صلاح بدرالدين
قبل أن يصفني أحد ما بالاقصائي أقول : لست أدعو الى عزل حركة – الاخوان المسلمين – السورية أو أية جهة أخرى حتى لو كانت معادية من الحياة العامة والعمل السياسي الحر وحركة المجتمع المدني لأن نزعة اقصاء الآخر من عادات وسلوك قوى الأصولية الظلامية بوجهيها العلماني والديني ونهج نظم الشمولية والاستبداد كما في بلادنا حيث قام نظام البعث منذ تسلطه الانقلابي على مقاليد الحكم لأكثر من أربعة عقود باصدار دستور على مقاسه مليء بمواد الحظر والاقصاء والعزل بدوافع قومية شوفينية وسياسية واستصدار مراسيم وقوانين أخرى في خدمة ذلك التوجه الأحادي بل أرى بضرورة الحيطة والحذر واتخاذ الخطوات الاستباقية اللازمة لدرء مخاطر الاسلام السياسي وذلك استنادا الى مايدور من حولنا وخاصة في زمن الربيع الثوري وخصوصا في تجربتي تونس ومصر الظافرتين
وبالاستناد الى معطيات ودروس الحركة الوطنية السورية المشخصة أساسا ومن أجل سلامة المسيرة النضالية للانتفاضة وتفعيل حاضنتها المعارضة الوطنية السياسية والتهيئة لمرحلة مابعد الاستبداد من حيث سلاسة وسلمية انتقال السلطة بدون نزعات الانتقام العنيف ذات الطابع الديني – المذهبي واعادة بناء الدولة الديموقراطية التعددية الكفيلة بتكريس المشاركة والشراكة العادلة لكل المكونات والقوميات أن هناك ضرورة ملحة لاعادة النظر منذ الآن وقبل فوات الأوان وفي خطوة سريعة في سبيل تنظيم نوعي جديد في اصطفاف المعارضة والتنسيقيات المحلية خالية من جماعات الاسلام السياسي بمختلف مسمياتها ومن بينها حركة الاخوان المسلمين مع التسليم بحقها الكامل في العمل في كل موقع داخل البلاد وخارجها فنحن قد نتشابه ظاهريا في بعض الشعارات والتكتيكات والمواقف الجزئية وفي مراحل معينة الا أننا نختلف جذريا حول سبل اسقاط النظام والدور الخارجي والاقليمي تحديدا والأهم من كل هذا وذاك الاختلاف الجذري حول طبيعة النظام السياسي القادم واستحقاقات المكونات الوطنية غير العربية وغير المسلمة والقضايا الاجتماعية – الاقتصادية والقضية الكردية .
تاريخ الاخوان كحركة سياسية شمولية مرتبطة بتنظيمها العالمي معروف في القضية الوطنية السورية ولايحتاج الى عناء التفكيروارتباط قادتها بالدوائر الاستعمارية البريطانية قديم قدم ظهور الحركة ومهما تلون قادتها راهنا وتغنوا بمقولة الدولة المدنية الملتبسة يبقى شعارهم الأول والأخير – الاسلام هو الحل – بالنقيض من المبدأ السامي – الدين لله والوطن للجميع – وفي الثمانينات وأمام وحشية النظام ونزوعه الطائفي البغيض قامت الحركة بدور طائفي تكميلي لنهج نظام الاستبداد وتحالفت مع أعتى الأنظمة دموية وعنصرية وهو نظام العراق البائد الذي لم يترك من ورائه سوى المقابر الجماعية وضحايا الانفال والسلاح الكيمياوي وتعاملت بانتهازية بالغة مع حركات المعارضة ولنا تجربة مريرة معها في هذا المجال أعلنا دروسها على الملأ ومازالت تتعاطى – حتى الأمس القريب – مع أية فرصة للتفاوض مع النظام وعبر قنوات مباشرة أو من خلال أجهزة الحزب الحاكم في تركيا أما خطابها السياسي فيحمل في طياته التوجه المذهبي المعادي خصوصا للطائفة العلوية الكريمة والرافض ضمنا لخصوصيات الأديان والمذاهب السورية الأخرى بل تثير مخاوفها وتدفع باتجاه ابتعادها عن صفوف الانتفاضة وترددها في الانخراط باالمعارضة الوطنية وتتخذ موقفا شوفينيا الى حدود العنصرية من المكون الكردي وحقوقه القومية ومبدأ شراكته مع الغالبية العربية في السلطة والثروة وكانت كلمة أحد شيوخها القياديين في مؤتمر الانقاذ باستانبول بمثابة اشارة الى تجاهل المكون الكردي في تناسق مع مجمل مواقف عناصرالاسلام السياسي التي كانت تدير المؤتمر والاخوان السورييون لم يرفعوا شعار اسقاط النظام الا بعد مرور الشهر الثاني من الانتفاضة التي ثبتته كشعار وطني حاسم والاخوان والى هذه اللحظة لهم تفسيرهم الخاص لاسقاط النظام لايختلف كثيرا عن اجندة اقليمية – دولية وتركية على وجه الخصوص القاضية بالابقاء على راس النظام وحكومة جديدة للاخوان حصة فيها الى جانب البعثيين .
فبدلا من اضاعة الفرصة التاريخية وتلغيم صفوف المعارضة وتعريض الانتفاضة الى ردة علينا استبعاد التعاون التنظيمي التحالفي مع تيار سياسي شمولي يعتبر نفسه ظل السماء على الأرض يشكل خطرا على حاضر ومستقبل القضية السورية وعاملا من عوامل التفرقة والفتنة الداخلية والتناحر بين مكونات الشعب السوري ونكتفي بما ابتلى به شعبنا وحركتنا وانتفاضتنا حتى الآن من شرور هذه الجماعة – الباطنية – الحاملة لأجندة يكتنفها الغموض ويثار من حولها الشكوك ولايؤمن جانبها متكلين على شجاعة شباب الانتفاضة وآفاق حراكهم الغني بالتراكمات الفكرية والثقافية والخلفية العلمانية التاريخية التي تثري حركة المعارضة الوطنية بكل تياراتها الوطنية الديموقراطية والليبرالية واليسارية والثورية وشخصياتها الفكرية والثقافية والعلمية وتراثها النضالي الذي يحمل تراكمات عقود من النضال السري وشبه العلني في ظل نظم وحكومات أمنية قمعية استبدادية شمولية وحتى لايفسر هذا الموقف خطأ يمكن اعادة النظر فيه اذا أقدم الاخوان على مراجعة مواقفهم السابقة والاستجابة لتقويم كل المآخذ التي أسردناها أعلاه واستعادة ثقة السوريين وقواهم السياسية الديموقراطية ولكن وبصراحة نستبعد حدوث كل ذلك .
الاسلام السياسي في التجربتين التونسية والمصرية
لم يكن لكل من حزب النهضة التونسي ( اخوان تونس ) وحركة اخوان مصر رغم الاختلاف والتمايز بين خصوصية البلدين وعلى غرار الاخوان السوريين أي برنامج لاشعال الثورة على النظامين بل التحقا بحركة الشباب في وقت متأخر وحاولا التسلل الى الساحات والشوارع كما لم تكن لديهما تصورات واضحة حول مايجب أن تؤول اليها النتائج والتطورات وقاما كحركتين تقليديتين ماضويتين مناهضتين للتقدم بأدوار سلبية تجاه الانتفاضة الثورية في محاولة استغلال الدين لأغراض حزبية سياسية واللعب على التناقضات وخاصة بين الشعب وقواه الشبابية من جهة وبين الجيش والقوات المسلحة من الجهة الأخرى واثارة الفتن ذات الطابع الديني – المذهبي وخاصة في مصر كبلد متعدد الديانات ( المسيحييون الأقباط أكثر من 15% ) ومن ثم الخروج عن الاجماع الوطني برفض الافصاح عن مصادر التمويل مما ضاعف من الشكوك حول علاقاتهما الخارجية السرية وحملهما لأجندة أجنبية قد تكون مهددة للمصالح الوطنية العليا كل ذلك يجدد التأكيد مرة أخرى ومابعد ثورة الشباب الظافرة في مرحلتها الأولى على أن مرحلة اعادة البناء والصراع السياسي حول نظام الحكم الجديد والدستور لن تكون سهلة وعلى أن هذين التنظيمين الممثلين لحركة الاسلام السياسي مستمران في استغلال الظاهرة الايمانية التي تسود مجتمعات المشرق والمغرب لأسباب موضوعية لامجال لسردها في عجالة مازالا مرشحين لتصدر الثورة المضادة بخلاف كل الادعاءات وشعارات ماتسمى باالدولة المدنية الزائفة والاستمرار في محاولة افراغ الانجازات الهائلة التي تحققت من مضمونها الوطني الديموقراطي بل الاقدام على خطف – الثورة – عند توفر الفرصة المناسبة وأسلمتها وصولا الى أسلمة المجتمع بكامله بحد السيف وليس بالكلمة الحسنى والمنطق السليم وهناك روايات تتردد في الساحة المصرية حول صفقات واتفاقات جارية بين كل من الاخوان من جانب والتيار الأكثر رجعية في أوساط العسكر وفلول النظام السابق من الجانب الآخر وهنا علينا أيضا تذكر ماحصل في ليبيا قبل أيام من اقدام عناصر – الاسلام السياسي – على اغتيال احد القادة العسكريين المعروفين متجاوزة قيادة الثورة الشرعية والمؤسسات القضائية .
تاريخ الاخوان كحركة سياسية شمولية مرتبطة بتنظيمها العالمي معروف في القضية الوطنية السورية ولايحتاج الى عناء التفكيروارتباط قادتها بالدوائر الاستعمارية البريطانية قديم قدم ظهور الحركة ومهما تلون قادتها راهنا وتغنوا بمقولة الدولة المدنية الملتبسة يبقى شعارهم الأول والأخير – الاسلام هو الحل – بالنقيض من المبدأ السامي – الدين لله والوطن للجميع – وفي الثمانينات وأمام وحشية النظام ونزوعه الطائفي البغيض قامت الحركة بدور طائفي تكميلي لنهج نظام الاستبداد وتحالفت مع أعتى الأنظمة دموية وعنصرية وهو نظام العراق البائد الذي لم يترك من ورائه سوى المقابر الجماعية وضحايا الانفال والسلاح الكيمياوي وتعاملت بانتهازية بالغة مع حركات المعارضة ولنا تجربة مريرة معها في هذا المجال أعلنا دروسها على الملأ ومازالت تتعاطى – حتى الأمس القريب – مع أية فرصة للتفاوض مع النظام وعبر قنوات مباشرة أو من خلال أجهزة الحزب الحاكم في تركيا أما خطابها السياسي فيحمل في طياته التوجه المذهبي المعادي خصوصا للطائفة العلوية الكريمة والرافض ضمنا لخصوصيات الأديان والمذاهب السورية الأخرى بل تثير مخاوفها وتدفع باتجاه ابتعادها عن صفوف الانتفاضة وترددها في الانخراط باالمعارضة الوطنية وتتخذ موقفا شوفينيا الى حدود العنصرية من المكون الكردي وحقوقه القومية ومبدأ شراكته مع الغالبية العربية في السلطة والثروة وكانت كلمة أحد شيوخها القياديين في مؤتمر الانقاذ باستانبول بمثابة اشارة الى تجاهل المكون الكردي في تناسق مع مجمل مواقف عناصرالاسلام السياسي التي كانت تدير المؤتمر والاخوان السورييون لم يرفعوا شعار اسقاط النظام الا بعد مرور الشهر الثاني من الانتفاضة التي ثبتته كشعار وطني حاسم والاخوان والى هذه اللحظة لهم تفسيرهم الخاص لاسقاط النظام لايختلف كثيرا عن اجندة اقليمية – دولية وتركية على وجه الخصوص القاضية بالابقاء على راس النظام وحكومة جديدة للاخوان حصة فيها الى جانب البعثيين .
فبدلا من اضاعة الفرصة التاريخية وتلغيم صفوف المعارضة وتعريض الانتفاضة الى ردة علينا استبعاد التعاون التنظيمي التحالفي مع تيار سياسي شمولي يعتبر نفسه ظل السماء على الأرض يشكل خطرا على حاضر ومستقبل القضية السورية وعاملا من عوامل التفرقة والفتنة الداخلية والتناحر بين مكونات الشعب السوري ونكتفي بما ابتلى به شعبنا وحركتنا وانتفاضتنا حتى الآن من شرور هذه الجماعة – الباطنية – الحاملة لأجندة يكتنفها الغموض ويثار من حولها الشكوك ولايؤمن جانبها متكلين على شجاعة شباب الانتفاضة وآفاق حراكهم الغني بالتراكمات الفكرية والثقافية والخلفية العلمانية التاريخية التي تثري حركة المعارضة الوطنية بكل تياراتها الوطنية الديموقراطية والليبرالية واليسارية والثورية وشخصياتها الفكرية والثقافية والعلمية وتراثها النضالي الذي يحمل تراكمات عقود من النضال السري وشبه العلني في ظل نظم وحكومات أمنية قمعية استبدادية شمولية وحتى لايفسر هذا الموقف خطأ يمكن اعادة النظر فيه اذا أقدم الاخوان على مراجعة مواقفهم السابقة والاستجابة لتقويم كل المآخذ التي أسردناها أعلاه واستعادة ثقة السوريين وقواهم السياسية الديموقراطية ولكن وبصراحة نستبعد حدوث كل ذلك .
الاسلام السياسي في التجربتين التونسية والمصرية
لم يكن لكل من حزب النهضة التونسي ( اخوان تونس ) وحركة اخوان مصر رغم الاختلاف والتمايز بين خصوصية البلدين وعلى غرار الاخوان السوريين أي برنامج لاشعال الثورة على النظامين بل التحقا بحركة الشباب في وقت متأخر وحاولا التسلل الى الساحات والشوارع كما لم تكن لديهما تصورات واضحة حول مايجب أن تؤول اليها النتائج والتطورات وقاما كحركتين تقليديتين ماضويتين مناهضتين للتقدم بأدوار سلبية تجاه الانتفاضة الثورية في محاولة استغلال الدين لأغراض حزبية سياسية واللعب على التناقضات وخاصة بين الشعب وقواه الشبابية من جهة وبين الجيش والقوات المسلحة من الجهة الأخرى واثارة الفتن ذات الطابع الديني – المذهبي وخاصة في مصر كبلد متعدد الديانات ( المسيحييون الأقباط أكثر من 15% ) ومن ثم الخروج عن الاجماع الوطني برفض الافصاح عن مصادر التمويل مما ضاعف من الشكوك حول علاقاتهما الخارجية السرية وحملهما لأجندة أجنبية قد تكون مهددة للمصالح الوطنية العليا كل ذلك يجدد التأكيد مرة أخرى ومابعد ثورة الشباب الظافرة في مرحلتها الأولى على أن مرحلة اعادة البناء والصراع السياسي حول نظام الحكم الجديد والدستور لن تكون سهلة وعلى أن هذين التنظيمين الممثلين لحركة الاسلام السياسي مستمران في استغلال الظاهرة الايمانية التي تسود مجتمعات المشرق والمغرب لأسباب موضوعية لامجال لسردها في عجالة مازالا مرشحين لتصدر الثورة المضادة بخلاف كل الادعاءات وشعارات ماتسمى باالدولة المدنية الزائفة والاستمرار في محاولة افراغ الانجازات الهائلة التي تحققت من مضمونها الوطني الديموقراطي بل الاقدام على خطف – الثورة – عند توفر الفرصة المناسبة وأسلمتها وصولا الى أسلمة المجتمع بكامله بحد السيف وليس بالكلمة الحسنى والمنطق السليم وهناك روايات تتردد في الساحة المصرية حول صفقات واتفاقات جارية بين كل من الاخوان من جانب والتيار الأكثر رجعية في أوساط العسكر وفلول النظام السابق من الجانب الآخر وهنا علينا أيضا تذكر ماحصل في ليبيا قبل أيام من اقدام عناصر – الاسلام السياسي – على اغتيال احد القادة العسكريين المعروفين متجاوزة قيادة الثورة الشرعية والمؤسسات القضائية .
انني اذ أطرح هذا التصور للنقاش في ذروة المواجهة مع نظام الاستبداد وذلك لدواعي أمن وسلامة الانتفاضة وصيانة الوحدة الوطنية ولدواعي اقليمية ودولية تصب في مصلحة التغيير واعادة بناء الدولة الحديثة التعددية وقد يقول قائل وبحجة الحرص على وحدة صفوف المعارضين للنظام بأن الظرف غير مناسب وجوابي ببساطة : لايمكن الحاق الهزيمة بنظام مستبد يستخدم كل شيء بمافيه المحرمات ويجتاز الخطوط الحمر في القضيتين القومية والطائفية بالعقلية ذاتها والأسلوب نفسه بل عبر معارضة وطنية لاتشوبها شائبة الأصولية وتمثل كل المكونات من دون استثناء أو استبعاد أحد وتنسيقيات انتفاضية سلمية بعيدة عن العنف ونزعة الانتقام لنفس أسباب السلطة الحاكمة ولنا في تاريخنا الوطني الثري والتجارب الحية من حولنا أفضل الدروس والعبر .