سورية… بأس الشعب وبؤس النظام

  حنيف يوسف

ليس خافياً على أحد أن شهوراً عصيبة مرت على سورية بنظامها وشعبها ومعارضتها، وما زالت الأوضاع تتفاعل باتجاهات أكثر حسماً وأشد وضوحاً عما كانت عليها في البداية، ويبدو أن الأمور ستأخذ مدى زمنياً أطول إلى أن تستقر الأمور على حل ما، عكس ما يتوقعه أو يتصوره النظام أو بعض الفئات السياسية أو الشعبية حتى.

أمام هكذا حال تتراجع أهمية سرد الانتهاكات أو الفظاعات التي تحدث لأن ذلك بات معروفاً للجميع عبر مختلف الوسائل الإعلامية أو شبكات التواصل، وتبرز في المقابل أهمية الفعل اليومي أينما كان في الداخل والخارج في ساحة التفاعلات المختلفة وعملية الصراع المعقدة للغاية.
لقد بات معروفاً أن نظام بشارة الأسد هو امتداد لحقبة ثلاثة عقود من حكم أبيه، ولا ينكر ذلك حتى النظام نفسه، وما عدا شهور قليلة فإن النظام مشغول أساساً ببناء أدواته الأمنية وإطلاق يدها في كل شاردة وواردة، وتطوير أجهزة دولته الإيديولوجية من حزب وجبهة تقدمية ومشتقات ذلك بدءاً من طلائع البعث حتى المراحل الجامعية العليا مروراً بالشبيبة طبعاً وتوفير احتياطي للأجهزة الأمنية من فصائل البعث المسلحة.

لا يخفى على أحد حجم الآلة القمعية على المستويين الأمني متضمناً المؤسسة العسكرية، والمستوى الإيديولوجي الذي لا يقل دوره عن المستوى الأول.
ما أوردته أعلاه لا يعدو أن يكون إشارات إلى جوانب من طبيعة النظام التي أوصلت الشعب السوري إلى ثورة فاجأت القاصي والداني استقرت على مطلب إسقاط النظام.
أقول ذلك باختصار شديد ودون الخوض في حيثيات هي موضع جدل وقضايا خلافية على الساحة السورية بشكل عام على شكل أزمات حقيقية هي نتاج حالة تغييب العمل السياسي، أو شرعنته بشكل من الأشكال، وذلك أياً كانت مناهج التحليل السياسي والنظري التي قد يعتمدها المرء في تناول الموضوع.
وفي السياق ذاته تأتي الحالة الكردية التي هي واقع الشعب الكردي على أرضه التي ألحقت بخارطة الدولة السورية الراهنة بموجب الاتفاق الإنكليزي والفرنسي المعروف، الاتفاق الذي هو موضع رفض مطلق من قبل إخواننا العرب في شقه العربي، وفي ذات الوقت موضع قبول وتشبث في شقه الكردي بالنسبة لهم وكأن مساحة الوطن العربي لا تكفي العرب أو كأن لديهم مشكلة ديموغرافية تتمثل في قلة عدد النفوس، هنا أساس المشكلة، على إخواننا العرب وقواهم السياسية أن يدركوا أن الكرد أو الأكراد لا يحتلون أي شبر من تراب الأمة العتيدة ذات الرسالة الخالدة، وتجدر الإشارة إلى أن هناك من يعرف هذه الحقيقة ويقر بها من العرب وقواهم السياسية ولكن ليس كلهم ولا غالبيتهم حتى!
على المستوى الكردي المسألة لا تخلو من تعقيدات تراكمت عبر العمل السياسي للأحزاب من جهة وعلاقة ذلك بالنظام من جهة أخرى، إضافة إلى انعكاسات مشاكل أقاليم كردستان الأخرى على الوضع، خصوصاً تركيا والعراق.

وإذا كان واقع الحال على الأرض يبطل كل محاولات السيادة أو القيادة أو الريادة في تبوء فرص التمثيل السياسي والميل لاحتكاره على المستوى السوري بشكل عام، فإنه على المستوى الكردي يكتسي طابعاً أكثر تجذراً بالنظر إلى حرمان الكرد حتى من حق الاعتراف بهم كشعب مقيم على رقعة أرض له ملحقة بدولة عربية بموجب اتفاق استعماري يفترض أن يكون قد سقط بالتقادم، لا أن يعتمد أو  يتأصل في الوعي العربي!
بالاستناد على ما سبق تترتب واجبات صعبة على عاتق الأحزاب والتنظيمات السياسية الكردية والشخصيات المستقلة، تتمثل في تحديد سقف الخطاب المطلبي الكردي والتفاعل على أساسه مع الأحداث، إذ لا يعقل أن تستمر حالة الاختلافات الشاسعة في المطالب بين المعنيين بالأمر وأن تتفاوت من مطالب بالمصالحة مع النظام على أساس دون ضمانات، إلى جهة أخرى تطالب بالفيدرالية التي تعني تغيير هيكلية الدولة من الأساس، مروراً بمطالب الحكم الذاتي، أو الإدارة الذاتية الديمقراطية التي لا يعرف أحد كنهها أو ماهيتها.

المرحلة حرجة للغاية على المستوى الكردي بسبب من حالة الأقلية الديموغرافية والإشكالات الجغرافية، الأمر الذي يتطلب من الجميع، تنظيمات وأفراد، الاتفاق على برنامج مشترك ولو في الحد الأدنى، مع الاحتفاظ بكامل الاعتبارات الحزبية والخصوصية التنظيمية دون أن يكون ذلك على حساب استحقاقات الشأن العام الذي هو شأن الجميع.

يتوجب الأخذ في الاعتبار الحراك العارم الذي يجتاح كل العقبات التي كانت تعترض سبل العمل السياسي والفعل الميداني على مدى عقود، وأمام هذا الواقع يتوجب تغليب العام على الخاص حتى يتبلور الخاص في تجلٍ واقعي يضمن للجميع مصالحه.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…