المصحَّة الكردية: ليس من كردي معقَّد إطلاقاً

  إبراهيــم محمـود
 
ليس في الإمكان الحديث – كفايةً – عن عيادة طبية نفسية: كردية الطابع،وفي هذه العجالة، لأن ذلك يتطلب وقتاً ومكاشفة لأمثلة أو نماذج حية، ومن زوايا معينة، انطلاقاً من جلسات تصل بالقائم بها إلى تصورات ذات صلة بالعيادي، وما يعانيه دون أن يجد في نفسه القدرة على ضبط نفسه، أو وضع حد لـ” الفلتان الأمني النفسي”!

كل ما في الأمر، ودونما حاجة إلى تمهيد، هو أن التذكير بـ” المصحة الكردية” يفصح عن عدم وجود نماذج تستحق دخولها، أو إجراء جلسات سريرية، كما هو حال المريض النفسي.
نعم، ليس من كردي مريض نفسياً أو من كردي معقد إطلاقاً، في ظل هذا النشاط الدوؤب المميّز للذين لا يتوانون عن إلصاق التهم بسواهم، تدخل في خانة الجنايات، وتطلب محاضر ضبط أخلاقية واجتماعية، وبوجود محلل نفسي قادر على تشخيص الحالة، لذلك فإن أسهل طريقة لنفي مصحة من النوع المذكور، هو عدم الاعتراف بها، واعتبار مؤكَّدها مختلاً، يستحق الإحالة على طبيب نفسي من ملة أخرى، وبلغة أخرى، وهي حالة لا تمثل وضعاً يستحق التوقف عنده.
وإذا كان من محتد إزاء ما تقدم، فيمكن القول أن أكثر من يمكنه الاعتراف بالتعقيد، أو بوجود عقد، هو الداعي نفسه، لأن من المستحيل تسمية حالة ما، دون معايشتها، وبالتالي فإن ” أصحاب المعالي” ممن يحاولون قراءة ما بين السطور، أو أن زيغاً في التفسير أو التأويل يكون بين جنبيهم، لا عليهم غبار فيما يطلقونه من جنَح القول أو تجسيد السلوك المستثير للآخرين، طالما أنهم المرجع في إطلاق الأحكام وليس في أن يكونوا مرمى لها.
أسارع إلى القول هنا، بأن ثمة ما يلفت النظر في عناوين انترنتية، ولو أن هذه تتاخم حقيقة” المصحة” تلك، عند معاينة طبيعة التعامل معها في تنوع موضوعاتها، وصلة الموضوعات بما هو اجتماعي وذاتي، حيث أعتبر الوارد خلال اليومين الفائتين، مثلاً، في موقع محدد (من خلال تحديد عدد القراءات رغم صعوبة التأكد من مصداقية العدد لوجود سهولة في التزوير ماوسياً)، أعني به ( ولاتى مه)، وتحديداً بعد الذي تلا نشر بيان الأحزاب التاريخي للحركة الكردية ( 9-8/2011)، وما تخلل ذلك من تسفيه وتحقير وملاسنة تترجم صدق الجاري.
قبل كل شيء، يمكن النظر في المقروء في لائحة العناوين وصلتها بما هو كمّي، ما يلي، وللقراءة فقط:
عندما يكون المنشور حزبياً عاماً” بياناً، أو يشبهه”، ويستقطب عدداً من القراء متنوعي المشارب.
عندما يكون صاحب الموضوع ممثل حزب، وتبعاً لموقعه، إذ يكون هناك إلزام قطعي على كل” رفيق” بالنظر فيه، أعني ضرورة الاطلاع عليه، دون التأكد مما إذا قرىء الموضوع أم لا حقاً.
عندما يكون صاحب الموضوع مستقلاً، ومدى ارتباطه بالمحيطين به: حزبيين وغيرهم.
عندما يكون الموضوع ذاته إشكالياً ويحمل جرعة استفزاز كافية لاستقطاب فضول قرائه، ليس من باب معرفة الجاري، إنما استجابة لهوى نفسي، لينسَج في ضوء المقروء ما هو أكثر من مادة: حديث لأكثر من جلسة.
ولعل مكاشفة سريعة لنوعية المواد المنشورة تكشف عن أن المواد التي لا تخلو مما هو فضائحي” تلاسني، اتهامي، تخويني، شديد الذاتية…الخ”، تكون الأكثر إستثارة للآخرين، وليس إثارة، بالمعنى الإيجابي (لاحظ مثلاً، صلة عدد القراءات لما كتبه” خليل كالو” نكتة من قلم بائس”: أكثر من 1350 قراءة، حتى عصر يوم17-8/2011″، وما ورد في رد الآخر، بغض النظر عن حقيقة اسمه ودعواه “د.

آلان حسين”، أكثر من 6550 قراءة بصدد “خليل كالو والكتابة الانتقامية، 15آب، و” لجنة النوايا الحسنة”16-8/2011، قرابة 500 قراءة، حتى عصر17-8/2011، إذ إن التركيز ينصب على البعد التشهيري- الفضائحي الشخصي، كما هو فحوى غالبية القراءات ومحفّزاتها، رغم وجود مواد تستحق القراءة أكثر، لأهميتها المعرفية، وحاجتها إلى تفعيل عقلي أكثر.
لكن السائد هو المضاف على العائد، وبالتالي، فإن صاحب موضوع ما، يستهدف بقلمه الكشف عن خبايا معينة تتجاوز حدود الشخصية أو الجماعة، قد ينقلب ضحية لأهواء قرائه، وبالتالي، فإن المادة تفقد قيمتها الثقافية حقاً، وهذا الإجراء ذو المفعول العكسي سلباً، يمثل واقع حال تاريخ طويل من العلاقات الكردية- الكردية، أي في الوسط الكردي المجتمعي، وكيف تسوَّق مفاهيم ذات الصلة بالثقافة، ومن يكون المثقف، إلى درجة أن أياً كان يمكنه أن يحلل كاتباً ما باعتباره مثقفاً، أو ينزل قارعته في هذا أو ذاك من منظور ثقافي، وهو يحتاج إلى أكثر من دورة تفقه لما هو ثقافي ومنوَّع في الثقافة، وخصوصاً في عالم اليوم، والمثقف متعدّي الحدود خصوصاً.
إنها القيمة  الأكثر ملموسية في فعل القراءة، ومن يكونون قرَّاء، حيث يتم تقويم الموضوع انطلاقاً من مرجعية ذاتية، أو سلطة مرجعية وجاهية أو تكتلية أو محسوبيات، تمارس زحزحة كاملة أو شبه كاملة لحقيقة الكتابة.
وبالنسبة للمتداول كردياً، يتفاجأ كثيرون من ذوي الحس السليم بالفطرة، مما يثار، ويمارسون تعليقاتهم على من هم أهل للكتابة أو معنيون بهم بصفتهم متطفلين أو دون مستوى الكتابة، انطلاقاً من تربية تحزبية أو وجاهية أو اجتماعية لا تخفي انقساميتها، وخصوصاً جرَّاء قراءة كلمات تعتبَر شائنة “شتائم، سباب..الخ” دون أخذ العلم بأن ليس من أمة بخالية من ممارسات من هذا النوع، كما الحال في الأدبيات التاريخية والاجتماعية والدينية العربية.
 لا بل إن أدبياتنا الكردية المميَّزة بشفاهيتها تضمن ذخيرة حية من هذه النعوت والأوصاف من خلال أمثالنا اليومية، ذات صلة بأعضاء جنسية، والريح التي يطلقها أحدهم، وصلتها بمكانته وعلاقتها بالأمثال، وما في أغانينا الفولكلورية أو الشعبية، من تحبيذ لمفردات تطرب كثيرين، كما يعلم بذلك أهل الهوى في الغناء والرقص الكردي، في المنطقة المحصورة بين الصدر وما دون الوركين، كما لو أن ذلك في حكم المعتاد أو المتوارث.
وإذا كان من قول جدير بالطرح هنا، فهو، ما إذا كان في وسع المعني بما يجري من أهل السياسة والكياسة، والثقافة والظرافة، أن يحدد نوعية الفائدة التي يجنيها مما يعيش أو يمارسه في واقعه اليومي، والتفريق بين الجانب الصحي والسوي فيه، وهو في موقع متقدم اجتماعياً، ودوره في تنمية كل ذلك.
نعم، كلنا في المصحة، وليس من سوي، يمكنه تقديم المسوغات للخروج معافى مما هو عقَدي خارجاً، كما لو أن السوي هو حامل راية” النشاز” وليس العكس، ولو لم نكن في المصحة التي تسمَّى هنا وهناك على حدودنا وحيث نقرأ عنها، لما كان هذا الذي يمرَّر من خلالنا، أو تتمرغ سمعتنا به، ويظل الكردي دون العالمين مكانة كثيراً، رغم تباهي الكرد آناء الليل وأطراف النهار كثيراً، أنهم” شعب الله المختار” في الابتلاء وقدَريته السافرة فينا.
وحده العالم بحقيقة ما يجري وهو طي مرارة الجاري يستطيع رسم الحدود الفاصلة بين المصحة هذه وخارجها!

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…