ميشيل كيلو
كرر وزير خارجية روسيا مرات كثيرة خلال الأشهر الخمسة الماضية نصيحتين وجههما إلى المعارضة السورية هما: قبول الحوار مع النظام، والابتعاد عن السلاح.
كرر وزير خارجية روسيا مرات كثيرة خلال الأشهر الخمسة الماضية نصيحتين وجههما إلى المعارضة السورية هما: قبول الحوار مع النظام، والابتعاد عن السلاح.
ومع أن الوزير لم يحدد هوية المعارضة التي يعنيها، وهل هي دينية أم مدنية، فإن كلامه عن ضرورة إشراك المعارضة في الحوار يشير إلى ما يقصده، أي إلى المعارضة العلمانية المدنية، المنضوية في أحزاب وتجمعات سياسية وثقافية يعمل بعضها على الساحة السياسية منذ قرابة قرن.
هذه المعارضة لم يتهمها النظام القائم نفسه في أي يوم باللجوء إلى السلاح، رغم أنه دأب على ملاحقتها وقمعها منذ قرابة نصف قرن.
وحتى خلال الأحداث التي تعصف بسوريا منذ نيف وخمسة أشهر، والتي غطت سائر أنحائها: ريفا ومدينة، بدوا وحضرا، فإن أحدا من أهل السلطة لم يتهم هذه المعارضة بحمل السلاح أو بالاقتراب منه، أو حتى بالانخراط في التمرد القائم، وإن كان وزير الخارجية الأستاذ وليد المعلم قد قال كلاما غامضا في مؤتمرين صحافيين، يوحي بأن المعارضة ضالعة في الأحداث وتشجع السلاح، وأنها لا تقبل الحوار بسبب ذلك.
وقد لفت الأنظار أن صحافة النظام وإعلامه الرسميين لم يأخذا كلام السيد الوزير على محمل الجد، فبدا وكأنه انضم إلى حملة زميله الروسي السيد لافروف عن المعارضة والسلاح، عسى أن ينجح في أن يخفف ولو قليلا الضغوط الدولية العاصفة على النظام، ويخوف بعض الدول الغربية، التي لطالما أرعبها هو وغيره على امتداد عقود أربعة بفزاعة الأصولية الإسلامية، وها هو يحاول تخويفها بها من جديد، شأنه في ذلك شأن بعض من واجهوا تمرد شعوبهم في ليبيا وتونس ومصر واليمن.
وكان الوزير لافروف قد ربط مرات عديدة المعارضة بالسلاح، حتى صار ادعاؤه خطا ثابتا في سياسة روسيا حيال الأزمة السورية المتمادية، التي لكثرة ما استخدم العنف فيها غدت واحدة من أكثر أزمات العقد الأول من قرننا الحالي إثارة للإدانة والاستنكار، على جميع الأصعدة العربية والإقليمية والدولية، الإسلامية والمسيحية، الشعبية والرسمية، كما استفز الإفراط في استعمال السلاح الدول والشعوب والأمم والمنظمات الدولية المختلفة، دون أن يرى السيد لافروف ذلك أو يتراجع عن اتهام المعارضة باللجوء إلى السلاح، مع أن رئيس دولته السيد ميدفيديف استنكر في تصريحات متعاقبة الشدة التي يتعرض فيها المواطنون للعنف، ووجه إنذارا صريحا إلى المسؤولين في دمشق طالبهم فيها بوقفه فورا، وسحب الجيش من المدن والقرى، التي أرسل إليها.
والغريب أن لافروف بقي مصرا على تمثيل خط آخر في سياسة روسيا يقال إنه خط السيد بوتين، رئيس وزرائها، الذي يبدو أنه لم يسمع بعد بما يقع في سوريا، أو لم ير حاجة إلى أخذ موقف منه، وإنما ترك لافروف يربط بالنيابة عنه المعارضة بالسلاح، إما لاعتقاده أن هذه هي الطريقة المناسبة للإبقاء على ما بقي لبلاده من مواقع مهددة في المنطقة، أو لظنه أن حكام سوريا الحاليين سيكافئونه على موقفه الداعم لهم، أو على العكس من ذلك، لأن هذا هو الأسلوب الصحيح في رأيه لقبض ثمن مرتفع من الأميركيين، حين تحين ساعة البازار، على غرار ما فعلته روسيا في ليبيا، أو ربما لاعتبار قد لا يخطر كثيرا على البال هو تشابه نظامه مع النظم التي يتمرد الشعب العربي عليها، وخوفه من تكرار ما يقع هنا عنده هناك..
إلخ.
وعلى الرغم من أن شهادات دولية ومحلية لا حصر لها تؤكد سلمية المعارضة السورية وعزوفها التاريخي عن السلاح والعنف، ووقوفها سرا وعلنا وراء الخط السلمي للتظاهر، وإعلانها آلاف المرات أنها ضد العنف الداخلي والانقسامات الأهلية والتدخلات الأجنبية مهما كان مسوغها، لأن ثمنها سيكون أشد فداحة بكثير من أي ثمن يترتب على الحسابات الرسمية الخاطئة، فإن من غير المعقول أن يصر ممثل الدبلوماسية الروسية على ربط المعارضة بالسلاح، والأنكى من ذلك ربطها برفض الحوار، مع أنها هي التي دأبت على الدعوة إليه منذ عام 2000، وهي التي حددت موضوعاته وأهدافه، واقترحت آلياته، وسمت أطرافه، وكررت دون كلل أو ملل استعدادها لإجرائه في أي مكان وزمان، بينما كان النظام يرد عليها بفظاظة: ولماذا نجري حوارا معكم إذا كان الشعب يقف صفا واحدا وراءنا وكنتم أنتم لا تمثلون أحدا! واليوم يزعم لافروف ومن خلفه وليد المعلم أن المعارضة ترفض الحوار، مع أنها لم تترك مسؤولا في الدولة إلا وقابلته: من رئيس لجنة الحوار الوطني نائب رئيس الجمهورية الأستاذ فاروق الشرع إلى اللجنة وأعضاء في القيادة القطرية ومستشارة الرئاسة الدكتورة بثينة شعبان.
ولعلم السيد لافروف، فقد اقترحت المعارضة بيئة حوار من شأنها أن تضمن نجاحه، منها: وقف الحل الأمني، والسماح بالتظاهر السلمي المرخص تحت حماية الشرطة، وإطلاق سراح الموقوفين على خلفية الأحداث، ووضع جدول زمني للحوار والتوافق على موضوعاته… إلخ، لكن السلطة رفضت ذلك، ثم أقرت بعض مطالبها كتوصيات خلال اللقاء التشاوري، الذي عقد دون المعارضة، كي لا يقال إنها هي التي تبنت مصالح الشعب وشاركت في إيجاد مخرج من النفق الذي حشرت السلطة البلاد والعباد فيه، بالعنف العاري.
ليست المعارضة مسلحة ولن تكون.
وليست ضد الحوار ولن تكون.
بقي أن نرجو السيد لافروف التعرف عن كثب، وبواقعية وموضوعية، على واقع سوريا، مع علمنا بأن هذا ليس بالأمر السهل على سياسي ألف أن يرى الواقع كما يشتهي هو وليس كما هو على حقيقته المستقلة عنه.
أمن الغريب بعد هذا أن لا يكون قد بقي لروسيا أي نفوذ أو وجود جدي في منطقتنا، بعد أن كادت تصير سيدتها الوحيدة في تاريخ غير بعيد.
* كاتب سوري معارض
وحتى خلال الأحداث التي تعصف بسوريا منذ نيف وخمسة أشهر، والتي غطت سائر أنحائها: ريفا ومدينة، بدوا وحضرا، فإن أحدا من أهل السلطة لم يتهم هذه المعارضة بحمل السلاح أو بالاقتراب منه، أو حتى بالانخراط في التمرد القائم، وإن كان وزير الخارجية الأستاذ وليد المعلم قد قال كلاما غامضا في مؤتمرين صحافيين، يوحي بأن المعارضة ضالعة في الأحداث وتشجع السلاح، وأنها لا تقبل الحوار بسبب ذلك.
وقد لفت الأنظار أن صحافة النظام وإعلامه الرسميين لم يأخذا كلام السيد الوزير على محمل الجد، فبدا وكأنه انضم إلى حملة زميله الروسي السيد لافروف عن المعارضة والسلاح، عسى أن ينجح في أن يخفف ولو قليلا الضغوط الدولية العاصفة على النظام، ويخوف بعض الدول الغربية، التي لطالما أرعبها هو وغيره على امتداد عقود أربعة بفزاعة الأصولية الإسلامية، وها هو يحاول تخويفها بها من جديد، شأنه في ذلك شأن بعض من واجهوا تمرد شعوبهم في ليبيا وتونس ومصر واليمن.
وكان الوزير لافروف قد ربط مرات عديدة المعارضة بالسلاح، حتى صار ادعاؤه خطا ثابتا في سياسة روسيا حيال الأزمة السورية المتمادية، التي لكثرة ما استخدم العنف فيها غدت واحدة من أكثر أزمات العقد الأول من قرننا الحالي إثارة للإدانة والاستنكار، على جميع الأصعدة العربية والإقليمية والدولية، الإسلامية والمسيحية، الشعبية والرسمية، كما استفز الإفراط في استعمال السلاح الدول والشعوب والأمم والمنظمات الدولية المختلفة، دون أن يرى السيد لافروف ذلك أو يتراجع عن اتهام المعارضة باللجوء إلى السلاح، مع أن رئيس دولته السيد ميدفيديف استنكر في تصريحات متعاقبة الشدة التي يتعرض فيها المواطنون للعنف، ووجه إنذارا صريحا إلى المسؤولين في دمشق طالبهم فيها بوقفه فورا، وسحب الجيش من المدن والقرى، التي أرسل إليها.
والغريب أن لافروف بقي مصرا على تمثيل خط آخر في سياسة روسيا يقال إنه خط السيد بوتين، رئيس وزرائها، الذي يبدو أنه لم يسمع بعد بما يقع في سوريا، أو لم ير حاجة إلى أخذ موقف منه، وإنما ترك لافروف يربط بالنيابة عنه المعارضة بالسلاح، إما لاعتقاده أن هذه هي الطريقة المناسبة للإبقاء على ما بقي لبلاده من مواقع مهددة في المنطقة، أو لظنه أن حكام سوريا الحاليين سيكافئونه على موقفه الداعم لهم، أو على العكس من ذلك، لأن هذا هو الأسلوب الصحيح في رأيه لقبض ثمن مرتفع من الأميركيين، حين تحين ساعة البازار، على غرار ما فعلته روسيا في ليبيا، أو ربما لاعتبار قد لا يخطر كثيرا على البال هو تشابه نظامه مع النظم التي يتمرد الشعب العربي عليها، وخوفه من تكرار ما يقع هنا عنده هناك..
إلخ.
وعلى الرغم من أن شهادات دولية ومحلية لا حصر لها تؤكد سلمية المعارضة السورية وعزوفها التاريخي عن السلاح والعنف، ووقوفها سرا وعلنا وراء الخط السلمي للتظاهر، وإعلانها آلاف المرات أنها ضد العنف الداخلي والانقسامات الأهلية والتدخلات الأجنبية مهما كان مسوغها، لأن ثمنها سيكون أشد فداحة بكثير من أي ثمن يترتب على الحسابات الرسمية الخاطئة، فإن من غير المعقول أن يصر ممثل الدبلوماسية الروسية على ربط المعارضة بالسلاح، والأنكى من ذلك ربطها برفض الحوار، مع أنها هي التي دأبت على الدعوة إليه منذ عام 2000، وهي التي حددت موضوعاته وأهدافه، واقترحت آلياته، وسمت أطرافه، وكررت دون كلل أو ملل استعدادها لإجرائه في أي مكان وزمان، بينما كان النظام يرد عليها بفظاظة: ولماذا نجري حوارا معكم إذا كان الشعب يقف صفا واحدا وراءنا وكنتم أنتم لا تمثلون أحدا! واليوم يزعم لافروف ومن خلفه وليد المعلم أن المعارضة ترفض الحوار، مع أنها لم تترك مسؤولا في الدولة إلا وقابلته: من رئيس لجنة الحوار الوطني نائب رئيس الجمهورية الأستاذ فاروق الشرع إلى اللجنة وأعضاء في القيادة القطرية ومستشارة الرئاسة الدكتورة بثينة شعبان.
ولعلم السيد لافروف، فقد اقترحت المعارضة بيئة حوار من شأنها أن تضمن نجاحه، منها: وقف الحل الأمني، والسماح بالتظاهر السلمي المرخص تحت حماية الشرطة، وإطلاق سراح الموقوفين على خلفية الأحداث، ووضع جدول زمني للحوار والتوافق على موضوعاته… إلخ، لكن السلطة رفضت ذلك، ثم أقرت بعض مطالبها كتوصيات خلال اللقاء التشاوري، الذي عقد دون المعارضة، كي لا يقال إنها هي التي تبنت مصالح الشعب وشاركت في إيجاد مخرج من النفق الذي حشرت السلطة البلاد والعباد فيه، بالعنف العاري.
ليست المعارضة مسلحة ولن تكون.
وليست ضد الحوار ولن تكون.
بقي أن نرجو السيد لافروف التعرف عن كثب، وبواقعية وموضوعية، على واقع سوريا، مع علمنا بأن هذا ليس بالأمر السهل على سياسي ألف أن يرى الواقع كما يشتهي هو وليس كما هو على حقيقته المستقلة عنه.
أمن الغريب بعد هذا أن لا يكون قد بقي لروسيا أي نفوذ أو وجود جدي في منطقتنا، بعد أن كادت تصير سيدتها الوحيدة في تاريخ غير بعيد.
* كاتب سوري معارض
الشرق الأوسط