مخاوف كوردية تجاه مواقف المعارضة السورية (6)

زارا مستو
zarakobani@hotmail.com

مفهوم المواطنة وحقوق القوميات عند المعارضة

لا شك أن مصطلح المواطنة من المصطلحات الجديدة الوافدة التي ظهرت في السنوات الأخيرة في منطقتنا, كمصطلح الليبيرالية والعلمانية … , يعتقد البعض بأن جذور مصطلح المواطنة يعود إلى العصر الإغريقي والرماني,” فقد استعملت الألفاظ civis (المواطن) civitas (المواطنة) في هذا العصر لتحديد الوضع القانوني والسياسي للمواطن ,”ولم تُميز موسوعة الكتاب الدولي وموسوعة كولير الأمريكية بين مصطلح المواطنة ومصطلح الجنسية كما فعلت دائرة المعارف البريطانية ،
 فالجنسية وان كانت مرادفة للمواطنة فهي تعطي امتيازات خاصة مثل الحماية خارج الدولة وبطاقة لتعريف بشخصية الفرد وهوية رسمية له عندما يخرج من حدود بلده” (1).

ولهذا المصطلح علاقة مباشرة ووثيقة مع الديمقراطية, وله ارتباط بدولة المدينة عند الإغريق في مدينة أثينا القديمة(2).

إنّ هذا المصطلح غريب على ثقافة العرب وتراثه, كما يتعارض أيضاً معها مفاهيم أخرى كالديمقراطية والعلمانية, وإن حاول البعض إيجاد صلة تربط بين مفهوم المواطنة في معناها الاصطلاحي وبين الإسلام، لقد تم تداوله من قبل نخبة من المثقفين الديمقراطيين والليبيراليين العرب, وكما كان موضع جدل وخلاف لدى التيارات الفكرية المختلفة.
المواطنة لغة:
إنّ لفظ المواطنة لغة مأخوذ من مادة “و ط ن” لكن ليس على المعنى المصطلح عليه، وفي لسان العرب: “الوطن المنزل تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله والجمع أوطان.
المواطنة اصطلاحاً:
مما لا شكّ فيه أنّ مصطلح المواطنة من نتاج الفكر السياسي الغربي, حيث حققت المساواة في الحقوق بين المواطنين, دون تمييز عرقي أو ديني, من خلال المشاركة السياسية بين كافة مكوناتها, وعرفت دائرة المعارف البريطانية المواطنة (citizenship) بأنها “علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق في تلك الدولة، والمواطنة تدل ضمناً على مرتبة من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات، وهي على وجه العموم تسبغ على المواطنة حقوقاً سياسيةً مثل حق الانتخاب وتولي المناصب العامة” .(3).
أما د/ منى مكرم عبيد، قالت إن المواطنة تعني “العضوية الكاملة والمتساوية في المجتمع بما يترتب عليها من حقوق وواجبات، وهو ما يعني أن كافة أبناء الشعب الذين يعيشون فوق تراب الوطن سواسية بدون أدنى تمييز قائم على أي معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادي أو الانتماء السياسي أو الموقف الفكري”.(4).
مفهوم المواطنة وحقوق القوميات عند المعارضة السورية:
إن مفهوم المواطنة جديد في ساحتنا السياسية, ويتم طرحه كمخرج ومشروع سياسي جديد لدى بعض أطراف المعارضة السورية, يرى الدكتور برهان غليون أنّ”المواطنة هي مفهوم حديث ارتبط بنشوء دولة ذات طابع قانوني جديد تساوي بين المواطنين، وتعتبر حرية المواطنين واستقلالهم الشخصي هو هدف وغاية للدولة، غاية الدولة هي ضمان حرية الناس بشكل أنه تفكر وتشارك من خلال تفكيرها الشخصي والمستقل في الحياة السياسية للبلاد.

نحن حقيقة في البلدان العربية لم نستوعب بما فيه الكفاية…” (5).
وفي السياق نفسه يطرح الدكتوربرهان غليون تصوره لحقوق الشعب الكوردي ودوره في الانتفاضة”: بتصوري الشيء المهم بين الثورة أن الأكراد اختاروا طريقهم واختاروا طريق الانخراط في سوريا وفي المواطنة السورية بشكل واضحوهم من المشاركين الرئيسيين والمتحمسين في الثورة ، المعارضة حتى الآن ضمن حوارات مع الأحزاب الكوردية وهي جزء من إعلان دمشق وجزء من التجمعوالآن جزء حاضر بالاجتماع التشاوري ، متفقين حتى الآن على مبادئ أساسيةهو أن الأكراد مواطنون كغيرهم لهم حقوق المواطنة المتساوية بالإضافة الى الحقوق الثقافية الخاصة بهويتهم واحترام هويتهم ، الآن اذا كان هناك مطالب أخرى وأنا أعرف أنه هناك بعض الأكراد عندهم مطالب أخرى هذه تناقش فيالبرلمان بحرية مع جميع ممثلي الشعب السوري ، ممكن يقرروا هم أنفسهم معالنواب اللذين يمثلون الأكراد اللذين يمثلون أيضاً الشعب السوري وليس القومية الكوردية ، يمكن أن يطوروا رؤيا مختلفة لوضع الأكراد (6).
قالالأستاذ سمير نشّار, وهو رئيس للأمانة العامة لـ “إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي” والناطق باسمه ” نحن – في إعلان دمشق –إننا” نعتبر المسألة الكردية مسألة قومية يجب أن يكون حلها في إطار وطني على أساس دولة حديثة ديمقراطية ومدنية متنوعة.

الأكراد هم مواطنون سوريون ككل المواطنين العرب والأشوريين والأرمن والشركس الآخرين.

إننا نعتقد أن الديمقراطية كفيلة بحل كل المشاكل القومية , ونرى أيضا أن حقوق المواطنة التي تساوي بين كل السوريين وسيادة القانون يشكلان الحل لكل مشاكلنا, أقصد بذلك أن يتمتع كل المواطنين بنفس الحقوق والواجبات.

فلا يعامل أحد على أنه مواطن من الدرجة الأولى.

يجب أن يكون كل المواطنين سواسية أمام القانون كما هو الحال مثلا في ألمانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية, هناك اليوم الكثير من الأكراد الذين لا يملكون الجنسية السورية.

هناك مناصب ومسؤوليات في الدولة لا يسمح للأكراد تبوؤها.

كما أن هناك سياسة تمييزية تمارس فيالمناطق الكردية.

للأكراد الحق في ثقافة وتقاليد ولغة وجامعات خاصة.

لقد اتفقنا في إعلان دمشق مع الأحزاب الكردية الأعضاء فيه على أن تحل كل هذه المشاكل على قاعدة وحدة سوريا أرضا وشعبا، فنحن كلنا سوريون لا يمكنني قول شئ في هذا الخصوص.

أنا شخصيا لا أقيم اعتبارا للقوميات بما فيهم القومية العربية.

أنا أسعى لأن يتساوى القومي الكردي مع القومي العربي.

يتخوف بعض القوميين العرب أن يؤدي الاعتراف الدستوري بالأكراد كقومية ثانية في المستقبل إلى مطالب من قبيل تقسيم سوريا أو حق تقرير المصير أو الإدارة الذاتية.

نحن نشكل عائلة وعلينا أن نحل مشاكل عائلتنا بشكل مشترك، بحرية و دون ضغط من أحد.

“(7).
أما موقف هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي في سورية ورد من القضايا القومية في سوريا وفق هذه الرؤية”وضع مشروع دستور لنظام برلماني يرسي عقداً اجتماعياً جديداً يضمن الدولة المدنية وحقوق المواطنة المتساوية لكل السوريين ويكفل التعددية السياسية وتكافؤ الفرص بين الأحزاب، وينظم التداول السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع،…احترام حقوق الإنسان والالتزام بجميع الشرائع الدولية المتعلقة بها، والمساواة التامة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، انطلاقاً من الإقرار بمبدأ المواطنة الذي ينظر لجميع المواطنين بشكل متساوٍ بغض النظر عن انتماءاتهم ومعتقداتهم وإثنياتهم المختلفة.

الوجود القومي الكردي في سورية جزء أساسي وتاريخي من النسيج الوطني السوري، الأمر الذي يقتضي إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية في إطار وحدة البلاد أرضاً وشعباً، والعمل معاً لإقراره دستورياً، وهذا لا يتناقض البتة مع كون سورية جزءاً لا يتجزأ من الوطن العربي.

ضمان حرية الجماعات القومية في التعبير عن نفسها، كالآثوريين (السريان) وغيرهم من النسيج الوطني السوري، بما يضمن المساواة التامة بين جميع المواطنين السوريين من حيث حقوق الجنسية والثقافة واللغة القومية وبقية الحقوق الاجتماعية والقانونية”(8)
جاء مفهوم المواطنة في الوثيقة السياسية لمؤتمر الإنقاذ الوطني بهذه الصيغة” حل القضية الكوردية حلا ديمقراطيا , على اعتبار أنها قضية وطنية وديمقراطية , وضمان حق الكورد في المواطنة الدستورية والشراكة في الوطن,  بما يجسد منعة الوطن المشترك وقدرته على التطور الحضاري، المدني، في إطار دولة الحق والقانون ، وعلى أرضية سوريا لكل السوريين لدستور الجديد يعبر عن التعدد الحضاري والثقافي لسوريا , وقومياتها العربية والكوردية والأشورية ومجمل أقلياتها الأخرى , وتعدد أديانها الإسلامية والمسيحية وغيرها , بما يؤطر لبناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة , دولة الحق والقانون , دولة تقر بالتعددية السياسية والتنوع القومي والاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي  .”( 9)
كورديا, هناك من يرى بأن المعارضة السورية تتناول القضية الكوردية دون المستوى المطلوب,والاعتراف بها دستوريا كقضية قومية, أما رئيس تحرير جريدة آزادي رأى “حيث تعرض البعض لها بالموقف السياسي الناكر لهوية هذا الشعب القومية ، والبعض الآخر تناولها من خلال التصريحات والكتابات التي تشير إلى المواطنة كأعلى سقف لحل هذه القضية ، ودون الإشارة إلى ما ينبغي من الإقرار بالخصوصية القومية لشعبنا الكردي ..لاشك أن المواطنة كمبدأ وكمساواة تامة بين المواطنين لا أحد يرفضها,…فإن اعتماد مبدأ المواطنة بمعناه الحقيقي ربما يحتاج إلى قطع مراحل ومسافات من الوعي والمعرفة عبر المستويات الديمقراطية الأخرى للوصول إلى هذا الطرح ، لأن اعتماد هذا المبدأ بشكل دقيق يأتي في مرحلة ديمقراطية متطورة ،..واختزال الحقوق جميعها في هذا المبدأ العام إنما يثير الريبة ، لاسيما يتعارض مع كيفية تطبيق هذا المبدأ في أماكن كثيرة من العالم ، وخصوصا تلك التي تمتاز  بالتعددية الثقافية أو القومية أو حتى الدينية ، لنتساءل : هل المواطنة مطوية في دولة مثل كندا ؟ ومقاطعة كيبك لها خصوصيتها ! هل المواطنة ملغية في المملكة المتحدة (بريطانيا ) ؟ أليست هي الأخرى دولة مدنية ويسودها مبدأ المواطنة ؟ وهي في الواقع العملي مؤلفة من أربعة كيانات لكل منها خصوصيتها .
أما الذي يحصل عندنا من خلال طرح هذا المبدأ (المواطنة) هو على ما يبدو للالتفاف على الخصوصية القومية لشعبنا الكردي وبقية المكونات القومية الأخرى في سوريا ، وهذا ما يتعارض مع الحل الموضوعي لقضية شعبنا القومية  ، الحل الذي يكمن  في الاعتراف الدستوري بالخصوصية القومية وفق المعايير والقوانين الدولية …، ومن ثم اعتماد مبدأ المواطنة في بناء الدولة المدنية الحديثة التي تكفل الحريات الديمقراطية للجميع وتحقق المساواة بين الجميع دون أي تمييز أو امتياز لأحد  .(10)
وفي خضم هذه الآراء ينبغي أن نأخذ بعين الاعتبار تجربة الأوربيين في هذا الصدد, كون أتت المواطنة بمثابة حل للصراع القائم بين أصحاب التعددية العقدية والتعددية القومية في المجتمع الغربي.

على أساس الاعتراف بكافة المكونات القومية والدينية والفكرية دستوريا, والمواطنة لا تنفي خصوصية المكونات, وهذه الصيغة متمثلة في دول عدة, فمثلاً سويسرا فهي تتألف من ثلاث مقاطعات, وجمهورية ألمانيا الاتحادية من (16) ولاية اتحادية, تتألف الولايات المتحدة الأمريكية من (52)،المملكة المتحدة (البريطانية) مؤلفة من أربع مقاطعات, وهناك نماذج كثيرة في العالم, يسود فيها مبدأ المواطنة مع ضمان خصوصية القوميات في آن واحد, ولذا لا بدّ أن يتم الاعتراف بكافة المكونات الموجودة في سوريا دستوريا, كما في هذه الدول, وفي المغرب أيضاً تمّ الاعتراف بحقوق الشعب الأمازيغي دستوريا بعد نضال دام أكثر من أربعين عاماً.
ولا معنى لمبدأ المواطنة والديمقراطية إن لم تتحقق المساواة بين هذه المكونات القومية والدينية, فعلى هذه الأطراف التي تريد أن تختزل وتحصر القضايا القومية والوطنية في مفهوم المواطنة تهرباً من الاعتراف بوجود التعددية القومية دستورياً, الابتعاد عن مفهوم الغلبة القومية العرقية وتحكّم البلاد باسم مفاهيم غدت عنصرية غير مقبولة منافية لمبدأ التعددية والتعاقد والمشاركة والتعايش المشترك والديمقراطية, ولن يتحقق مبدأ المواطنة الحقيقية في ظل إنكار حقوق وخصوصيات المكونات السورية, إلا أن اعتراف بعض أطراف المعارضة السورية بحقوق هذه المكونات دستوريا يبشرّ بخير, ويحقق اللحمة الوطنية الحقيقية, ويفتح صفحة جديدة لبناء سوريا جديدة تكون لكل سوريينعمليا وليس بالقول فقط.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1-    مفهوم المواطنة في النظام الديمقراطي ليث زيدان الحوار المتمدن – العدد: 1932 – 2007 / 5 / 31
2-    المواطنة ص 9 د/ منى مكرم عبيد.
3-    المواطنة أم الأمة ؟ محمد بن شاكر الشريف, النت.
4-    المواطنة ص 9 د/ منى مكرم عبيد.
5-    في برنامج «مدار الوسط» الذي يبث على “الوسط أون لاين” العدد 2435 | الخميس 07 مايو 2009م الموافق 12 جمادى الأولى 1430ه
6-    ندوة في مبنى برلمان برلين د/ برهان غليون,Posted on2011/06/26
سمير صوفي – كميا كوردا – برلين.
7-    كردووتش، 15 آب (أغسطس) 2011, welate me الأحد 14 اب 2011.
8-    وثيقة هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي في سورية.

النت.
9-    .الأحد 14 8 2011Welate me

10-   افتتاحية جريدة ” حزب آزادي الكوردي في سوريا” العدد – 435 تموز

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…

ا. د. قاسم المندلاوي الكورد في شمال شرق سوريا يعيشون في مناطقهم ولا يشكلون اي تهديد او خطر لا على تركيا ولا على اي طرف آخر، وليس لديهم نية عدوانية تجاه اي احد ، انهم دعاة للسلام في كوردستان والمنطقة والعالم .. ويزيد نفوسهم في سوريا اكثر من 4 مليون نسمة عاشو في دهاليز الظلم و الاضطهاد ومرارة الاحزان…

د. منصور الشمري لا يُمكن فصل تاريخ التنظيمات المتطرفة عن التحولات الكبرى في أنظمة التواصل، فهي مرتبطة بأدوات هذا النظام، ليس فقط من حيث قدرتها على الانتشار واستقطاب الأتباع، بل كذلك من جهة هويتها وطبيعتها الفكرية. وهذا ما تشهد عليه التحولات الكبرى في تاريخ الآيديولوجيات المتطرفة؛ إذ ارتبطت الأفكار المتطرفة في بداياتها بالجماعات الصغرى والضيقة ذات الطبيعة السرية والتكوين المسلح،…

بوتان زيباري في قلب جبال كردستان الشاهقة، حيث تتشابك القمم مع الغيوم وتعزف الوديان أنشودة الحرية الأبدية، تتصارع القضية الكردية بين أمل يتجدد ويأس يتسلل إلى زوايا الذاكرة الجمعية. ليست القضية الكردية مجرد حكاية عن أرض وهوية، بل هي ملحمة إنسانية مكتوبة بمداد الدماء ودموع الأمهات، وحروفها نُقشت على صخور الزمن بقلم الصمود. ولكن، كما هي عادة الروايات الكبرى،…