الوأد الممنهج للكلمة الحرة الواعية المستقلة

موسى موسى

لم يدل تاريخ ثورات الشعوب بأن الشعب كله قام قومة رجل واحد في نفس اللحظة التي خطط لها،  ومن الطبيعي أن تتسع الثورات لتشمل أحياناً كافة المناطق بتفاوت زمني بين منطقة وأخرى قد تطول أسابيعاً أو أشهراً وقد تمتد الى سنين عدة، لكن الذي لا يبدو طبيعياً أن تستغل القوى الموجودة ـ التي أصبحت وهمياً ـ الفترة الزمنية لصالحها وهي محتارة بين المشاركة في الحالة الثورية أو في الثورة، ولا يكون الجواب ـ جواب أي مدرك للأمور ـ  بأن حالة التردد لدى تلك القوى لا تستند الى اسباب، قد تكون مشخصة لدى البعض من النخبة المثقفة الواعية المدركة لمجريات الأحداث،
ومع ذلك يكون التشخيص المعلن عنه شفاهاً أو كتابة خافتاً وخجولاً لا يفهم منه إلا بشق الأنفس، وهنا نصبح أمام إشكالية أخرى من الإشكاليات التي تنتجها النخبة الواعية، دون أن يكون لتلك النخبة مبرراتها التي لا تكون بالضرورة في خدمة الشعب، فكيف يكون وقع الكلمة ايجابياً ينحت بقطراته عقولاً متوضعة فوق بعضها كجدار من الخرسانة، والكلمة نفسها محاطة بالخوف من القوى الحزبية المنظمة التي باتت هي نفسها تخاف من وقع الكلمة، أو الانتهازية التي تدفع صاحب الكلمة من النخبة الواعية في البحث له عن مكان وهمي في محور من المحاور الوهمية المضادة للثورة، حتى بدأ الشك يساورنا بأن ما يحدث في سوريا هي ثورة أم احتجاجاً أمام خوف بعض القوى الحزبية الكلاسيكية من العربية والكردية من اطلاق لفظ الثورة على الحالة السورية الراهنة.
الكلمة الحرة الواعية والمستقلة بدأنا نبحث عنها، فكيف السبيل في سماعها مادام هناك أصحاب السواطير يتسابقون في وأدها، هذه الحالة التي نلامسها ونعايشها هي نفس الحالة التي تعيشها التنسيقيات الكردية أيضاً أمام مقايضة ـ عسى أن أكون مخطئاً ـ قوى القرار الكردستانية لأن يكون قرار  حزب الاتحاد الديمقراطي PYD هو النافذ وهذا ما نلاحظه من خلال نداءات التنسيقيات الكردية للأحزاب الكردية المؤتلفة مع حزب الاتحاد الديمقراطي التي لا تستطيع أو لا تملك قدرة اقناع حليفهم بضرورة إزالة ما يعكر الصفو السياسي للشارع الكردي، هذا التصرف المؤدي الى انشقاق الشارع الكردي وعدم اتخاذ الحركة الكردية موقفاً واضحاً من النظام ومن الثورة السورية والشارع الكردي الثائر بالاضافة الى ضبابية المطلب الكردي يجعل المثقف الكردي في حيرة من أمر الحركة الكردية، وحتى الحيرة نفسها لا أظن بأنها هي المبرر فمتى كان المثقف حائراً أمام قضية بمقدور العقل تناولها، إلا إذا كان ما وراء الأكمة ما يتناول قيوداً مربطها خارج حدود الوطن.

الشعب الذي تصبح نخبته الثقافية في حيرة من أمرها لا يصح القول بحيويته على الأقل راهناً لأن الشعوب تتتجدد باستمرار ونخبها لا تبقى رهينة مخطوفة لدى تلك القوى الخائرة والوهمية والشائخة  باعتراف قادة تلك القوى، فالثورة السورية مستمرة بغض النظر عن نتائجها القريبة أم البعيدة لكن الحالة الثورية نفسها كفيلة بتحرير تلك النخبة الرهينة والمخطوفة باندماجها ومشاركتها في الثورة وعندها يكشف زيف وتزييف كل من مارساهما عقوداً من الزمن.
2/08/2011     

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه”1970-2024″ كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. إذ إن بعض…