مخاوف كوردية تجاه مواقف المعارضة السورية (4)

زارا مستو
zarakobani@hotmail.com

      إنّ خشيتنا تجاه بعض مواقف القوى والشخصيات العربية لقد تجسدت على أرض الواقع, هذه الخشية لم تكن بدعة أو مشهداً دراميا أبدعناه من خيالنا, بل كانت واقعة لها صلة بتجاربنا وآلامنا, في الوقت نفسه هذه المواقف تعبر عن نهج معين وثقافة معينة, فما جرى في اسطنبول ليس حدثا عرضياً أو سوء فهم جرى, بل هذه سياسة ممنهجة من قبل بعض الإسلاميين والقوميين العرب,هؤلاء لا يسيئون إلى المكون الكوردي فقط ,بل يسيئون إلى كافة مكونات الشعب السوري, بعربه وكورده وسريانه…,
هذه السياسات لن تجلب سوى عدم الثقة والشك بين أبناء الشعب السوري الواحد, من يهمّه مصلحة هذا الشعب, والتضحيات التي يبذلها لا يتصرف بهذا الشكل,كيف يُفسّر استبعاد الكورد  من اللجنة التحضيرية للمؤتمر, ولجنة صياغة البيان الختامي , ومنعهم من إلقاء كلمة في المؤتمر, وتغيير تسمية الجمهورية, وتنصّل مما أتفق عليه في دمشق, هذا التصرف يعبر عن حالة نحن نعانيها منذ نصف قرن, وأما من يعتقد بأن هذه الذهنية قد تغيرت فهذا بمثابة دعابة, ولذلك نقول إن الانسحاب كان قرارا صائباً, والحضور كان خطأ فادحاً.
     إن تطرقنا لهذا الموضوع لا يأتي من باب التعصّب القومي, بل نحن – الكورد – نحترم هذا الشعب العربي العظيم, الذي يربطنا به التاريخ والمصير والوطن, وهمّنا أن نكون متساوين في الحقوق والواجبات, ونكون شركاء حقيقيين في الوطن, لمّا طالب الكورد في اسطنبول بأن تكون سوريا لكل لسوريين ابتداء من اسمها, وأن يتم الاعتراف به كشعب له حقوقه, اتهموه وأساءوا الفهم, وهذا ما ذهب إليه أيضاً الإعلامي فيصل القاسم في مقالة له بعنوان “ الوحدة الوطنية خط أحمر” في جريدة الشرق القطرية, والأديب الفلسطيني رشاد أبو شاور في مقالة” سورية عربية عربية عربية” -المنشور في جريدة القدس19-7-2011.
لماذا يصرّ هؤلاء بأن نصبغ سوريا بالطابع العروبي, ونقبل بصهر باقي المكونات غير العربية في البوتقة العربية؟ وهل سيكون هذا الطابع سرّ نجاح هذه الدولة؟
 إنّ هذا الطابع العروبي الذي يتشبث به البعض أحرق السوريين والعرب معاً , وكان مجرد وسيلة لاضطهادهم , هذه التسمية لم تكن موجودة بعد الاستقلال نظرا لتنوعها القومي والطائفي والمذهبي الموجود في سوريا, بل كانت هذه التسمية من إبداعات هذا النظام نفسه.


كيف سيشعر العربي عندما نسمي هذه الدولة باسم الجمهورية الكوردية السورية, ونمنع اللغة العربية وثقافتها, ونمارس سياسية التكريد بحق الجغرافيا والشعب السوري عامة, ونحرّمهم من الجنسية السورية,ونغير أسماء القرى والجبال والوديان, ونقتلهم ونزجّهم في السجون والمعتقلات لمجرد مطالبتهم بتعليم لغتهم أو أبسط حقوقهم! – هذا ما يمارسه النظام مع الكورد بالضبط منذ أربعين سنة- كيف سيكون الشعور العربي تجاه الكورد؟ هل سيشعر العربي بأنه شريك في هذا الوطن؟ .
إن معيار الأستاذ فيصل القاسم م لعروبة سوريا هو أكثرية العرب, إذا كان هذا مقياسه سيكون اسم دولتنا  وفق هذه الصياغة “الجمهورية العربية السنية السورية”, مع احترامنا للجميع, إذاً ماذا سنفعل بباقي القوميات والطوائف والمذاهب, في سوريا؟ نعرّبهم مثلا على طريقة صدام حسين وفيصل القاسم؟
    والآن نسأل من يلعب بالنسيج العرقي والاجتماعي في سوريا, الكورد أم الذهنية التي يمثلها الأستاذ فيصل القاسم, فبدل أن يهتمّ بهذه القضية الوطنية ويتعاطف معها, ويطلب المساواة بين هذه المكونات فهو يذهب شمالا وجنوبا باتهامه الكورد بأنهم يهدّدون الوحدة الوطنية, وكأن الكورد طلاّب التقسيم والتجزئة, وهذا يثبت بأنه نهل من المنبع الذي نهل منه العفلق نفسه, حقيقة استخدم  القاسم مصطلحات قاموس الأنظمة الاستبدادية التي جلبت الويلات لشعوبها, في مقالته, والأغرب كأنه لم يقرأ عن الكورد أبداً.
   قد يعتقد البعض من أخواننا العرب بأن الكورد مهاجرون جاؤوا من دول مجاورة وهم ليسوا السكان الحقيقيين في سوريا, بل الشعب الكوردي يعيش على أرضه منذ مئات السنين له جغرافيا وتاريخ ولغة,كالعربي والآشوري… تماماً, وهو شعب أصيل موجود في هذه المنطقة, سمي وطنه باسم كوردستان, لكن بعد اتفاقية سايكس بيكو | الفرنسية البريطانية, تمّ تقسيم وطن الكورد كما وطن العرب, وتم التحاق جزء منه بسوريا, واليوم علينا أن نعيش معاً ضمن وطن اسمه سوريا, وهو يتسع للجميع دون أن نقصي أية قومية أو طائفة أو مذهب ,فالحاضر والمستقبل أهم من الماضي, لأن نبش الماضي سيقسّم ويؤّزم الحاضر, ولذلك علينا أن نبتعد عن الماضي, وأن نبحث عن مستقبل أفضل لسوريا العظيمة.
لكن في المقابل هناك أصوات عربية واعية أصيلة مسؤولة تدرك حقيقة هذه الشعارات, وتعرف حقيقة سوريا ومكوناتها, وتؤمن بالتعايش والشراكة الحقيقية, هذه الأصوات تستحق الاحترام والتقدير, فهؤلاء هم شركاء الكورد الحقيقيين, ولذا علينا أن نمدّ يدنا لهم لنبني معا هذا الوطن, ومن هذه الأصوات , صوت الأستاذ رياض سيف, ومنتهى الأطرش وأنور البني وحازم صاغية, وغيرهم, وكان لرياض سيف والدكتورة منتهى الأطرش;كلمتان مهمتان في عزاء الشهداء بدمشق عندما قال رياض سيف : (أيها الشعب الكردي العظيم, اليوم امتزج الدم الكردي والعربي على تراب بلدنا الغالي سورية, انتم أيها الشعب العظيم ستنالون حريتكم …… ونحن انتفضنا لأننا طلاب حرية وكرامة, طلاب حق ومساواة, نحن نطالب بدولة مدنية عصرية يتساوى فيها الجميع أمام القانون, ولا فرق بين كردي وعربي , وبين مسلم ومسيحي, فنحن جميعا سوريين وحملنا راية واحدة, لأننا شعب واحد وسنقف بوجه سياسات النظام الهادفة لتفرقتنا) ..

وكذلك تحدثت الدكتورة منتهى الأطرش في كلمة ألقتها في حي ركن الدين وقالت : (أيها الشعب الكردي, أيها الشعب الأبي, نحن نؤيد قضيتكم ونقف إلى جانبكم دائما.

ويجب أن نعمل سوية من أجل مصلحة هذا الوطن, لان الوطن هو كل الخير, وطني هو الأول والأخير, يجب أن نكون يدا واحدة, هذا النظام يحاول أن يفرقنا, يريد أن يبعدنا عن بعضنا..).
أمثال رياض سيف ومنتهى الأطرش و أنور البني وصاغية وغيرهم… يشعروننا فعلاً بأنّ للوطن قيمة ومعنى, وأننا حقاً شركاء حقيقيون في هذا الوطن, فهؤلاء يحافظون على الوحدة الوطنية ويجسدونها بمواقفهم الوطنية, أما أمثال فيصل القاسم ورشاد أبو شاور يسيئون إلى الوحدة الوطنية بمواقفهم العنصرية التي لا تمت إلى الشراكة  والمساواة والوحدة  والأخوة  لا من قريب ولا من بعيد.

تتبع…

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…