إبراهيم محمود
” إلى علي فرزات ذي اليدين المتبصرتين المشعشعتين”
من منظور القيّمين على المصائر في سوريا، تبدو رؤوس الملايين من السورين قد أينعت وحان قطافها، عندما يفقد هؤلاء القيمون زمام السيطرة على أنفسهم، ويجري النظر إليهم بشراً كغيرهم، وأنهم ليسوا بعيدين عن المكاشفة والمساءلة عن الدم الذي يسفحونه، والحياة التي ينتهكون قانونها، دون النظر في النتيجة المرتقبة.
” إلى علي فرزات ذي اليدين المتبصرتين المشعشعتين”
من منظور القيّمين على المصائر في سوريا، تبدو رؤوس الملايين من السورين قد أينعت وحان قطافها، عندما يفقد هؤلاء القيمون زمام السيطرة على أنفسهم، ويجري النظر إليهم بشراً كغيرهم، وأنهم ليسوا بعيدين عن المكاشفة والمساءلة عن الدم الذي يسفحونه، والحياة التي ينتهكون قانونها، دون النظر في النتيجة المرتقبة.
أقولها لمن يسمع، وبعد حادثة الاعتداء على فنان الكاريكاتير الكبير علي فرزات في 24-8/2011، أن الذي جري يظهر مدى استهتار النظام باسمه قبل كل شيء، وأن ليس من استثناء في الإساءة أو الملاحقة أو المطاردة والتصفية، كأني بالنظام هذا في سباق مع الزمن الذي يحصي قتلاه وضحاياه، أي يحصي فظائعه المتتالية .
تلك هي المسافة المثيرة للسخط، وأنا أتذكر في أول كلمة قرأتها لفرزات عند صدور جريدته” الدومري” قبل سنوات، وما كان عليه من حماس، وهي تخص موافقة الرئيس الشاب على نشر ما يشاء على صفحاتها، وها هو الفنان الكبير في قبضة أولي الشأن الخطير، من جلاوزة النظام، وتحت سمع وبصر الرئيس الذي لم يعد شاباً، ليقول فيما جرى له: اسمعوا وعوا يا سوريين: الكل برسم الموت، كرمى شخص مؤلَّه زيفاً هو وطغمته.
وفي الساحات التي يضحك من أسمائها التاريخ وما تدل عليه هذه الأسماء من مفارقات، وهي تشهد هذا الرعب الممنهج من يد النظام وشبيحته، من الأمويين إلى العباسيين إلى الميدان فكفر سوسة…الخ، حيث بات في حكم المؤكَّد أننا نشهد مباراة واحدة دون استراحة بهدفها المنتَظر، مباراة مستمرة بين حياة لم تعد تطاق تسمّي النظام القائم، جرَّاء هذا الاستهتار بحياة السوريين بملايينهم، وحياة مأمولة لا مفر من التحول إليها، حياة من النفوس المكبوتة، أي من معاناة الإنسان العادي وتهدر بها ريشة الفنان المأهول بدفقها كعلي فرزات، وكل قلم عَلََم، وفي عِلم كل قلم ما يشدنا إلى الحياة، إذ تكون الحياة في سوريا خارج التغطية، في نظام يمكن أن تقول فيه ما تشاء إلا أن يكون نظاماً، وثمة فوضى مسلسلة، وثمة ذوو ذقون لا علاقة لها بالتقوى وقبضايات يجبرون ضحاياهم على نسيان أن ثمة إلهاً في سابع سماواته، ذاك هو الإله المقرر سورياً ليكونوا برسم الزبانية، ينتشرون ويتنادون حيث تكون آلة قتله كما يكون فريق رعبه من المنظّرين ومحللي دماء الناس لا بل ومثمني كل دافع بسوريا إلى الهاوية.
يطول الليل السوري بقدر نهاره، لم يعد هو الفصل ممكناً بين كوابيس الليل ومتاريس عسسه وقتلته المرئيين.
أنَّى اتجهت فثمة التهديد بالموت، تأكيداً على أن بلد الصمود والتصدي مخلص لشعاره: سعاره، كما تقول صنوف دباباته ومصفحاته وسياراته المموهة في الطرق العامة كما هي الساحات العامة، وأمام مداخل الحدائق ورياض الأطفال والمدارس تأكيداًً على جبروت النظام، وقد اختفى العالم عن النظر، وحده العالم الذي اُختزل في المحيط السوري، وحده العدو الذي اُعدَّ له منذ عقود زمنية، في كل ساحة وركن ساحة وزابوق ومعبر ونفق ومنحدر وزنقة وكوخ وحقل ودرب، إنه الإخلاص القويم لموت درّب عليه منذ عقود، كما تقوم مشهديات الموت ليل نهار.
إنها لعبة الأيدي وتزاحمها في الصراع الأبدي منذ فجر التاريخ بين أيد وأخرى: بين أيد تهبُ الحياة حياتَها ببهاء أصابعها وحكمتها، وأيد تمارس تشتيتاً وتفتيتاً لها، أيد تعبق بالمصافحة ووهج الكلام، وأيد تزهو بحِلمها، وأيد تحلّق بحِلمها وعلمها، وأيد ماضية في غيها، وأيد ملقَّحة بالظلام واللسع، وأيد محكومة بالتردد وضياع الاتجاه، وأيد تطمئن وأيد تراوغ… من اليد التي تنعش كما تفرش سماء من نور، كيد علي فرزات، واليد التي ترسم إيقاع الصوت الأمثل، كيد إبراهيم قاشوش، واليد التي توغل في بلاغة الحكمة قبل موعدها كيد حمزة الخطيب، واليد التي تعِدُ بالمستحيل رغم ضراوة القائم، يد الشعب ذات النجوم والتخوم المشعة، واليد التي تبطش، كما لو أنها ليست سوى اليد دون الوجه والجسم، هي اليد التي تبث الرعب في جنبات الوطن، كما لو أنها منذورة لرعب لا رجعة عنه، تمثّل لائحة القتلة والسفلة وأكلة مقدرات بلد كامل هنا وهناك، واليد التي لم يعد قفازها الحرير يخفي بشاعة تكوينها ومخالبها القانصة عن الأعين… تلك هي سوريا ملخصات الأيدي وتوابعها باسم حياة مؤمَّلة.
بوسع الفنانين والروائيين والشعراء والنقاد والباحثين أن يدعوا صفحة مراجعهم وخيالاتهم جانباً، ليروا كيف أن الحياة أكثر ثراء- بما لا يقاس- وأكثر احتواء بالمباغتات من كل خيال أو تصور، كما هو الجاري سورياً.
لم تعد عبارة (ولا في المنامات) مفيدة وذات جدوى.
صار للحياة وجه واحد: ما يكون كابوساً هو حقيقة، وما يكون باعثاً على الصدمة يكون خارج غرف الإنعاش، وما يكون باعثاً على المجنون، يتعدى حدود” العصفورية” وقد استوت الحياة بوجهها الوحيد الأوحد: الوجه الذي يعانق الحياة، والوجه الذي يفارقها، وبين الوجهين تتراءى الحياة بين أن تكون خارج التغطية كما يتصرف أزلام النظام ومتعهدو القتل بأفانين شتى، من الأيدي الطولى في نشر الرعب والخراب والدمار، إلى الأيدي الطولى في بث السموم المتلفزة والمذاعة، وأن تكون الحياة في نطاق التغطية كما يعلمنا الساعون إليها بصدورهم ونحورهم، بذكورهم وإناثهم زواقات زرافات، وليغادر السيف الدمشقي المبهرج الألوان مكانه التليد” كما هو المرئي والصادم في ساحة الأمويين” إلى جهة مجهولة، شعوراً بعار التاريخ، وعار الجاري في كل الجهات السورية، ويسقط الكلام المخادع في فخ خدعه، لتكون العين أصدق إنباء من الكتب ومن خبريات النظام وديكة إعلامه منتوفي الريش بالصوت والصورة، وما يصدر عن أركان النظام..
ولم يعد مقبولاً أي نوع من الكلام من نمط: اهربوا بجلدكم يا سوريين، خارج الحدود أو داخلها! إنه الموت النظامي الدموي ملاقيكم حيثما كنتم، لا مفر من مواجهة الوجه السافر للنظام وخدعه تلك، ليس بآلة رعب مثل آلته، إنما بإرادة حياة تكون داخل التغطية، حيث قولة” لا” وحدها الأبلغ في تعيين نوعية الحياة المنشودة، وكل آلة دمار وقتل إلى بؤس المصير، كما يقول قانون الحياة، وكما هي إرادة السوريين بملايينهم المسالمة وهي تقول” حرية..
حرية”.
هو التحدي الوحيد الأوحد للإعلان الوشيك عن نهاية نظام يراهن على موته فقط فقط!
وفي الساحات التي يضحك من أسمائها التاريخ وما تدل عليه هذه الأسماء من مفارقات، وهي تشهد هذا الرعب الممنهج من يد النظام وشبيحته، من الأمويين إلى العباسيين إلى الميدان فكفر سوسة…الخ، حيث بات في حكم المؤكَّد أننا نشهد مباراة واحدة دون استراحة بهدفها المنتَظر، مباراة مستمرة بين حياة لم تعد تطاق تسمّي النظام القائم، جرَّاء هذا الاستهتار بحياة السوريين بملايينهم، وحياة مأمولة لا مفر من التحول إليها، حياة من النفوس المكبوتة، أي من معاناة الإنسان العادي وتهدر بها ريشة الفنان المأهول بدفقها كعلي فرزات، وكل قلم عَلََم، وفي عِلم كل قلم ما يشدنا إلى الحياة، إذ تكون الحياة في سوريا خارج التغطية، في نظام يمكن أن تقول فيه ما تشاء إلا أن يكون نظاماً، وثمة فوضى مسلسلة، وثمة ذوو ذقون لا علاقة لها بالتقوى وقبضايات يجبرون ضحاياهم على نسيان أن ثمة إلهاً في سابع سماواته، ذاك هو الإله المقرر سورياً ليكونوا برسم الزبانية، ينتشرون ويتنادون حيث تكون آلة قتله كما يكون فريق رعبه من المنظّرين ومحللي دماء الناس لا بل ومثمني كل دافع بسوريا إلى الهاوية.
يطول الليل السوري بقدر نهاره، لم يعد هو الفصل ممكناً بين كوابيس الليل ومتاريس عسسه وقتلته المرئيين.
أنَّى اتجهت فثمة التهديد بالموت، تأكيداً على أن بلد الصمود والتصدي مخلص لشعاره: سعاره، كما تقول صنوف دباباته ومصفحاته وسياراته المموهة في الطرق العامة كما هي الساحات العامة، وأمام مداخل الحدائق ورياض الأطفال والمدارس تأكيداًً على جبروت النظام، وقد اختفى العالم عن النظر، وحده العالم الذي اُختزل في المحيط السوري، وحده العدو الذي اُعدَّ له منذ عقود زمنية، في كل ساحة وركن ساحة وزابوق ومعبر ونفق ومنحدر وزنقة وكوخ وحقل ودرب، إنه الإخلاص القويم لموت درّب عليه منذ عقود، كما تقوم مشهديات الموت ليل نهار.
إنها لعبة الأيدي وتزاحمها في الصراع الأبدي منذ فجر التاريخ بين أيد وأخرى: بين أيد تهبُ الحياة حياتَها ببهاء أصابعها وحكمتها، وأيد تمارس تشتيتاً وتفتيتاً لها، أيد تعبق بالمصافحة ووهج الكلام، وأيد تزهو بحِلمها، وأيد تحلّق بحِلمها وعلمها، وأيد ماضية في غيها، وأيد ملقَّحة بالظلام واللسع، وأيد محكومة بالتردد وضياع الاتجاه، وأيد تطمئن وأيد تراوغ… من اليد التي تنعش كما تفرش سماء من نور، كيد علي فرزات، واليد التي ترسم إيقاع الصوت الأمثل، كيد إبراهيم قاشوش، واليد التي توغل في بلاغة الحكمة قبل موعدها كيد حمزة الخطيب، واليد التي تعِدُ بالمستحيل رغم ضراوة القائم، يد الشعب ذات النجوم والتخوم المشعة، واليد التي تبطش، كما لو أنها ليست سوى اليد دون الوجه والجسم، هي اليد التي تبث الرعب في جنبات الوطن، كما لو أنها منذورة لرعب لا رجعة عنه، تمثّل لائحة القتلة والسفلة وأكلة مقدرات بلد كامل هنا وهناك، واليد التي لم يعد قفازها الحرير يخفي بشاعة تكوينها ومخالبها القانصة عن الأعين… تلك هي سوريا ملخصات الأيدي وتوابعها باسم حياة مؤمَّلة.
بوسع الفنانين والروائيين والشعراء والنقاد والباحثين أن يدعوا صفحة مراجعهم وخيالاتهم جانباً، ليروا كيف أن الحياة أكثر ثراء- بما لا يقاس- وأكثر احتواء بالمباغتات من كل خيال أو تصور، كما هو الجاري سورياً.
لم تعد عبارة (ولا في المنامات) مفيدة وذات جدوى.
صار للحياة وجه واحد: ما يكون كابوساً هو حقيقة، وما يكون باعثاً على الصدمة يكون خارج غرف الإنعاش، وما يكون باعثاً على المجنون، يتعدى حدود” العصفورية” وقد استوت الحياة بوجهها الوحيد الأوحد: الوجه الذي يعانق الحياة، والوجه الذي يفارقها، وبين الوجهين تتراءى الحياة بين أن تكون خارج التغطية كما يتصرف أزلام النظام ومتعهدو القتل بأفانين شتى، من الأيدي الطولى في نشر الرعب والخراب والدمار، إلى الأيدي الطولى في بث السموم المتلفزة والمذاعة، وأن تكون الحياة في نطاق التغطية كما يعلمنا الساعون إليها بصدورهم ونحورهم، بذكورهم وإناثهم زواقات زرافات، وليغادر السيف الدمشقي المبهرج الألوان مكانه التليد” كما هو المرئي والصادم في ساحة الأمويين” إلى جهة مجهولة، شعوراً بعار التاريخ، وعار الجاري في كل الجهات السورية، ويسقط الكلام المخادع في فخ خدعه، لتكون العين أصدق إنباء من الكتب ومن خبريات النظام وديكة إعلامه منتوفي الريش بالصوت والصورة، وما يصدر عن أركان النظام..
ولم يعد مقبولاً أي نوع من الكلام من نمط: اهربوا بجلدكم يا سوريين، خارج الحدود أو داخلها! إنه الموت النظامي الدموي ملاقيكم حيثما كنتم، لا مفر من مواجهة الوجه السافر للنظام وخدعه تلك، ليس بآلة رعب مثل آلته، إنما بإرادة حياة تكون داخل التغطية، حيث قولة” لا” وحدها الأبلغ في تعيين نوعية الحياة المنشودة، وكل آلة دمار وقتل إلى بؤس المصير، كما يقول قانون الحياة، وكما هي إرادة السوريين بملايينهم المسالمة وهي تقول” حرية..
حرية”.
هو التحدي الوحيد الأوحد للإعلان الوشيك عن نهاية نظام يراهن على موته فقط فقط!