كي لا تتكرر تجربة الاستنساخ الحزبي ..

روني علي

   غني عن البيان أن السجل النضالي للحركة الكردية (الحزبية) في سوريا، مليء بالإخفاقات والانكسارات، وخاصةً في مجال العمل الجماعي أو المشترك، أو في مجال التأسيس لذهنية منفتحة ومتطورة، تحتضن الآخر وتحترمه، مهما كان درجة الخلاف والاختلاف، وأن تاريخ هذه الحركة، وما اعترضتها وتعترضها من مشاكل وعراقيل تصب في المنحى ذاته ..

حيث أن هذه الذهنية، وبحكم موروثاتها، قد أغلقت الباب على نفسها وفتحته أمام الآخر – كائناً من كان، سواء من الداخل الكردي أو من الخارج –  كي يلعب دوره في إذكاء الفتن وتأجيج الصراعات الهامشية داخل الجسمين السياسي والحزبي الكرديين، وبالتالي كان وما زال من نتيجتها المزيد من التفريخات والمزيد من حالات التشظي والانشطار، دون أن يبحث أحدنا عن الهدف أو المقومات أو الشرعية في أية خطوة نخطوها…

وبما أن الثابت في كل هذه الحالات المرضية في الجسم الحزبي، هم أقطاب التوازنات، فإن الحراك الدائر في الوسط السياسي الكردي لا بد أن يصطدم بهذه المراكز، كونهم ما زالوا باقون على رأس الهرم، ومازالوا يمارسون دور الأبوة تجاه كل الحزب، وبالتالي فإن الارتقاء في الحزب، سواء في الجانب السياسي أو في الجانب المعرفي، لا بد أن يقف عند حدود مدارك ومفاهيم هذه الرموز ولا يمكن تخطي تلك الحدود، لأن عملية التخطي فيه نوع من المجازفة بالحزب كله، وفيه تجاوز للمقدسات التي تربى الحزب عليها، حتى أضحى الارتقاء في الجسم الحزبي خاضعاً لمقاييس سرير بروكوست، المصنوع من قبل الهرم القائد، بحكم التوازنات والاصطفافات، وكذلك آليات العمل الحزبي، بحيث أن على العضو الحزبي أن يتقلص ويتكدس في ذاته ومن تلقاء نفسه، إذا ما تجاوز مقاييس السرير في الجانبين السياسي والمعرفي، حتى لا يخلق مشكلة للحزب، أو يشكل إشكالاً له، وأزمة فيه، أما إذا كان دون المقاييس، فلا يجري له عملية الاستطالة، أو تغذيته بما يساعده على النمو، لأن في وضعه القائم، وبما هو عليه من مدارك وآفاق متواضعة، خدمة للحزب، وإبعاد للمشاكل والقلاقل ..
إن أخطر ما يواجه أنظمتنا السياسية الحاكمة، وكذلك أحزابنا، بتركيبتها وتشكيتلها القائمة والسائدة، هو انتشار الوعي وتعميمه، كونه يشكل العدو اللدود الذي لا بد أن ينخر في النماذج الاجتماعية البالية والبائدة، وكذلك في الجسم الحزبي، وبالتالي يفتت التراتبية الموجودة، وأن الوسيلة المجدية في إبعاد هذه الآفة أو هذه المخاطر، تتجسد في إقصاء الوعي من دائرة العمل والفعل، الاجتماعي والحزبي، وعليه فإن المحافظة على الشكل القائم والتراتيبة القائمة، كي يتفاعل ويستمر، يكمن في نسف هذا الخصم، لأن التركيبة القروية أو القبلية للوعي المجتمعي، لا يمكنه أن يتفاعل مع أدنى أشكال المعرفة، ومن هنا فإن على المتنور أو المثقف الحزبي، إما أن يسلك مشيئة أهل القرار في الحزب، وبالتالي الانطواء على ذاته والاستمرار في النمطية السائدة، أو التوجه نحو الحفر في الصخر والتأسيس لحالة جديدة، مبنية على أدوات معرفية تمتلك القدرة لاستئصال جذور الإرهاب الفكري والممارسة الفردية في صناعة القرار وتركيبة الحزب ..

بمعنى ما، وكمدخل لمعالجة الحالة القائمة، يقع على عاتق الشريحة التي تشكو من النموذج المتوارث في بناء الحزب وصناعة الموقف والقرار، أن تعي دورها في التأسيس والبناء والتجديد، والذي لا بد أن ينصب في القاعدة وينطلق منها، وذلك حتى نتمكن من قراءة الحدث وفق معطياته، لا كما يحلو لأولي الأمر، ووفق مصالحهم الخاصة بهم، وكذلك وفق ما يملى عليهم من قرارات وتوجيهات، ومن أية جهة أو مصدر كان ..

10/10/2006

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف يروي تاريخ الكرد في سوريا حكاية تداخل معقد ومرير بين الصمود والاضطهاد، معكساً تفاعلًا طويل الأمد بين التهميش السياسي والاجتماعي والإصرار على الوجود والهوية. رغم العقود التي حملت سياسات تهجير ممنهجة مثل مشروع الحزام العربي وغيره من سياسات العزل والتغيير الديموغرافي، ظل الكرد راسخين في أرضهم، مدافعين عن ثقافتهم وحقوقهم، وساعين لإقامة سوريا متعددة الثقافات تضمن الكرامة لجميع…

بوتان زيباري في متاهة التاريخ السوري المعاصر، يبرز صراع مركب بين إرادات متشابكة؛ إرادة تسعى لاستعادة كرامة الوطن، وأخرى أسيرة لأوهام السيطرة المطلقة. عند قراءة كتاب “اغتصاب العقل” لجويت إبراهام ماوريتز ميرلو، ندرك كيف تُستخدم سيكولوجيا التحكم في الفكر وتشويه العقل كأدوات مركزية في توجيه الشعوب، وبالأخص في حالة سوريا حيث تتقاطع المأساة مع العبث السياسي. قد يبدو الحديث…

عبدالرحمن كلو على مدارِ السنواتِ السابِقةِ، وفي مرحلةِ النظامِ السابِقِ، كان العديدُ من الوطنيينَ والشرفاءِ الكوردِ من خارجِ نطاقِ منظومةِ حزبِ العمالِ الكوردستانيِّ (ب ك ك) ومن خارجِ دائرةِ المجلسِ الوطنيِّ الكورديِّ، يُطالبونَ بحمايةٍ دوليةٍ لعفرينَ والمناطقِ الأخرى التي تخضعُ للاحتلالِ التركيِّ. هذهِ المطالبُ جاءتْ كردِّ فعلٍ على ما كان يجري في تلكَ المناطقِ من ممارساتٍ إرهابيةٍ تهدفُ إلى التغييرِ…

فرحان كلش الأسئلة الأكثر إلحاحاً في الراهن الزماني، حول ما ولدته وأفرزته الثورة السورية، تكمن في إمكانية الربط المعرفي بين الثورة كخلق جماهيري والسلطة كناتج ثوروي، إذ يمكننا أن نلقي أسئلتنا في حلقة ضوابط تتعلق بالنشوء والفناء الثوري، هل ما نشهده اليوم من وجود إدارة سياسية في دمشق ناتج موضوعي لما شهدته الثورة السورية، أم هذا تدحرج لفكرة الالتفاف على…