد الرحمن آلوجي

يتجلى للمراقب السياسي , و الدارس المحايد لوضع البارتي منذ أوائل عام 2003 , بعد انعقاد مؤتمره التاسع , و خروج رفاقنا في الطرف الآخر من المؤتمر الثامن , و ما تلت الحدثين من تطورات و تغيرات ..

يتجلى بوضوح للمراقب و الدارس مدى دقة الاختبار , و التوجه نحو سلامة الاختيار الصحيح لمنظمات حزبنا و قواعده و كوادره , و التي تحملت كل أشكال الضغط و العنت , و غياب عن التنظيم منذ بداية عام 2003 دام أحد عشر شهرا , و منذ توضحت خطوط الخلاف حول الشرعية ..

ومدى المصداقية لدى بعض رفاقنا .

دون أن ندخل في متاهات الأمس و صراعاته

ليجد الرفاق أنفسهم أمام واقع حرج لا بد من حسن تلمس الأقدام فيه , و اختبار النوايا و القوى و الإمكانات , و مدى تسخير كل ذلك لبناء وحدة البارتي , و تشييد ركنه , و رفع معالمه بدلا من السعي لتفتيته ,لنجد أنفسنا على الرغم من المرارة والحيف جزءاً من الحل , وليس جزءاً من المشكلة التي كنا ضحيتها , محكومين في ذلك بموقفنا الحريص على تحقيق قيم العدل والمساواة في التعامل الرفاقي , فكانت رسالتنا في الشهر العاشر لرفاقنا بقيادة السكرتير العام للحزب ( الأخ محمد نذير مصطفى ) من عام 2003 و القاضية بضرورة :
1- تثبيت الانتخابات الديمقراطية التي جمدت نتائجها بعد المؤتمر التاسع ..
2- إعادة النظر في وضع الرفاق الذين أجريت بحقهم عقوبات دون محاضر تحقيق رسمية , و رفع العقوبات غير المعللة بحقهم ..
3- إمكان درس إعادة الانتخابات بعد تصفية النفوس , و تهيئة الأجواء ..
كانت تلك رسالة صادقة , لم نتلق جوابها في حينه , بل كان الإعراض إمعانا في تجاهل أي مطلب حق ..

في الوقت الذي كانت مبادرة حلفائنا و أصدقائنا ساخنة في توحيد شامل لأطراف البارتي المختلفة , مما دفعنا إلى التفاهم بسلاسة و عفوية و دون تعقيد مع الطرف الآخر للبارتي برئاسة السكرتير الأخ نصر الدين و ذلك في 7/3/2004و الذي كان بمثابة اختبار حقيقي لمدى جدية قاعدتنا التنظيمية و الغالبية المجزية من منظمات البارتي و كوادره والتي كان يقودها عضو المكتب السياسي عبد الرحمن آلوجي , و الذي كان ذلك الاختبار يأخذ طريقة بمصداقية عالية إلى واقع عياني , تجلى في سلامة الاختيار , و دقته , كمخرج مقبول , يرقى إلى وحدة شاملة مع الطرف الآخر , تحقق سلامة التوجه إلى نبض الشارع الكردي , و رغبة ملحة من جماهيرنا وحلفائنا إلى شدّ اللحمة , والسعي إلى تحقيق الطموح الأهم لتوحيد طاقات البارتي أولاً , و إرجاعه إلى موقعه المتقدم في أوائل التسعينات و أواخره , دون الانخراط في لعبة الانقسام والتشرذم , وهو ما طبع نضالنا , فعرف به , وكان معلماً بارزاً عليه.

 فكانت كل محاولاتنا تنصب في هذا الاتجاه , بدقة الاختيار , وسلامته , وصدق التوجه إليه , حيث تتالت رسائل من اللجنة المركزية الموحدة , ومن المكتب السياسي في أوقات محددة , وكانت وفود في 28/3/2004, وفي 28/12/2005 إلى حلفائنا , إلى جانب الجهود المنظمة المبذولة حيث تمكنت الإرادة الوطنية المخلصة للنخبة الواعية من جماهيرنا , من فرز مجموعة وفود , وفي ظروف متباينة , محاولة تليين الموقف المتشدد من جانب رفاقنا من الطرف الآخر , لإتمام عملية التوحد..

 دون أن تحقق الخطوة المتقدمة اللازمة لإنجاح المسعى الوحدوي المطلوب , و في الجانب الآخر الذي توحدنا معه كان الاختبار الأدق لرفاقنا في منظمات البارتي , في مدى التلاؤم بين الرغبة الحقيقية لبناء وحدة متكاملة و متوازنة , ومحققة لأبعاد متناسقة , متناغمة , توفر مناخاً ملائماً لمؤتمر توحيدي , يحقق الحد الأدنى للتوازن و التوافق بعد جملة أخطاء و خروق , لترجمة الخط الوحدوي العادل إلى واقع عملي , بإشاعة عوامل الثقة , و توفير أسبابها للانطلاق إلى توحيد أكمل , قوامها خلق مرجعية شاملة للحركة الكردية , حيث بذلنا جهدا مضنيا لتوفير مقدماته , بما يرقى و يتناسب مع المرحلة التاريخية الدقيقة التي تمر بها سورية و المنطقة , لإنجاح أي مشروع وحدوي مؤسس على المصداقية والاحترام .
ولكن المعاناة بدأت تبرز , وبدا الاختبار لإرادتنا أكثر وضوحا وتحديا في مواجهة امتحان الوحدة , ومدى قدرتنا على الحفاظ على مقوماتها , و تهيئة الأجواء لمؤتمرنا التوحيدي الذي
تأخر عن انعقاده المفترض بعد ستة أشهر من توقيع وثيقة الوحدة , تأخر سنتين ونصف السنة بأعذار و حجج واهية , حيث بدت النوايا تبرز في الجانب الآخر , لهضم و احتواء منظماتنا و كوادرنا والهيمنة عليهم , وسلب إرادتهم , كما فعل بهم قبلا , بتعطيل الانتخابات , و فرض عقوبات على خيرتهم منذ منتصف عام 2003 , مما كرر عملية الاحتواء و محاولة الاستئثار بالقرار , مما أوقعنا أمام خيار دقيق كان لا بد من حسمه باتجاه الرضى بأقل ما هو ممكن من استحقاقات الوحدة , و هو ثلث أعضاء اللجنة المركزية , إلا أن ما برز في قاعة المؤتمر , كان امتحانا من نوع آخر , أكثر جدية و حسما , لمساسه بالتاريخ النضالي لهذه الكوادر التي تعلمت دروسها في الصلابة , و المبدئية , وعدم التنازل عن ثوابت البارتي و قيمه الأساسية , و المتمثل في نهج وطني و قومي تجلى في نهج البارزاني الخالد , و الذي رفضنا التنازل عنه , إلا أن يدرج في منهاج الحزب , كخلاصة لتجربة كردستانية و تحررية و إنسانية , ارتضتها جماهيرنا , و احترمتها قوى التحرر و السلام في مختلف بقاع العالم , ليكون مركز السلام للبارزاني الخالد في واشنطن معلما على مصداقية هذا النهج و عالميته , ليكون القاسم الأعم و الأقوى لتماسك رفاقنا و حرصهم على أن يكونوا قوة تنظيمية ميدانية , تحافظ على وجودها , و تأبى الذوبان في أية بوتقة لا ترقى إلى خدمة ثوابت و منطلقات آمن بها رفاقنا عبر منعطفات تاريخية عصيبة , في فكر عقائدي جامع يخدم الأهداف الكبرى في الوسطية و الاعتدال و الإخلاص و النقاء , و البعد الديمقراطي الحقيقي , مما شدد على لحمة هذه الكوادر و ضرورة تنظيم قيادتها , فكان الكونفراس العام المنعقد في أواخر أيلول الماضي نقطة انطلاق لهذا الاختبار , و بداية لاختيار سليم منظم يهدف إلى بلورة النضال , و تحديد مهام المرحلة , و بيان دور منظمات الحزب و كوادره , وتحديد الرغبة الحقيقية لإحداث نقلة باتجاه وحدة متماسكة نزيهة و عادلة للبارتي لتكون هذه الطاقة التنظيمية قوة بناء , و دافعا إيجابيا يخاطب ضمير الوطنيين الشرفاء , و يضعهم أمام مسؤوليتهم التاريخية , لإنقاذ الوضع باتجاه أن يكون لنا دور في عملية توحيد تلحظ بالدرجة الأولى , مستحقات هذه الطاقة الممتدة على نطاق الشعب الكردي في سوريا , كإحدى أكبر القوى التنظيمية الكردية و أكثرها عمقا قوميا و وطنيا , ليكون لأصدقائنا و حلفائنا دور المراقبة و تحديد الأفق العملي لوحدة متوازنة , تعصم من الخلل الحاصل في جانب الإخفاق الوحدوي الذي تعرضت له هذه النخبة مع وضوح دور الأثرة و الاستئثار و محاولة الاحتواء و الإلحاق , و هو ما يتنافى مع أبسط قيم التوازن و الاستحقاق الوحدوي الأصيل ليتحدد هدفنا في اختبار فاعل يجانب كل أسباب الارتماء و الضعف و التهافت , بما يؤسس باحترام متبادل و يوفر الأرضية الملائمة لاختيار وحدوي , يبتعد عن كل ما طرح من الالتحاق فرادى , أو جماعات متفرقة دون رابط , بما يحقق للتنظيم الكامل بكل هيئاته و منظماته بعدها في توحد متكافئ ينسجم مع الواقع التنظيمي الميداني للرفاق , و قد تهيأت العوامل الصحيحة , و الإرادة الخيرة و النبيلة للملمة طاقات الحزب و تنظيمها , من القاعدة إلى القمة .
وهو ما سعت إليه كوادرنا المتقدمة و منظماتنا بثقة عالية , لتجد في ذلك مصداقية توجهها المخلص و البناء , تحت سمع و بصر المراقبين , في الوقت الذي نجد الإعراض و التلكؤ و التعجيز في بعض الأحيان سمة بارزة في الجانب المقابل , و الذي يؤثر الاحتواء , و سلب الإرادة على التوجه المخلص , في مراهنة يتحمل مسؤوليتها من لا يقدر دقة المرحلة , و نبض التوجه الوحدوي المتوازن , و رغبة حلفائنا في أن يكون للبارتي دور ريادي موحد , لا مفرقا و مبعثرا , مما يضع هذه الكوادر و تلك الطاقة المخلصة أمام خيار آخر يحميها من الانحلال و التواري و الانكفاء , و ترك تاريخها النضالي , لتجد نفسها وجها لوجه أمام الاختيار الأسلم و الأقوى لصيانة وجودها , و تعبئة طاقاتها , و تنظيم قواعدها و الانطلاق إلى بناء كياني يعصم من الضياع , و يحرص على تعزيز القيم النضالية , و تثبيت دعائم البارتي و أسسه التاريخية , خدمة لعقيدة تجذرت في أعماقه و حفلت بالتضحيات و المصابرة و الإخلاص لتكون قوة دافعة باتجاه خدمة هذه العقيدة و المتعمقة في نهج البارزاني الخالد وطنيا و قوميا و إنسانيا , وفق منطق واضح , يوفر مصداقيته نبض الشارع الكردي , الذي يدرك بشفافية كاملة حجم و دور هذه المنظمات , ليكون اختيارها منسجما مع اختيار الوطنيين الشرفاء و أصدقائنا و حلفائنا , و الذين سوف يحترمون بلا شك القناعة الراسخة بضرورة الاستمرار في النضال وفق الصيغ الممكنة , و القادرة على بلورة الساحة النضالية .

 

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…