الاختيـار والقـرار

  ادونيس 

أكثر فأكثر يتم تحويل الجيش في سوريا، الذي هو جيش الشعب، إلى جيش للنظام في مجابهة الشعب، دفاعاً عن نظام لا يمكن الدفاع عنه.

فقد أزال هذا النظام جميع الشكوك حول خياراته الحاسمة في الأزمة التي يعيشها، واختار العنف والقتل في حل مشكلاته بدلاً من تسريع الإصلاح.

وهو اختيار سيضاعف هذه المشكلات ويجعلها أكثر تعقيداً.


إضافة إلى ذلك، سوف ترى الجماعات التي تكوّن الشعب السوري أنها منقادة بطريقة أو بأخرى، بسبب عناد النظام وعنفه، إلى اقتتال طويل مدمر، على غرار ما حدث في العراق.

كل اقتتال انحلال.

الاقتتال على السلطة هو أشد أنواع الحروب السياسية فتكاً، وأكثرها بهتاناً.

هناك أفراد وجماعات يكتبهم التاريخ.

ليسوا إلا تفاصيل بسيطة.

وهناك أفراد وجماعات يكتبون التاريخ.

يعطونه معناه وقيمته.

ولا يمكن، بالنسبة إلى هؤلاء، أن تكون السلطة غاية في حد ذاتها.

وإنما هي مجرد وسيلة لتحقيق الهدف الأساس: بناء بلد جديد ومجتمع جديد، وإنسان جديد.


في لحظة الاختيار المصيري، بين «الحزب»، أياً كان، و«الشعب»، أياً كان، لا يمكن التردد في اختيار الشعب.

هذا ما يجب أن يدركه قادة الحزب الحاكم، أو الحاكمون باسمه، على افتراض أنه لم يعد له وجود فعلي، كما يزعم بعضهم، وأنه أصبح مجرد اسم، أو مجرد ذاكرة.


ما يحدث في سوريا اليوم، امتحان لهذا الحزب يمكن وصفه بأنه محنة من جهة، ومن جهة، بأنه فرصة تاريخية.

الشعب اليوم، يتحدى هذا الحزب.

وإذا أهملنا تحدي «الشارع» لسبب أو آخر، فإن هناك شبه إجماع بين الفئات التي تمثل ذروة الوعي في سوريا، على رفض النظام الذي يقوده هذا الحزب.

لا بد إذاً، من أن يصغي إلى هذا التحدي، ومن أن يستجيب له، بحيث يكون شريكاً في التحول، لا عائقاً.

وإلا فإنه يضع نفسه موضع الطاغية الذي يريد أن يحمي نظامه بالسلاح (الذي دُفع ثمنه من خبز هذا الشعب) وأن يفرض إرادته بقوة هذا السلاح.

وبهذا يعطي هو نفسه الشرعية للثورة عليه، والإطاحة به، وإقامة نظام آخر.

والنتيجة هي أنه سيضع نفسه بنفسه موضع الاتهام، في جميع ما حدث، على المستويات كلها، طول مسؤولياته في السلطة، خصوصاً في كل ما يتعلق بالإنسان وحقوقه وحرياته، وفي كل ما يتعلق بالثروات التي نُهبت على الصعيد المادي، أو التي هُدرت.


هكذا، لا بد من حدث داخل النظام ذاته يكون من الجذرية والأهمية، بحيث يستطيع أن يتطابق مع تطلعات الشعب ومع المرحلة التاريخية، وأن يجنّب سوريا الكارثة التي تتجه نحوها.

حدث يحقق التخلي المباشر والفوري عن العنف والقتل، وبالأخص عن ذلك المبدأ السيادي القيادي الذي هو ذروة من ذروات العنف السياسي ـ الثقافي، كما تفصح عنه المادة الثامنة من الدستور.

وهو مبدأ لا يوصف بأقل من أنه مهين للشعب السوري، ولتاريخ سوريا، وللعقل والفكر، وأنه نقض كامل لحريات الإنسان وحقوقه.

السفير

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…