في سياق الجدالات العديدة في الفترة الراهنة بين المفكرين والباحثين والمثقفين العرب يطرح موضوع هام وحساس هو العروبة ونقدها اذ لم تعد العروبة – من وجهة نظرهم – كما كانت في الخمسينات والستينات اذ أنها في تلك المرحلة كانت تلعب دورا عاطفيا تجييشيا شعبويا بالاستناد الى اللحظة التاريخية التي كانت تعيشها الأقطار العربية من الخروج توا من هيمنة الاستعمار التقليدي والاصطدام بالدولة الاسرائلية والاشكالات والحروب التي جرت والتي أشعلت المنطقة شعارا ومقولات نارية وضجيجا اعلاميا – عبر الاذاعات والصحف- في هذه المقالة سنتناول موضوع ” نقد العروبة ” في خطاب النخبة الفكرية العربية المعاصرة
ويقول الاستاذ حازم صاغية في جوابه على سؤال ما معنى العروبة الحضارية- في سياق حوار أجراه معه محمد حجيري ؟ يقول ” قبل أن نتحدث بالعروبة، نحن في حاجة إلى التأكيد على ولائنا للدولة، لأن دولنا إذا انهارت ستنهار ليس لمصلحة دول أكبر، بل لمصلحة دول أصغر، مرفقة بالموت والألم للجميع.
والعروبة استخدمت في لبنان كمطية، كذريعة لدى عصبية ضد عصبية أخرى، والأمر نفسه في العراق والسودان.
أججنا العروبة، فخسرنا الممكن في سبيل الوهم.
لا نستطيع أن نوحّد سنة لبنان وشيعته أو مسلميه ومسيحييه.
إذا كان القصد من العروبة الحضارية أنها على نسق أوروبا الحضارية، أي دول تتعايش مع بعضها فهذا أمر ممكن، لكن العروبة كهوية سياسية خطر على المنطقة العربية كافة.
“
أما الدكتور جورج قرم فيقول” لقد آن الأوان للابتعاد عن المقولات السياسية النظرية والسطحية في الوحدة العربية للاعتناء بالشعوب العربية نفسها بطريقة حياتها اليومية بمتاعبها ومشاكلها في تعدديتها وخصوصياتها الإقليمية والقطرية ، فالشعوب العربية هي الثروة الحقيقية للأمة العربية ، ولا يمكن للوحدة العربية أن تتحقق طالما أننا نتجاهل الشعب الحي ، ونتمسك بشعب تجريدي باعتباره مادة خام للشعارات واليافطات السياسية ، إن جوهر العروبة هنا لا يكمن في جمع الشعب في وحدة سياسية قسرية شاملة ، ولكن جوهرها هو انجاز الثقافة الرحبة الواسعة التي تستوعب كل فئات وطوائف هذا الشعب الإقليمية والقطرية ، الدينية والطبقية ، وذلك بأن تشعر بالراحة المجتمعية والرقي الحضاري ، وبالمساهمة الفعالة والحرة في تقرير مصيرها ، وعلى ضوء تطور مثل هذه الثقافة سيتقرر مصير الوحدة وشكلها ” ( 1)
ويتناول العروبة بشكل مسهب المفكر الدكتور برهان غليون في مقالة له بعنوان العروبة والهوية العربية في القرن الواحد والعشرين :
” ما حصل هو أن إفلاس الحركة القومية العربية، أي الايديولوجية العروبية، قد نزع الصدقية عن العروبة أيضا كاختيارات ايديولوجية، ثقافية وسياسية، وكتوجهات حضارية.
وهذا ما أدى إلى انفصال الواقع العيني عن الرمز، وضياع الدلالة التي كانت له.
فإذا لم تعد خياراتنا العروبية ناجعة فعلى أي أساس أو مبدأ نتوجه؟ من نحن، وماذا نساوي وبماذا نستطيع أن نحلم؟ إذا انحسرت العروبة كدلالات معنوية معروفة ومقبولة ومنشودة، ما قيمة صفة العربية، وكيف نوظفها، وما معنى أن نكون عربا، وما قيمة ذلك وما فائدة الانتماء للعروبة إذا كانت عاجزة عن أن تفتح لنا أي أفق؟ لا شيء.
هكذا يبقي انحسار المرجعية العروبية، ممثلة بآخر تجسداتها في الحركة القومية، العرب من دون مشروع ومن دون توجه وبالتالي من دون مستقبل، لأنه يحرمها من مرجعية فكرية وسياسية واضحة ومعروفة.
وهذا ما تسفر عنه أزمة الهوية التي تتجسد في الانفصال بين الواقع المادي الخام ورمزه، أي في فقدان الانتماء الطبيعي والموضوعي للعروبة دلالاته الأخلاقية والايديويولجية والسياسية، أي الإنسانية.
وهو من نوع فقدان المبنى (العروبة) للمعنى ( مشروع المستقبل: التحديث أو الاستقلال او الاتحاد أو الثورة الاجتماعية والعدالة)وبالتالي ، البحث عن المعنى في مبنى آخر، أو إعادة إضفاء دلالات جديدة وملهمة على المبنى نفسه.” (2)
أما د.محمد جابر الأنصاري فيشير الى استخدام العروبة كيافطة والحكم باسمها مبينا التناقض بين الشعار والممارسة
“لقد تعودنا في خطابنا القومي التكرار بأن العروبة قومية إنسانية وديموقراطية من دون أن نهتم بالتطبيق والممارسة ، وجاءنا ناطقون يحكمون باسم العروبة وأساليبهم في الحكم ضد هذه المفاهيم وإن يكن باسمها ، ولا بد من مصارحة النفس بأن الذهنية السائدة بين العرب المعاصرين ليست تلك الذهنية المتلائمة مع ثورات العصر العلمية والعقلية والتقنية والحقوقية…الخ ، ولا بد من تغيير هذه الذهنية جذريا لدى العرب المعاصرين ، لأن الذهنية المسيطرة عليهم والمتمثلة في الاستخفاف بحقائق التفاعل مع حقائق العالم والعصر هي الذهنية ” الانتحارية ” بامتياز! على العروبة الجديدة قبول ” التعددية ” بداخلها وبين ” وطنياتها في البلاد العربية المتعددة أولا ، حتى تستطيع بعدئذ رعاية التعددية في جوارها وبين القوميات الأخرى التي تتعايش معها في الأرض والمصير ، إن مجاهدة الفكر العربي والعمل السياسي العربي لتأصيل ” عروبة ديموقراطية ” يجب أن تكون عنوان المرحلة وهدفها وأولويتها ” (3)
أما الدكتور الفضل شلق فيقول :”
إنَ ” اشكاليتنا هي تحقيق العروبة كمشروع سياسي يفلت من عقال الهوية المعطاة من الماضي ليشكل واسطة تخرجنا من المحلي إلى الكوني ، وهذه ليست اشكالية المواجهة مع العالم التي تفشل كل يوم ـ لأنها تعجز عن تحويل الأوهام الأيديولوجية ، أوهام العزلة والإنكفاء إلى وقائع مفيدة ” (4)
الهوامش:
1- د.
جورج قرم كتاب التنمية المفقودة دار الطليعة بيروت ط2 1985 ص 93
2- د.
برهان غليون العروبة والهوية العربية في القرن الواحد والعشرين- الحوار متمدن – عدد 2775 تاريخ 20-9-2009
3- د.
محمد جابر الأنصاري البداية الجديدة عروبة ديموقراطية ذات مشروع حضاري” صحيفة الحياة 14/4/2006
4- الفضل شلق ” الدولة السياسية والدولة الاقتصادية ” مجلة الاجتهاد عدد
55-56 صيف وخريف 2002 ص30
أعد المقال : حواس محمود كاتب وباحث من سوريا