المعارضة السورية ومهام التحضير للمرحلة التالية

صلاح بدرالدين

  بعد خمسة أشهر من استمرارية وتصاعد الانتفاضة الوطنية السلمية ووضع النظام في زاوية ضيقة وعزلة اقليمية ودولية واستنزاف طاقاته الى حدود معينة وفتح الباب أمام احتمال تفككه وبوادر انشقاق مؤسساته العسكرية والمدنية وخلخلة قاعدته الاقتصادية وأمام آفاق تنفيذ حزمة جديدة من الاجراءات الدولية على صعيد مجلس الأمن والقوى الكبرى ومجلس حقوق الانسان وصولا الى تحريك ملف النظام في المحكمة الجنائية الدولية لجرائمه ضد الشعب السوري من قتل الآلاف وهدم الأحياء والمنازل واعتقال مايقارب العشرين ألف وتشريد وتهجير أكثر من ثلاثين ألف مواطن ليلحق بملف اغتيال الحريري وعشرات اللبنانيين الآخرين
 ومن أجل أن لايتحقق حلم الحاكم المستبد وأعوانه في الداخل والخارج وتفنيد أكذوبته في دب الفوضى والمواجهات المذهبية والدينية والقومية وتهديد الوحدة الوطنية وسيادة البلاد بمجرد أن يسقط نظام الاستبداد آن الأوان والى جانب تعزيز الانتفاضة حتى انتصارها اتخاذ الخطوات اللازمة لبلورة البديل الوطني الديموقراطي مابعد الاستبداد .

  حتى اللحظة كان هناك اتفاق غير مكتوب بين معظم أطياف المعارضة الوطنية ونخبها الثقافية والسياسية ونشطائها على وجوب التركيز على أولوية اسقاط النظام وتجنب التعمق في تفاصيل مابعد انجاز مهام المرحلة الأولى من الانتفاضة حتى لاتثار الخلافات بين الصف المعارض وتؤثر سلبا على مسيرة الحراك الانتفاضي الداخلي ولانخفي أن ممثلي المكون الكردي ونشطائه المعبرين عن المصالح القومية والوطنية للشعب الكردي قد أبدو أقصى درجات المرونة والتسامح على صعيدي العلاقات بين التنسيقيات المحلية وشعارات أيام الجمعة وفي المؤتمرات واللقاءات والنشاطات التي تمت خارج الوطن وذلك التزاما كما ذكرنا بضرورات المهمة الأساسية وهي اسقاط النظام بالرغم من أنهم تعرضوا أكثر الأحيان الى انتقادات – ذوي القربى – وحتى أصوات تتهمهم بالتنازل .
   نحن الآن أمام أعتاب مرحلة جديدة حيث بدأ العد العكسي لانهيار نظام الاستبداد الذي انتقل الى الخط الأخير في الدفاع عن وجوده بواسطة القوى الموالية له والمضمونة من قطعات عسكرية معينة بعد اعادة الفرز والتعيينات والتنقلات وشبيحة عائلية ومرتزقة الأمن والدعم المالي الايراني تاركا سبيل التحاور السلمي مع الشعب خلفه مستخدما أقصى درجات التضليل الاعلامي والدبلوماسي فاقدا الصدقية أمام مجلس الأمن والمجتمع الدولي والرأي العام وفي الأونة الأخيرة أمام البلدان العربية وحتى حليفته الأقرب تركيا والمرحلة تقتضي أن يقف السورييون جميعا يدا بيد من أجل البحث عن أفضل السبل لحل الأزمة بأقل الخسائر .
  من الواضح أن كل السوريين مسؤولون عن مستقبل البلاد حسب مبدأ حق الشعوب في تقرير المصير وفي الدرجة الأولى المعنييون المباشرون من تنسيقيات الانتفاضة في الداخل ومن وقف معها ودعمها وتبناها منذ الأيام الأولى من أطياف وتيارات وشخصيات المعارضة الوطنية في الداخل والخارج ومما يسر القلب أن فئات واسعة من المترددين والمراهنين سابقا على اصلاح النظام أو بديل حكومي عبر صفقة اقليمية – دولية برعاية رأس الاستبداد قد عادوا الى رشدهم وبدأوا بالاقتراب رويدا رويدا من شباب الانتفاضة وهذا انتصار لنهج وسياسة المنتفضين وشعارهم الأساسي في اسقاط النظام الذي فقد الشرعية والأهلية والمصداقية بقي أن نذكر بكل صراحة ووضوح ونؤكد على نوع من الغموض مازال يلف تحركات بعض جماعات الاسلام السياسي وفصيلها الرئيسي حركة الاخوان المسلمين الذي يحمل توجهاته الخفية الخاصة المتشابكة مع أجندة اقليمية تحملها الحكومة التركية بزعامة حزبها الاسلامي الحاكم وتقوم بدور رئيسي في تنفيذها من دون التشاور أو التعاون مع ممثلي التنسيقيات بصورة رسمية أو أطياف المعارضة الوطنية بل من وراء أظهرها ولاأظن أنها جميعا بصدد التسليم بالدور التركي الغامض أو أية جهة خارجية من دون الاطلاع على كل مايدور ويحضر وقبوله اذا كان يلبي مصالح ومطامح السوريين بكل مكوناتهم القومية والدينية والمذهبية وتياراتهم السياسية .
   هناك ضرورة قصوى لاعادة تموضع القضية السورية في أحضان أهلها من أجل التحضير للانتقال الى المرحلة التالية مابعد الاستبداد التي وكما أرى أن تستند الى الرؤا والمبادىء التالية :
 أولا – تنسيقيات الانتفاضة في جميع المناطق والمدن والبلدات هي مصدر الشرعية الوطنية في المرحلة الراهنة ولن يتم أي شيء من دون قرارها ومشاركتها ومباركتها .
 ثانيا – مصير سوريا بيد شعبها وليس هناك أي طرف اقليمي أو دولي مخول لتقرير مصير شعبنا وبلادنا من دون ارادتنا .
 ثالثا – الاقرار على أن سوريا وطن متعدد القوميات والأديان والمذاهب التي ستعاد اليها حريتها ويزال عنها الضيم والاضطهاد وهذه المكونات هي التي ستعيد بناء دولة سوريا الديموقراطية التعددية الحديثة على قاعدة الشراكة العادلة في السلطة والثروة وعلى أساس العيش المشترك في وطن موحد وفي ظل دستور يضمن وجود وحقوق وطموحات الجميع .

 رابعا – في ظل تلك المبادىء والمسلمات يمكن أن يتداعى الحريصون على مستقبل الشعب والبلاد في أقرب فرصة وبالاتفاق مع تنسيقيات الداخل لاختيار هيئات ولجان موحدة بين الداخل والخارج تقوم بصورة انتقالية انطلاقا من الشرعية الثورية للانتفاضة بمهام السلطتين الاشتراعية والتنفيذية لتقوم بمهمة استلام السلطات بصورة سلمية ومؤقتة وملىء الفراغ الدستوري فور سقوط نظام الاستبداد والسيطرة على مقاليد الأمور والحفاظ على أمن المجتمع واستقراره والتحضير لاجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية والمحلية بمراقبة الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية خلال مدة قصيرة لاتتجاوز أشهرا والتي ستقوم مجتمعة وبالتعاون مع السلطة القضائية النزيهة المستقلة في البت بجرائم النظام ومحاسبة المجرمين ويتم وبأقصى السرعة الممكنة وضع وصياغة ميثاق وطني جامع شامل بمثابة خارطة طريق في تلك المرحلة الانتقالية .

  

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

نارين عمر تعتبر المعارضة في أية دولة ولدى الشّعوب الطريق المستقيم الذي يهديهم إلى الإصلاح أو السّلام والطّمأنينة، لذلك يتماشى هذا الطّريق مع الطّريق الآخر المعاكس له وهو الموالاة. في فترات الحروب والأزمات تكون المعارضة لسان حال المستضعفين والمغلوبين على أمرهم والمظلومين، لذلك نجدها وفي معظم الأحيان تحقق الأهداف المرجوة، وتكون طرفاً لا يستهان به في إنهاء الحروب…

محمد زيتو مدينة كوباني، أو عين العرب، لم تعد مجرد نقطة على الخريطة السورية، بل تحولت إلى رمز عالمي للصمود والنضال. المدينة التي صمدت في وجه تنظيم داعش ودفعت ثمنًا غاليًا لاستعادة أمنها، تجد نفسها اليوم أمام تحدٍ جديد وأكثر تعقيدًا. فالتهديدات التركية المتزايدة بشن عملية عسكرية جديدة تهدد بإعادة إشعال الحرب في منطقة بالكاد تعافت من آثار النزاع، ما…

بوتان زيباري كوباني، تلك البقعة الصغيرة التي تحوّلت إلى أسطورة محفورة في الذاكرة الكردية والسورية على حد سواء، ليست مجرد مدينة عابرة في صفحات التاريخ، بل هي مرآة تعكس صمود الإنسان حين يشتد الظلام، وتجسيد حي لإرادة شعب اختار المواجهة بدلًا من الاستسلام. لم تكن معركة كوباني مجرد مواجهة عسكرية مع تنظيم إرهابي عابر، بل كانت ملحمة كونية أعادت…

إبراهيم اليوسف لقد شهدت البشرية تحوُّلاً جذرياً في طرق توثيقها للحياة والأحداث، حيث أصبحت الصورة والفيديو- ولأول وهلة- الوسيلتين الرئيسيتين لنقل الواقع وتخليده، على حساب الكلمة المكتوبة. يبدو أن هذا التحول يحمل في طياته نذر موت تدريجي للتوثيق الكتابي، الذي ظل لقرون طويلة الحاضن الأمين للمعرفة والأحداث والوجدان الإنساني. لكن، هل يمكننا التخلي عن الكتابة تماماً؟ هل يمكننا أن ننعيها،…