يتحاشى السوريون على مختلف انتماءاتهم مناقشة البعثيين( أعضاء حزب البعث الحاكم)حول القضايا الوطنية والسياسية في سورية خاصة ما يتعلق منها بسياسة السلطة وذلك خوفا على مصيرهم لقناعتهم أن هناك حالة توحد بين الأجهزة الأمنية بمختلف صنوفها وأنواعها وفروع وشعب وأعضاء حزب البعث,والحقيقة أن هذا الرأي الوطني السوري الجمعي له ما يبرره,ولكن برأيي أن العلاقة العتيدة تلك لاترقى الى درجة التطابق لدى كل البعثيين, فالبعض من أعضاء حزب البعث وخاصة أولئك الذين يعتبرون أنفسهم بعثيين حقيين وأصحاب مبدأ وقيم ديمقراطية وتاريخ نضالي وورثة حزب وطني دافع عن حقوق العمال والفلاحين والطبقات المسحوقة في المجتمع السوري حتى نهاية الخمسينات دون تمييز,يستنكرون يشدة تلك العلاقة , والسؤال الذي يطرح نفسه بالحاح هو:هل فعلا هؤلاء البعثييون جادون فيما يدعون ؟ أم أنهم غير مستفيدون؟أم أنهم لايستطعون الاستفادة كغيرهم؟
انني أتفق مع هؤلاء في جزئية وأختلف معهم في جزئية أخرى, أتفق معهم , لقد كان حزب البعث فعلا منذ نشأته وبداياته حزبا قوميا وطنيا , وكانت منطلقاته النظرية تدور حول الوحدة العربية والحرية والاشتراكية,وكان حزبا جماهيريا وممثلا حقيقيا للطبقات الفقيرة , أوصل عددا كبيرا من أعضائه الى البرلمان السوري بالطرق الديمقراطية عبر صناديق الاقتراع في الخمسينات, وأختلف مع هؤلاء, لقد أنكر حزب البعث منذ نشأته حقوق الأقليات والاثنيات ليس في سوريا وحسب بل في الوطن العربي كله وخاصة حقوق الشعب الكردي وهذا الموضوع بالذات وغيره كان مدار حوار بيني وبين الأخ المستوطن البعثي وسوف أسميه بالحرفين( ل.ج), التقيته بالصدفة في مدينة تل تمر , وركب معي السيارة حتى مدينة الحسكة , كان الطقس جميلا في الجزيرة كعادته في ذلك اليوم الربيعي الأخضر,وكنت أسير على مهل استمتع بالخضرة, وكنا على أبواب عيد نوروز, سألت رفيق الطريق: من أين هو؟ ولماذا يذهب الى الحسكة؟والحقيقة ليس من عادتي أن أسأل من يركب الى جانبي من المستطرقين ,لقد كان مستعجلا جدا, وشعرت من خلال اللهجة أنه من العرب المستوطنين وهذا بالذات دفعني لتلك الأسئلة, لقد كان الرجل لطيفا عرفني على نفسه, وأنه مدير مدرسة ابتدائية وأنه من عرب الغمر,وأنه بعثي , وهناك انتخابات حزبية وأنه تأخر عن الموعد,لا أكتم شعوري,لقد أحسست بالانقباض والتشاؤم قليلا لسببين: لأن ضيفي من المستوطنين أولا و لأنه مسؤول بعثي ثانيا,واذا اجتمعت الصفتان المذكورتان في شخص واحد في الجزيرة فان ذلك مبعث رعب وخوف واستفزاز حقيقي بالنسبة للانسان الكردي السوري, وشعرت بالاستفزاز وسلمت أمري الى الله وسألته بهدوء:
– أرجو أن لاتكون انتخاباتكم الحزبية أيضا غير ديمقراطية وغير نزيهة كانتخابات مجلس الشعب وانتخابات الادارة المحلية وانتخابات النقابات وغيرها!!!!!!!!!؟
فوجئ الرجل بالسوؤال وارتبك وانقطعت أنفاسه ونظر الي باستغراب ولسان حاله يقول:لم يجرؤ أحد من قبل على طرح مثل هذه الأسئلة علي وعلى غيري …… ؟؟؟؟؟ وأطرق لحظة وأجاب بلطف:
– العالم كله من حولنا يتغيير, ونحن أيضا قررنا أن نتغير, و أن تعليمات القيادة القطرية بخصوص هذه الانتخابات بالذات جلية وواضحة من جهة النزاهة والشفافية والانتخاب الديمقراطي, وأضاف:
– منذ ثلاثة أيام بدأت الانتخابات وأشهد على نزاهنها !!!وأكد على أن الاصلاحات السياسية والاقتصادية والادارية سوف تعم سوريا على قدم وساق وسوف تعم أخواننا الأكراد بشكل خاص, وقد أقر السيد الرئيس بوجود الغبن ونحن متفقون معه , وقررت القيادة أن ترفع عنهم الغبن الذي أصابهم جراء قوانين تجريد الجنسية وغيرها.
ابتسمت , لقد أدرك الرجل انني كردي, ربما من لهجتي أو من جرأة أسئلتي , وأثارته ابتسامتي وسألني:
– لماذا تبتسم؟ أعتقد أنك لم تصدق كلامي؟
أجبته:
– كلام جميل, أرجو أن تصيبني الاصلاحات القادمة أيضا , لقد تقدمت مرتين وعلى فترتين متباعدتين لشغل وظيفة مدير الآثار في محافظة الحسكة وكانت الوظيفة شاغرة في المرتين, ولم يتم قبولي أمنيا بسبب انتمائي القومي الكردي.!!!
تعاطف الرجل مع قضيتي ووعدني خيرا.
ومازال الشعب السوري يعيش على الوعود وينتظر الشفافية و الاصلاحات؟؟؟؟؟.