الكلمة التي لم تجد طريقها إلى مؤتمر الإنقاذ الوطني السوري

د.

عبدالباسط سيدا

كان من المفروض أن تلقى هذه الكلمة في مؤتمر الإنقاذ الوطني السوري الذي انعقد في استانبول بـتاريخ 16-7-2001، وذلك في فترة ما بعد الظهر.

غير أن انسحاب القسم الأكبر من الكرد احتجاجاً على ممارسات أعضاء في اللجنة المنظمة للمؤتمر، خاصة من جهة تهميشهم  للدور الكردي لأسباب نجهلها؛ دفعني بداية إلى تعديل الكلمة بعض الشيء؛ ولكن بعد التواصل مع الداخل، والوقوف على طبيعة ردود أفعال بعض من نعتبرهم رموزا للمعارضة من الانسحاب المشار إليه ، آثرت الانسحاب من دون أي ضجيج أو ظهور إعلامي؛ والتزاما مني بحق شعبنا في الإطلاع على حقيقة ما جرى، وجدت ضرورة نشر كلمتي هذه.
بداية أترحم على أرواح جميع الشهداء من أبناء شعبنا، شهداء العزة والكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية.

أيها ألأخوة أيتها الأخوات

كنا نتمنى أن يكون الوقت كافياً لمعالجة أمورنا بمزيد من الهدوء والتمعن.

ويبدو أن اختصار المؤتمر بيوم واحد أحدث حالة من الإرباك والتخبط مصدرها التسرع.

ولعل ما حدث بالنسبة إلى انسحاب قسم من الأخوة الكرد له بعض مشروعيته، ولكن في جميع الأحوال كان ينبغي استيعاب الموقف عبر الحوار والتفاهم والحيلولة دون الانسحاب بأي شكل.

وذلك لأن أي خلاف بين السوريين في يومنا هذا يستفيد منه النظام، وأعتقد أنه لا يوجد، أو أنه من المفروض أنه لا يوجد، بيننا أحد ممن يريد تقديم أية فائدة للنظام.
إننا نحتاج إلى المزيد من التواصل والتفاهم، وعلينا أن نستوعب أن الوحدة الوطنية السورية هي الحاضنة القادرة على منح الدفء لسائر الخصوصيات السورية في إطار مشروع وطني ديمقراطي تعددي، يكون بكل السوريين ولكل السوريين.

أيها الأخوة أيتها الأخوات:
لقد دخلت ثورة شعبنا الأبي، ثورة الكرامة السورية شهرها الخامس بمزيد من الإصرار والتصميم في مواجهة نظام قمعي بكل المقاييس.

نظام لم يتحمل صرخة اليافع حمزة، ولم يتقبل ترنيمة قاشوش الخالدة.

نظام لم يفقد الشرعية كما نسمع هنا وهناك، لأنه في جوهره نظام لم يمتلك الشرعية قط، مهما تفنن جهابذة القانون من أجل إيجاد مخرج له.
إنه نظام الأمر الواقع الذي فُرض على السوريين بقوة الحديد والنار عبر عقود طويلة مظلمة، هي عمر سلطة الاستبداد والإفساد.


لقد دخلت ثورتنا المباركة شهرها الخامس والموقف العربي الرسمي مخيّب للآمال، والموقف الدولي هو الآخر ما زال روّاغاً يتلاعب بالألفاظ.

لكن الضمانة تتشخص في إرادة شعبنا الأبي الذي أعطى – ويعطي- العالم كله دروساً في البطولة والشهادة، في المروءة والوفاء.

شعبنا يؤكد في كل جمعة، في كل يوم، بل في كل ساعة بأنه لم يعد بينه وبين هذا النظام – بعد كل هذه الجرائم التي اقترفها هذا الأخير-  سوى الاتفاق على آلية وتوقيت الرحيل.

إنه نظام دكتاتوري مستعد للإقدام على كل الموبقات، مستعد للهاث- بل يلهث- خلف الجميع، يلبي لهم كل مطالبهم لقاء سكوتهم عن جرائمه، وإطلاق يده في قمع السوريين والسوريات.
إن مقارعة هذا النظام في إطار ثورة الكرامة السورية، الثورة السورية الكبرى الثانية، لن تكون ناجعة مشجعة من دون وحدة وطنية حقيقية قولاً وفعلاً.

وهذه الوحدة لن تتحقق من دون القطع مع ذهنية نظام الاستبداد، من دون القطع مع منظومته المفهومية التي تتمظهر آثارها السلبية واضحة في سياسة الإقصاء والتهميش والاضطهاد المزدوج.
سورية أيها الأخوة والأخوات بلد متعدد المكونات والثقافات بكل المقاييس، وهذه نعمة علينا أن نتباهى بها، لا عاهة نخفيها بغرائز لم تعد تنسجم وعالمنا المعاصر هذا.

 
نعم إن الثقافة العربية السنية تحديدا هي ثقافة الأغلبية، ولا خوف على الإطلاق يهدد العروبة والإسلام في سورية، ولا مصلحة لأي مكون سوري- وفي المقدمة المكون الكردي-  في إقامة حاجز بين سورية ومحيطها العربي وفضائها الإسلامي.

ولكن هناك ثقافات أخرى خاصة بالطوائف المسيحية والإسلامية المختلفة، هناك ثقافات قومية منها الثقافة الكردية التي تخص اكبر مكوّن قومي في سوري بعد المكوّن العربي؛ إنها ثقافة تخص أكثر من ثلاثة ملايين مواطن، يعانون اضطهاداً مركباً ومزدوجاً في الوقت ذاته.
نحن بحاجة ماسة إلى توجه وطني عام يطمئن الجميع، توجه يحث الجميع على المشاركة الفعلية في ثورة الكرامة السورية، ثورة الحرية والعدالة الإجتماعية.
لن أتوقف عند التفاصيل احتراما لما طالب به بعض الأخوة، ولكن أقول: لابد من طمأنة شعبنا بمشروع وطني سوري ديمقراطي تعددي متكامل، مشروع يحترم الخصوصيات جميعها على قاعدة الالتزام بالوحدة الوطنية الفعلية أرضاً وشعباً.
سورية الجديدة المنشودة من قبلنا جميعاً هي سورية الربيع المنتظر، سورية الديمقراطية التعددية المدنية، التي تكون بكل ولكل أبنائها.

الرحمة لشهدائنا، العزيمة لشبابنا وشاباتنا، وعاشت سورية حرة كريمة عزيزة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف ما أن تسقط الأنظمة الدكتاتورية بعد عقود من القمع والدماء، حتى تبدأ الأسئلة الكبرى بالظهور حول مستقبل المجتمع وما خلفته تلك السنوات من أزمات نفسية، اجتماعية، وسياسية. إذ أنه وبعد أربع عشرة سنة من القتل والدمار، انهار النظام السوري، كما كان متوقعاً، تحت ثقل الجرائم التي ارتكبها، متوهماً أن وصفة القمع التي ورثها عن أبيه ستظل…

اكرم حسين مع سقوط نظام الأسد، واجهت سوريا مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات، تتطلب رؤية واضحة ، وإدارة حكيمة ، لتجنب الانزلاق نحو الفوضى أو التقسيم، وهو السيناريو الذي عانت منه العديد من الدول التي شهدت تغييرات جذرية في أنظمتها السياسية. فالتجارب التاريخية تُظهر أن الفترات الانتقالية غالباً ما تكون مصحوبة بصراعات بين القوى السياسية المختلفة التي شاركت في إسقاط…

شكري بكر بعد قراءة متأنية بالشأن الكوردستاني بشكل عام والكوردي في سوريا بشكل خاص نرى بأن حزب العمال الكوردستاني يعمل مع القضية الكوردية ببروباغندا يهدف لحرمان الشعب الكوردي من ممارسة حقه في تقرير مصيره بنفسه . من هنا نرى بأن الحوار الكوردي الكوردي أن يشمل المجلس الوطني الكوردي كإطار يمثل عدة أحزاب كوردية بالإضافة إلى بعض الكيانات…

إبراهيم اليوسف بين عامين: عبورٌ من ألمٍ إلى أمل…! ها نحن نودّع عامًا يمضي كما تمضي السحب الثقيلة عن سماءٍ أرهقتها العواصف، ونستقبل عامًا جديدًا بأحلامٍ تتسلل كأشعة الفجر لتبدّد عتمة الليل. بين ما كان وما سيكون، نقف عند محطة الزمن هذه، نتأمل في مرآة أيامنا الماضية، تلك التي تركت على جبين الذاكرة بل القلب ندوبًا من الألم والتشظي، وفي…