إلى إسماعيل شيخو وإبراهيم قاشوش
قبل كل شيء، أبين، أن الأسئلة التي أجاب عنها بشار الأسد، في “الحوار”الذي أجراه معه تلفزيون”ه” السوري، جاءت على شكل تقديمه للامتحانات في شهادة” الثانوية” كما قال ذلك أحد زملائه في الدراسة، من خلال موقع” جدار” الإلكتروني، وملخص ذلك أن بشاراً حصل على” درجاته”، عبر عمليات غشٍّ، قام بها بعض المتواطئين، من معلميه، وإدارييه..
هكذا أنظر إلى بشار الأسد، منذ أولى كلمة كتبت له، وهو يلقيها أمام ما يسمى بمجلس الشعب الذي تم فيه تزوير الدستور السوري، ليكون طبقاً لمواصفاته، وهو الذي طالما حاول الفاسدون واللصوص، جعله وكراً لهم.
واستطراداً، في عالم هذه الكلمة، الهشة، الجوفاء، فإنَّ هذا اللقاء التلفزيوني المتفق عليه، ليكون تلبية، لحاجة ضرورة الظهور أمام الرأي العام، لا من أجل إيصال رسالة للشعب السوري الذي قال كلمته: ارحل يا بشار..!-، وتطور الأمر،تبعاً لارتفاع الخطِّ البياني للعمليات الإجرامية التي قام بها نظامه العاتي-إلى درجة المطالبة-علناً- بضرورة محاكمته، وأقطاب الإجرام في النظام، وهذا ما لا رجعى عنه.
لقد جاء لقاؤه، بُعيد ساعات –فحسب- من الكلمة الصوتية المصورة للطاغية معمر قذافي، الذي يدفعه “وحام” السلطة المحموم للقتال حتى آخر” نَفس”، بالرغم من سقوط نظامه، ولم يلاقِ “اللقاء” اهتمام أحد، حيث انحدر مستوى المتابعين له، إلى ال15 بالمئة، سورياً، وعربياً وعالمياً، لدرجة أن هناك من قد يسأل الآن: كيف كان خطابه؟، ومن دون أن يعرف بأنه كان “لقاء” مخابراتياً، مفبركاً، فحسب.
موقف بشار الأسد، من الكرد السوريين، هو نسخةٌ طبق الأصل عن مواقف معلميه ومدربيه-الكهَّان والسدنة*- وهم الحاقدون على الكرد، وقد ذكر اسم الكرد لأول مرة، على لسانه، رسمياً، في كلمته 1 أيار2004، ليقوم بخدعة الكرد والشعب والرأي العام، وتمرير جريمة قتل الشباب الكردي، عندما قال: الكرد هم جزء من النسيج السوري، وهو لم يأت بجديد، بقولته، تلك، ولم يترجم ما قاله، بالرغم من أن قرار وضع الكرد منسلخي الجنسية، كان على طاولته، باعترافه الشخصي، حيث يسوغ تأخيرالموافقة عليه، بما يمكن وسمه ب” مناكفة” الكرد…!، وهو ما قلت عنه في إحدى مقالاتي في العام2003: إن الموافقة على القرار لا تستغرق إلا زمن توقيعه -أي مجرد ثوان- لو توافرت لديه النية الطيبة، وأنَّى له ذلك، وإن راح يتحدث بعد ذلك، عن التأخير لأسباب تكنيكية، إذا، هو يكذب الآن، أو كان يكذب آنذاك.
إذا كان والد بشار الأسد مسؤولاً عن عدم موافقته على قرار إعادة الجنسية إلى المواطنين الكرد الذين انسلخت عنهم، طوال فترة حكمه، فبشار الأسد مسؤول عن تأخر هذه الموافقة إحدى عشرة سنة، وهذه إحدى فقرات التُّهم التي ستوجه له، وليس له مِنَّة في استعادتها، طالما قالها كرد الثورة الذين رأوا أن فضل استعادة هذا الجزيء من حقهم، يعود، لدماء شهداء درعا الباسلة.
بشار الأسد الذي لا يزال، جاهلاً، يعيش على خرافة ديمومة السلطة، عبر استمرار دوامة العنف، ولا يعرف مدى إباء الإنسان السوري، بعامة، بمختلف الفسيفساء السوري، المتعدد، الذي يستردّ ألقه، الآن، ضمن الموشور الوطني الواحد.
لم تعد وصفات خبراء المكيجة، والإضاءة، والديكور، ومخرجي المسرح السياسي، من الطبالين، والزمَّارين، ودسَّاسي السمّ عن طريق العسل، ولاجوقة البوَّاقين الستة، أو السبعة، ولا مدربيهم، أن يقدموا أوأن يؤخروا، لأن إرداة الشعب قررت ذلك، وإن سكوت المتنطعين للدفاع عن الإسلام أمام إسقاط المآذن بقذائف الدبابات، وسط جوقة خارجية متواطئة، مع السفاح، تضبط إيقاع مواقفها على خطا الثوار، موازنين معادلاتهم بموجب تصريحات مسيلمة” الإصلاح”.
إن كل ذلك، لم يعد مجدياً، لأن المواطن المصري الذي كان يرعبه اسم ” مبارك وولديه جمال وعلاء” بات يراهما في” القفص” ، وهو إعلان عن سقوط الخوف الافتراضي الذي أحاط مغتصبو السلطة، في الأنظمة الدكتاتورية، أنفسهم بها.
مشكلة بشار الأسد، أنه لم يرد أن يكون ترجمة عن النسخة الوردية التي صورها له بعض ضيقي الأفق، فور اغتصابه للحكم، بل استهوته صورة الدكتاتور، والقصص البوليسية، فاختار أن يكون طاغية، وهذا من حقه، ولكن من حق أربعة وعشرين مليون سوري، أن يقولوا كلمتهم التي تتردد، في شوارع سوريا، وتقضّ مضجعه، وهو يعدّ الأيام القليلة المتبقية، من حكمه الدموي، بعد أن قطع كل السبل أمام خلاصه، من مستنقع الجريمة التي تتم الآن.
لقد كان حرياً به- وهو اللاشرعي رئيساً لمرتين بل ثلاث- أن يعيش عقدة لاشرعيته، ويعوض عن ذلك، بالتقرب من الشعب، لا من فردانيته التي لا مستقبل لها.
أيخيل إلى الأسد-ولم نسميه أسداً؟-أنه في منأى عن دورة” السقوط” التي جرفت من هو أدهى، وأرسخ، وأفضل منه-حتى بحسب تقويم الدكتاتوريات- سواء أكان ابن علي، أو مبارك، أو القذافي؟،إذ طالما كان يعول الأمل على بقاء هذا الطاغية المعمَّر استبداداً وفساداً ولصوصية، بعد أن ضاقت به الأرض، وسيعثر عليه حياً أو ميتاً في جحر، كما حال سلفه:صدام حسين، حيث سيحتل بشار رقمه في دورة ” السقوط” لينزاح أكبر كابوس جاثم على صدور السوريين، جميعاً.
إن نقلة الخطاب، من إطار مخاطبة الجماهير، مباشرة، في فضاء افتراضي مفتوح، وإن وفق شرط أمني صارم، معدّ له، قبل شهر، من تاريخ الخطاب، إلى خطاب في مجرد “مكتب” مغلق، له مدلولاته الواضحة التي يمكن أن تفسر، لدى أي متابع وخبير، بل أن أية مقارنة بين ملامح وجه الرجل، في خطبته الأولى، وهو يتوهم أن شبيحته وأمنه، قادرون على لجم الثورة، وكأنهم في رحلة صيد مضمونة لمواجهة” لجراثيم” بلغته، أو مواجهة” الجرذان” بلغة عمه القذافي، و حديث القذافي، وبشار، في هاتين اللقطتين، المسيئتين للشعبين الليبي والسوري، لابدأن يظهرهما الإعلام، كلوحتين كاريكاتيريتين، ستصبحان” في مهبِّ الماضي”، للتندر على شخصيتين مريضتين، متشابهتين، لا يفوقهما بهلعه وولعه بالكرسي، إلا علي عبد الله الصالح، حيث لكل منهم دوره، في دورة السقوط.
لقد افتقد بشار الأسد فرصاً ذهبية واتته، في خطبه الماضية، لو أنه طالب بمحاكمة المدعو” عاطف نجيب” وكل من أولغ في الدم السوري، أو أساء للطفولة البريئة، بيد أن خطبته المرتقبة، ستكون صوتية،” مسجلة”، يبثها من أحد مخابئه، وهو في طريقه إلى سقوطه المدوي الأكيد في يد العدالة.
ومن هنا، فإن لا خطاب منتظراً منه، فكل ما يريد قوله، إنما بدا مترجماً في شوارع مدننا الباسلة، وهو ينتقم من الشعب السوري، ولا يتورع عن قتل الشعب السوري، كله، وأنى له ذلك، من أجل حماية عرشه المنفلت من بين يديه، لا محالة، كي يسقط بكل المعايير: السياسية، والمعرفية، والاجتماعية، والإنسانية، بل والأخلاقية.
ولعل ما يراه، من تحطيم لتماثيله وأبيه، وتمزيق من صورهما، أكبر وأوضح وأدلّ رسالة، لايريد فهمها- مادام أنه يواجه مطالبة الشعب له بالتنحي، بالتتنيح..!- شأن نظامه، هذا النظام الوحشي الذي لاعلاقة له بسوريا، إلا من خلال ماتعطيه” ضروعها” من عطاء، وثروات، يسرقونها، ووجاهة، وفق شريعة الغاب التي توزع وفق تراتبية الوحشية والنفوذ والتبعية.
*إسماعيل شيخو أحد مجانين” قامشلي” –شقيق صديقي الراحل تنكزار- وكانت عقدته تنحصر في إقدامه على تمزيق أي صورة، ومحاولة كسر أي تمثال للأسد الأب، وكان يقول: إما أنا أو هو…، وسجن مرات عدة بالرغم من جنونه، وضرب بوحشية شديدة، وقد توفي قبل سنوات….
إبراهيم قاشوش -فيكتور يارا السوري- في أربعينه الذي يمر هذه الأيام، حيث ستسمى في العام 2012 مراكز سورية مهمة باسمه.
*جاء على لسان بشار في أحد اللقاءات معه، بعيد انتفاضة12 آذار، التي تم فيه أول إسقاط لتماثيل الأسد، ما معناه أن دمشق محاطة ببرميل من المخاوف الكردية….!.
** لم أكمل اللقاء الذي شاهدته، مصادفة، ومما قاله رداً على سؤال عن وضع الإعلام السوري، بأنه يجب أن نسأل: ماذا نقدم لهذا التلفزيون من معلومة؟؟؟؟، وأتحدى أن يستطيع -وحده- الإجابة عن هكذا سؤال، مع أنه جواب مراوغ، شأن خطابه كاملاً……
** إن عبارة الكرد العرب السوريين من إبداعات أحد معلميه، وأعني هنا: أحمد الحاج علي.
***ثمة وجوه منافقة من الناطقين المخابراتيين، باتت تغيب، أو تتغيب، عن الشاشات…تماماً، بعد أن عاثت ضلالاً وتضليلاً..!
elyousef@gmail.com