إبراهيم محمود
” إلى الأحبة في المظاهرات السلمية في الشارع السوري”
لا يخفى على المتتبّع للشارع السوري الملتهب التهاب فصله الصيفي ومظاهرات” يوميات” الجمعة التاريخية المقام، ذلك اللغطُ المتعلقُ بنوعية المشاركين فيها أو تركيبتها الاثنية والاجتماعية والسياسية والثقافية، إنه اللغط الذي يقابل ما يتردد في الشارع من كلام، وما هو منشود من حقيقة المظاهرة هذه أو تلك، والذين يتابعونها.
ما أكتبه ليس نقداً للمظاهرة السلمية الطابع، وبحرفيتها، كما هو المتوخى منها، لا! إنما هو توجيه الأنظار إلى حقيقة المشاركين في المظاهرة وما إذا كانت ترتبط – واقعاً- بالمنشود حقاً أم لا، ما إذا كانت سلمية المظاهرة تؤتي أكلها انطلاقاً من الذين يتدافعون في نهرها البشري وما إذا كان النهر هذا في مستوى اسمه وشرعية مطلبه! إن التركيز على مقولة” سلمية، سلمية، سلمية” تقتضي منا إماطة اللثام عن الكلمة الممثَّلة في الواقع العياني، والمقارنة بين إمكان سلمية المظاهرة، وما هو خلاف المبتغى فيها.
إنه نقد يذهب بقائله إلى وضع المشارك في المظاهرة السلمية، وباعتبارها سلمية على محك الواقع المرئي، وإلى أي درجة يكون الالتزام بالسلمي عملياً.
” إلى الأحبة في المظاهرات السلمية في الشارع السوري”
لا يخفى على المتتبّع للشارع السوري الملتهب التهاب فصله الصيفي ومظاهرات” يوميات” الجمعة التاريخية المقام، ذلك اللغطُ المتعلقُ بنوعية المشاركين فيها أو تركيبتها الاثنية والاجتماعية والسياسية والثقافية، إنه اللغط الذي يقابل ما يتردد في الشارع من كلام، وما هو منشود من حقيقة المظاهرة هذه أو تلك، والذين يتابعونها.
ما أكتبه ليس نقداً للمظاهرة السلمية الطابع، وبحرفيتها، كما هو المتوخى منها، لا! إنما هو توجيه الأنظار إلى حقيقة المشاركين في المظاهرة وما إذا كانت ترتبط – واقعاً- بالمنشود حقاً أم لا، ما إذا كانت سلمية المظاهرة تؤتي أكلها انطلاقاً من الذين يتدافعون في نهرها البشري وما إذا كان النهر هذا في مستوى اسمه وشرعية مطلبه! إن التركيز على مقولة” سلمية، سلمية، سلمية” تقتضي منا إماطة اللثام عن الكلمة الممثَّلة في الواقع العياني، والمقارنة بين إمكان سلمية المظاهرة، وما هو خلاف المبتغى فيها.
إنه نقد يذهب بقائله إلى وضع المشارك في المظاهرة السلمية، وباعتبارها سلمية على محك الواقع المرئي، وإلى أي درجة يكون الالتزام بالسلمي عملياً.
غير أني- وقبل البحث في مكاشفة الجاري- أريد التركيز على نقطة رئيسة، حتى أكون أكثر وضوحاً فيما أريد إظهاره، هي شرعية المظاهرة السلمية، شرعية كل مشارك يرفع صوته تعبيراً عن حرية مستلبة أو مصادرة منه لأجله ولأجل المحيطين به قريباً منه أو بعيداً عنه، وفي الوقت ذاته تكون مشاركته مقدَّرة على الصعيد القيمي، لأن ليس في الإمكان تقدير الجهد المبذول من قبله، وهو يخلص نيَّته للمظاهرة، ويكون هناك احتمال تعرضه لأنواع مختلفة من المخاطر، أو الإصابات، وهذا يضفي على عمله بعداً بطولياً يُعتدُّ به، خصوصاً حين يمدُّ أي منا ببصره في المحيط الجغرافي السوري وطرق التنكيل بالمتظاهرين وأعمال التصفية الجسدية والاعتقال وقائمة الإهانات التي يتعرض لها المتظاهرون في طول البلاد وعرضها، من قبل رموز النظام وسدنته ومن هم على أتم استعداد لإزهاق أرواح العشرات لا بل والمئات كما هو مثبت في التاريخ العملي الرهيب للنظام..
نعم، ليس كالمشارك قيمةً عملية، وخصوصاً المشارك الريادي، المختلف عن المتفرج، أو المتواري عن الأنظار، وخصوصاً أكثر، حين نرى كيف أن مسيرة” الإسلاح” لا تنفكُّ تحل محل مسيرة” الإصلاح” تباعاً، وأن سفح الدم يتقدم فتحَ الفم، وكل ذلك يمنح تبريراً أخلاقياً على أشد ما يكونه المنطق الأخلاقي التاريخي للمتظاهرين في المسيرة السلمية على الضد من عسف النظام وجوره، انطلاقاً قبل كل شيء من مفكَّرة مظاهرات مدينة قامشلي..
نعم، لا بد من التأكيد على حقيقة يستحيل التنكر لها في مشهد الصوت والصورة، والجامع بين صدر يندفع إلى الأمام وصوت صارخ مطالباً بحريته المستلبة، وأداة عنف دامية أو مميتة تستهدفه في صراع صار جلياً للعيان، وشاهداً على بؤس المصداقية فيما ينادي به النظام ومن يمثله على أرض الواقع، طوال الشهور الماضية!
غير أنني في سياق هذا الجرح الكبير والذي يغطي الجهات الأربع من الوطن الواحد : سوريا، أجدني في مواجهة ما يجب التعرض له، عندما ألمح من يحاول تعكير حقيقة المظاهرة السلمية ويخرجها عن مسارها الاعتباري.
أولاً من جهة الذين يعتبرون أنفسهم أنهم هم وحدهم من يحق لهم التحدث باسم شعب كامل، بهتافاتهم وشعاراتهم ولافتاتهم المختلفة، فيكون الذين يقفون خارجاً محل تهمة أو محل تهديد بالمحاسبة لاحقاً، وما ينطوي عليه فعل من هذا النوع من خرق لمفهوم الحرية واحترام الذات الفردية، ودخول في تنافس ضدي مع النظام ذاته، حيث لا حيادية في هذا المقام، إنما: إما ..
أو، وهذا يضعنا في خانة الذهنية التقليدية وليس العصرية المتعددة الخيارات.
ثانياً، من جهة الذين أريد التأكيد عليهم، باعتبارهم ممثّلي جواب السؤال الذي شكَّله عنوان المقال، أعني بهم بني جلدتي: الكرد، وكيف يكون الاختلاف على أشده بين المنخرطين في المظاهرة ومن يحاول بلبلتها بحقيقتها.
كان ذلك حصاد متابعة لأكثر من جمعة مسماة بأسماء مختلفة، غير أن الفكرة تكاد تكون واحدة، على صعيد صعوبة الاتفاق على وحدة في الشعار وما يُرى من لافتات ومن أعلام في نطاق ” الوحدة الوطنية”.
إنني لا أرمي إلى التحكيم فيما جرى في الجمعات الماضية وسواها، إنما هو السعي إلى استخلاص العبرة، أي التشخيص ومن ثم محاولة الاقتداء بالدرس التاريخي الذي يجعلنا أكثر تفهماً لمجريات الأحداث ودلالتها.
لا أظن أن قارئ هذه السطور يجهل ما أرمي إليه، إذ إن المشدد على الوحدة الوطنية، ثم يجد من يشاركه في مسيرة الوحدة الوطنية بمفهومها السوري هنا، يعرف تماماً أن ثمة توجهاً ينبغي التقيد به، وهو الإفصاح بالصوت والصورة عما يحدد الوحدة سالفة الذكر، والمثال الأحدث: مجريات أحداث يوم الجمعة في قامشلي بتاريخ 22-7/2011، وما اُستجِدَّ فيه من خلال إطلاق الغاز المسيل للدموع والفوضى التي سادت المظاهرة حينئذ ! ثمة انشقاق أو خرق للمتَّفق عليه حتى بالنسبة لجموع الكرد، وهم الغالبية في المظاهرة، على صعيد الشعارات والرايات المحمولة، وما ينطوي عليه اندفاع من هذا النوع من براغماتيكية لا تليق بسموّ الهدف: المطالبة بالنظام الذي يكفل الحرية والكرامة والمساواة في الحقوق والواجبات للجميع، حيث تتراءى شعارات يتردد صداها على طرفي الشارع، ولافتات تصدم المنتمين إلى اثنيات أخرى، ويجري تصويرها هنا وهناك، وأعلام لا تناسب وخاصية الوحدة الوطنية، وما يترتب على المشهد غير الانسجامي من رعب يتملك الآخر المشارك في المظاهرة لا بل ومن نفور وخروج من الحشد المتحرك، وربما الانخراط في الصف المعارض.
أتحدث عن شعارات كردية وأعلام كردية، وإيحاءات كردية لا تمثّل تنويعاً حياً في المشهد الوطني السوري، وتغني ساحته النضالية وسلمية طابعها، إنما تومئ بشق الصف الواحد والتشديد على التمايز، بحيث أن سقف المطالب لا يعود مرتبطاً بالاحتجاج والثورة على عنف الممارسات السلطوية وقمعها السائد للأهلين بقدر ما يكون مرتبطاً بالمستجد والمفاجئ أو الصادم لغير الكردي، رغم التشديد على وحدة الوطن، ودون أي اعتبار يذكَر للقوة اللازمة لتحقيق كل ذلك، كما لو أننا في سياق انتهاز الفرصة، ومبدأ التقية الذي يكشف عما يخالف ظاهره، وكما تشهد ساحة المواجهة وخطوط تحرك الكردي وأحجاره الدالة على استهتاره بسلطة الواقع والقيّيمين عليه! وما يعنيه هذا المتقدم به من حاجة الكردي الماسة إلى ذهنية أكثر مرونة، أو إلى عقل عملي يستطيع تفكيك العالم من حوله بسرعة أكثر وفائدة عملية له ولسواه أكثر مما كان عليه وضعه قبل 15 مارس 2011، وبالتالي فإنه يحتاج إلى إمعان النظر الفكري وليس التعبوي والشعاراتي في الجاري بتنوع قواه وبدقة أكثر، ليكون في مقدوره أن يصبح في مستوى التحديات التي يعيشها بينه وبين نفسه، بينه وبين مثيله الكردي الآخر، بينه وبين المختلف عنه في الانتماء الاثني والمتعايش معه في ذات الشارع أو الحي أو المدينة.
إنها مسألة مبدأ انتماء إلى عالم حداثات وافدة وجالبة التحدي معها، وفارضة سلطتها عليه، وهو انتماء إلى عالم مدني لا مفر من تمثله سريعاً!
إنه السؤال السالف: كردي كردستاني، أم كردي سوري؟ وهو السؤال الذي لا يمكنه الجمع بين شقّيه، إنما الاعتماد على أحدهما، ليكون المشهد قابلاً للوصف بما يتناسب والهدف الذي يجذب: يشد إليه الجميع بجلاء.
إن كردستانية الكردي تخرجه من نطاق المظاهرة، ومن سلميَّتها، ومن الطراد السياسي شعاراً ورفع راية مغايرة للمرفوع واحداً: العلم السوري راهناً، إذ إن الكردي في ظله يمكنه أن يرفع أي لافتة يطالب باسمها بخصوصية تعنيه وتميزه ككردي وليس كسوري أو كسوري إنما ككردي في الحقوق والواجبات.
الكردستانية نقيض المراهَن عليه سورياً في الجغرافيا والتاريخ، في التنويع والتعدد في المطالب، بقدر ما تكون الكردية في ميسمها السوري على اختلاف دلالي مع الكردستانية، لأنها في واقعها تشدد على وحدة الجغرافيا والمشاركة في إدارتها سياسياً.
أعني بذلك تحديداً أولئك القاصرين، الذين لم يبلغوا سن الرشد رغم أنهم تجاوزوا الثلاثين وحتى الخمسين من عمرهم، حيث إنهم لا يكفُّون عن تغليب أيديهم على سويَّة رؤيتهم، أو مد أيديهم إلى ما هو أبعد من حدود رؤيتهم، ومديح رغباتهم أكثر من صريح أفكارهم وحقيقة أفكارهم على صعيد جدواها الاقتصادية والسياسية …الخ.
لأقل بصيغة أخرى: إنه الكردي المأخوذ بخمر الأمس، شعوراً منه بقوته، إزاء ضعف الآخرين من حوله وهم يعتبَرون خصومه، وقد شغلهم أمرهم، ليكون أمر الكردي لاحقاً، وقد استرد خصومه المعنيون به كامل قوتهم، وهم لم يكونوا ضعافاً كما يتصور، لينالوا منه، وهو المتعتع بخمره الذي يطول نفاذ أثره فيه.
هذا يرجعنا في الحال، إلى عنصر الشقاقية في الصف الكردي، إلى الرهان الحاد والجلي السمات بين رموز كردية يسهل التعرف إليها من خلال بنية الأحزاب الكردية وطبيعة تعاملها مع الحدث السوري والنظام بالذات.
غير أن سؤال: كردي كردستاني، أم كردي سوري، يظل ينتظر جوابه وهو مؤجَّل، وربما يعدنا بما هو مأسوي ومؤلم وآلم معاً، بقدر ما نشهد انقلاباً على صيغة وحدة المصير وفسخاً متتابعاً لعقد شراكة سورية المأمول!
أحدد مجدداً: إنها ضرورة شعور الكردي أنه قطر في دائرة الهم الوطني وليس الدائرة كاملة، مهما تضخم شعوره بفعالية قطره، حيث الجزء لا يمكن أن يبز سلطة الدائرة، إنما هو وهم يتلبس من يعاني ضعف الاتصال بالواقع!
نعم، ليس كالمشارك قيمةً عملية، وخصوصاً المشارك الريادي، المختلف عن المتفرج، أو المتواري عن الأنظار، وخصوصاً أكثر، حين نرى كيف أن مسيرة” الإسلاح” لا تنفكُّ تحل محل مسيرة” الإصلاح” تباعاً، وأن سفح الدم يتقدم فتحَ الفم، وكل ذلك يمنح تبريراً أخلاقياً على أشد ما يكونه المنطق الأخلاقي التاريخي للمتظاهرين في المسيرة السلمية على الضد من عسف النظام وجوره، انطلاقاً قبل كل شيء من مفكَّرة مظاهرات مدينة قامشلي..
نعم، لا بد من التأكيد على حقيقة يستحيل التنكر لها في مشهد الصوت والصورة، والجامع بين صدر يندفع إلى الأمام وصوت صارخ مطالباً بحريته المستلبة، وأداة عنف دامية أو مميتة تستهدفه في صراع صار جلياً للعيان، وشاهداً على بؤس المصداقية فيما ينادي به النظام ومن يمثله على أرض الواقع، طوال الشهور الماضية!
غير أنني في سياق هذا الجرح الكبير والذي يغطي الجهات الأربع من الوطن الواحد : سوريا، أجدني في مواجهة ما يجب التعرض له، عندما ألمح من يحاول تعكير حقيقة المظاهرة السلمية ويخرجها عن مسارها الاعتباري.
أولاً من جهة الذين يعتبرون أنفسهم أنهم هم وحدهم من يحق لهم التحدث باسم شعب كامل، بهتافاتهم وشعاراتهم ولافتاتهم المختلفة، فيكون الذين يقفون خارجاً محل تهمة أو محل تهديد بالمحاسبة لاحقاً، وما ينطوي عليه فعل من هذا النوع من خرق لمفهوم الحرية واحترام الذات الفردية، ودخول في تنافس ضدي مع النظام ذاته، حيث لا حيادية في هذا المقام، إنما: إما ..
أو، وهذا يضعنا في خانة الذهنية التقليدية وليس العصرية المتعددة الخيارات.
ثانياً، من جهة الذين أريد التأكيد عليهم، باعتبارهم ممثّلي جواب السؤال الذي شكَّله عنوان المقال، أعني بهم بني جلدتي: الكرد، وكيف يكون الاختلاف على أشده بين المنخرطين في المظاهرة ومن يحاول بلبلتها بحقيقتها.
كان ذلك حصاد متابعة لأكثر من جمعة مسماة بأسماء مختلفة، غير أن الفكرة تكاد تكون واحدة، على صعيد صعوبة الاتفاق على وحدة في الشعار وما يُرى من لافتات ومن أعلام في نطاق ” الوحدة الوطنية”.
إنني لا أرمي إلى التحكيم فيما جرى في الجمعات الماضية وسواها، إنما هو السعي إلى استخلاص العبرة، أي التشخيص ومن ثم محاولة الاقتداء بالدرس التاريخي الذي يجعلنا أكثر تفهماً لمجريات الأحداث ودلالتها.
لا أظن أن قارئ هذه السطور يجهل ما أرمي إليه، إذ إن المشدد على الوحدة الوطنية، ثم يجد من يشاركه في مسيرة الوحدة الوطنية بمفهومها السوري هنا، يعرف تماماً أن ثمة توجهاً ينبغي التقيد به، وهو الإفصاح بالصوت والصورة عما يحدد الوحدة سالفة الذكر، والمثال الأحدث: مجريات أحداث يوم الجمعة في قامشلي بتاريخ 22-7/2011، وما اُستجِدَّ فيه من خلال إطلاق الغاز المسيل للدموع والفوضى التي سادت المظاهرة حينئذ ! ثمة انشقاق أو خرق للمتَّفق عليه حتى بالنسبة لجموع الكرد، وهم الغالبية في المظاهرة، على صعيد الشعارات والرايات المحمولة، وما ينطوي عليه اندفاع من هذا النوع من براغماتيكية لا تليق بسموّ الهدف: المطالبة بالنظام الذي يكفل الحرية والكرامة والمساواة في الحقوق والواجبات للجميع، حيث تتراءى شعارات يتردد صداها على طرفي الشارع، ولافتات تصدم المنتمين إلى اثنيات أخرى، ويجري تصويرها هنا وهناك، وأعلام لا تناسب وخاصية الوحدة الوطنية، وما يترتب على المشهد غير الانسجامي من رعب يتملك الآخر المشارك في المظاهرة لا بل ومن نفور وخروج من الحشد المتحرك، وربما الانخراط في الصف المعارض.
أتحدث عن شعارات كردية وأعلام كردية، وإيحاءات كردية لا تمثّل تنويعاً حياً في المشهد الوطني السوري، وتغني ساحته النضالية وسلمية طابعها، إنما تومئ بشق الصف الواحد والتشديد على التمايز، بحيث أن سقف المطالب لا يعود مرتبطاً بالاحتجاج والثورة على عنف الممارسات السلطوية وقمعها السائد للأهلين بقدر ما يكون مرتبطاً بالمستجد والمفاجئ أو الصادم لغير الكردي، رغم التشديد على وحدة الوطن، ودون أي اعتبار يذكَر للقوة اللازمة لتحقيق كل ذلك، كما لو أننا في سياق انتهاز الفرصة، ومبدأ التقية الذي يكشف عما يخالف ظاهره، وكما تشهد ساحة المواجهة وخطوط تحرك الكردي وأحجاره الدالة على استهتاره بسلطة الواقع والقيّيمين عليه! وما يعنيه هذا المتقدم به من حاجة الكردي الماسة إلى ذهنية أكثر مرونة، أو إلى عقل عملي يستطيع تفكيك العالم من حوله بسرعة أكثر وفائدة عملية له ولسواه أكثر مما كان عليه وضعه قبل 15 مارس 2011، وبالتالي فإنه يحتاج إلى إمعان النظر الفكري وليس التعبوي والشعاراتي في الجاري بتنوع قواه وبدقة أكثر، ليكون في مقدوره أن يصبح في مستوى التحديات التي يعيشها بينه وبين نفسه، بينه وبين مثيله الكردي الآخر، بينه وبين المختلف عنه في الانتماء الاثني والمتعايش معه في ذات الشارع أو الحي أو المدينة.
إنها مسألة مبدأ انتماء إلى عالم حداثات وافدة وجالبة التحدي معها، وفارضة سلطتها عليه، وهو انتماء إلى عالم مدني لا مفر من تمثله سريعاً!
إنه السؤال السالف: كردي كردستاني، أم كردي سوري؟ وهو السؤال الذي لا يمكنه الجمع بين شقّيه، إنما الاعتماد على أحدهما، ليكون المشهد قابلاً للوصف بما يتناسب والهدف الذي يجذب: يشد إليه الجميع بجلاء.
إن كردستانية الكردي تخرجه من نطاق المظاهرة، ومن سلميَّتها، ومن الطراد السياسي شعاراً ورفع راية مغايرة للمرفوع واحداً: العلم السوري راهناً، إذ إن الكردي في ظله يمكنه أن يرفع أي لافتة يطالب باسمها بخصوصية تعنيه وتميزه ككردي وليس كسوري أو كسوري إنما ككردي في الحقوق والواجبات.
الكردستانية نقيض المراهَن عليه سورياً في الجغرافيا والتاريخ، في التنويع والتعدد في المطالب، بقدر ما تكون الكردية في ميسمها السوري على اختلاف دلالي مع الكردستانية، لأنها في واقعها تشدد على وحدة الجغرافيا والمشاركة في إدارتها سياسياً.
أعني بذلك تحديداً أولئك القاصرين، الذين لم يبلغوا سن الرشد رغم أنهم تجاوزوا الثلاثين وحتى الخمسين من عمرهم، حيث إنهم لا يكفُّون عن تغليب أيديهم على سويَّة رؤيتهم، أو مد أيديهم إلى ما هو أبعد من حدود رؤيتهم، ومديح رغباتهم أكثر من صريح أفكارهم وحقيقة أفكارهم على صعيد جدواها الاقتصادية والسياسية …الخ.
لأقل بصيغة أخرى: إنه الكردي المأخوذ بخمر الأمس، شعوراً منه بقوته، إزاء ضعف الآخرين من حوله وهم يعتبَرون خصومه، وقد شغلهم أمرهم، ليكون أمر الكردي لاحقاً، وقد استرد خصومه المعنيون به كامل قوتهم، وهم لم يكونوا ضعافاً كما يتصور، لينالوا منه، وهو المتعتع بخمره الذي يطول نفاذ أثره فيه.
هذا يرجعنا في الحال، إلى عنصر الشقاقية في الصف الكردي، إلى الرهان الحاد والجلي السمات بين رموز كردية يسهل التعرف إليها من خلال بنية الأحزاب الكردية وطبيعة تعاملها مع الحدث السوري والنظام بالذات.
غير أن سؤال: كردي كردستاني، أم كردي سوري، يظل ينتظر جوابه وهو مؤجَّل، وربما يعدنا بما هو مأسوي ومؤلم وآلم معاً، بقدر ما نشهد انقلاباً على صيغة وحدة المصير وفسخاً متتابعاً لعقد شراكة سورية المأمول!
أحدد مجدداً: إنها ضرورة شعور الكردي أنه قطر في دائرة الهم الوطني وليس الدائرة كاملة، مهما تضخم شعوره بفعالية قطره، حيث الجزء لا يمكن أن يبز سلطة الدائرة، إنما هو وهم يتلبس من يعاني ضعف الاتصال بالواقع!