آفاق العمل السياسيّ الكرديّ في أجواء الشك والريبة (بمثابة توضيح)

  د.آزاد أحمد علي
pesar@hotmail.com

يعاني منذ أمد بعيد كل من يعمل في الشأن الكوردي العام من عدم توافر مناخ مناسب للعمل السياسي سواء كشخص مستقل أو منتم إلى تنظيم حزبي.

اليوم في الظروف الراهنة التي تمر بها سورية، وحراك الشارع الكوردي المواكب له لا تبدو ظروف العمل والتحرك أفضل حالا مما كانت عليه أيام الجاهلية السياسية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والتي اتسمت بسيادة خطابي التخوين والشرعية الحزبية.

فمازالت ثقافة التشكيك وتخوين الرأي المخالف تهيمن على ذهنية بعض المشتغلين في الشأن الكوردي السوري.
بل تطورت هذه الثقافة تكنولوجيا لتتحول إلى “إرهاب” فكري وإعلامي، حيث يمارس بعض المدونون من الشباب أو الكهول المتحمسين ضغطا غير مبرر، ويروجون لآراء قاسية بحق أي شخص أو حزب يمارس قناعاته وخياراته السياسية والفكرية بطريقة مختلفة وغير مطابقة لتصوراتهم المسبقة، ما أدى كنتيجة إلى إرباك القيادة الكردية وعدد من كوادرها وأصابتهم بحالة من الشلل النصفي وضعف المبادرة السياسية.
 بصفة شخصية تعرضت لنقد قاسي وظالم وربما لأول مرة في حياتي، ففي الوقت الذي اشكر كل من وجد في حضوري الشخصي “اللقاء التشاوري” الذي نظمته السلطة موقفا صحيحا، أقدر وأتفهم رأي من لم يرى ذلك صحيحا، واعتبر أن الحضور “لا يليق بي” سواء بالاتصال الهاتفي أو بغيره من وسائل التعبير.

ولكن ما آلمني حقا وكان موضوع أسف وحزن أن البعض -وإن كان قليل العدد- اتخذ موقفا عدوانيا ومسيئا تجاوز حدود اللياقة والأمانة.

وأملي بان تكون كهذا مواقف نابعة من الجهل وعدم المعرفة بشخصي وآرائي السياسية وكتاباتي طوال الثلاثين السنة الماضية، كما أتمنى أن لا يتكرر هكذا مواقف وان لا يمارس هذا “الإرهاب” الفكري والسياسي غير المسؤول تجاه أي شخصية كردية عامة أو حزب.

بصرف النظر عن نبل مواقف صاحب الرأي أو إمكاناته.

فكيف يتصور البعض أن أكون سلبيا تماما اتجاه أي حوار وأنا الذي عمل وطالب بالحوار مع “الجميع” دون شروط, منذ حوالي ربع قرن، ويترجم دعوته وقناعاته هذه عمليا على صفحات مجلة الحوار منذ حوالي عشرين سنة، كيف لي كمثقف كردي يرفض أول دعوة “شخصية” لحضور مجرد “لقاء” تشاوري أطرح فيه وجهة نظر وقناعاتي الشخصية، وهواجس كثيرين غيري دون أن أكون ممثلاً لأي حزب سياسي كردي، وأولها إسماع الحضور الكثيف  “ومنهم أساتذة جامعيين زملائي و كتاب واعلاميين وكذلك ممثلي السلطة الحاكمة ومستقلين”  مصطلح  “الشعب الكردي في سوريا” وحقوقه السياسية والثقافية المشروعة وأنهم جزء لا يتجزأ من تاريخ المنطقة وسورية منذ ما يزيد عن الألف عام، كما قلت في كلمتي.

ولا أخفي أن هذه الكلمة لم تسر خاطر قسم من الحضور ومنهم من أبدى إزعاجه وأعقب على كلمتي.

أسأل المنتقدين من النشطاء الكرد: ما الخطأ في إلقاء كلمة في الشأن الكردي ووفق قناعاتنا التي هي من صلب الخطاب السياسي الكردي والثقافي الذي أساهم  برفده عبر كتاباتي في الشأن الكردي، ولا سيما الجانب الفكري والتاريخيّ منه، على صفحات مجلة “الحوار” المستمرة في الصدور منذ عام 1993، رغم الظروف الصعبة جداً والإمكانات غير المتاحة، ومع ذلك كانت أولى المجلات الكردية التي تحتضن آراء المثقفين والنشطاء المعارضين العرب لإرساء ثقافة وطنية ديمقراطية في سوريا تتفهم خصوصية القضية الكردية؟ بل كتبنا ومنذ سنوات في مجلتنا عن المشروع الديمقراطي المأمول في سوريا بالصورة التي نراها منسجمة مع خصوصية قضية شعبنا.
  أرى أنه من الواجب إسماع جميع المعنيين اليوم بالشأن الوطني السوري من سلطة ومعارضة بحقوق شعبنا ووجوده القومي كي لا يتم تجاهل هذا الأمر في أية مشروعات وطنية قادمة.

لا ينبغي أن يتم إخفاء حقوق الشعب الكرديّ في سوريا لأي سبب كان.
وكما قلت في كلمتي، ومازلت، بوضوح عن ضرورة الاعتراف بالمعارضة السورية وكتابة دستور جديد للبلاد والإقرار بالتعددية السياسية الحقيقية.

ودعيت، وأدعو، إلى الوقف الفوري لكافة أعمال العنف وضبط النفس وتوفير مناخ آمن لكل المدنيين والعسكريين.

وإجراءات تحمي السلم الأهلي وتؤدي إلى الإفراج عن المعتقلين جميعا .

فهل هذه المطالب تصبّ في خدمة السلطة أم في مصلحة المجتمع السوري؟ وكيف نعطّل دورنا في المساهمة الجدية في إيجاد حل مشرف للأزمة الراهنة؟! 
من جهة أخرى: كيف لآخر أن يتصور في الوقت نفسه أني استيقظت من النوم واتخذت هكذا قرار بمفردي دون استشارة المعنيين بالشأن الكردي العام، وأنا الذي دعا وعمل منذ أيام الأيديولوجيات الساخنة والحرب الباردة إلى الديمقراطية داخل الأحزاب الكردية، وقد ترجمت ذلك فعليا في “القيادة الجماعية” والتخلي الطوعي عن عضوية القيادة لرفاقي الأكثر قدرة على العطاء الحزبي والتنظيمي؟ فإيماني بالحوار سبيلا لحل كل مشاكلنا لن يتزعزع مها اختلفت المعطيات وتنوعت المصاعب.
مهما كانت الظروف والمبررات لابد أن نترك لكل شخصية وكل حزب هامشه الخاص ولابد أن ندعم الخصوصية الفردية والحزبية ونحترمها وصولا إلى ترسيخ خصوصية الموقف الكردي من الأحداث.

فما زلت مقتنعا انه يجب أن يكون للحركة الكردية منظورها الخاص ومبادرتها المميزة لحل المسألة الوطنية السورية اليوم وبصرف النظر عن درجة التنسيق والالتزام مع هذا الطرف السوري المعارض أو ذاك.
أخيرا عندما كنا شبابا كنا ننزعج من قول أحد قادة الحركة الكردية بأنه لن يسمح أن يقود الحركة الكردية مجموعة من الطلاب المتطرفين، في مرحلتنا العصيبة هذه وعلى نفس المبدأ ـ وعذرا من المعنيين ـ اعتقد انه من الخطأ أن نرتهن لآراء مجموعة من المدونين المتحمسين ونشطاء “الفضاء الالكتروني” كما انه من المؤسف أيضا أن يكون دورهم ترهيبيا في رسم خيارات الحركة الكردية الإستراتيجية.

وهنا لا أقصد الشباب الكردي المحتج سلمياً وحضارياً في المناطق الكردية بل العكس أكنّ لهم كل الاحترام والتقدير وأبدي تقديري لحراكهم وإعجابي بالكثير من شعاراتهم.

إلا أنّ هناك من لا يعرف معطيات الواقع جيداً، أو يتجاهلها للبحث عن دور “بطولي” خارج ساحة العمل الفعلية أو لغايات شخصية نعرف بعضها.

وفي حال أثبتت الأيام أنني على خطأ أو كان حضوري في غير المصلحة الكردية فأنا وحدي أتحمل مسؤولية الموقف.
  فمن حق الجميع ـممارسة رقابة الضمير وإجراء تقييم موضوعي لأداء الحركة وكوادرها والشخصيات الثقافية الكردية، كما انه من صلب حقهم أن يعبروا عن رأيهم المخالف دون الإساءة إلى الآخرين من المخالفين لرأيهم وتصوراتهم، وعدم شطب آراءهم والإقلال من إمكاناتهم الفكرية والسياسية وبالتالي خياراتهم التي قد تفضي إلى نتائج ايجابية.

لأن الصورة الحقيقية والمنظور الدقيق للقضية السورية المركبة والمعقدة اليوم لا تكتمل إلا بتجميع وتقاطع كل الآراء والرؤى.

وكذلك بالنسبة لمجمل إستراتيجية حل المسألة الكردية راهنا ومستقبلا.
كما أنني مضطر للقول من جديد بأنه يكفي للعقل الكردي أن يتعلق بشكل الظواهر فلابد من التركيز على المضمون والنفاذ إلى داخل الظاهرة، لابد من تجاوز المقدمات والرهان على النتائج ففيها تكمن المحصلة والهدف.


 لنعمل معا بصدق لخلق مناخ ديمقراطي خالي من التشكيك وفيه الكثير من الثقة والتفويض لتوفير اكبر قدر من الحركة والمرونة للحركة الكردية وكوادرها ونشطاء الشارع الكوردي، وصولا إلى تشكيل فريق عمل رشيق ومتناغم ليؤدي أداءه السريع، ويبادر بشجاعة في هذا الظرف العصيب.

وإلا سيخرج الطرف الكردي الخاسر الأول من معركة الحرية والديمقراطية التي تجري في سورية اليوم.
 
*كاتب وباحث جامعي كردي سوري- الحسكة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف ما يلاحظ من صمت من قبل المثقف السوري أمام التحولات العميقة التي شهدتها البلاد خلال العقود الأخيرة يمثل في حقيقته ظاهرة لافتة، تكشف عن حجم التعقيد الذي يكتنف المشهد السوري. هذا الصمت- ولا أقصد الخطاب التهليلي الببغاوي- الصمت الذي قد يراه بعضنا خياراً واعياً بينما يجده آخرون منا نتيجة ضغوط وقيود، وهو لم يكن مجرد فعل فردي، بل…

خليل مصطفى منذ 13 عاماً ونخب كورد سوريا (المثقفون المُستقلون) لا زالوا يسألون: عن سبب عدم وحدة أحزابهُم السياسية.؟ وعن سبب ديمومة الخصومة بين زعماء أحزابهم.؟ يقول الله تعالى (عن المشركين): ( ما ينظُرُون إلا صيحة واحدة تأخُذُهُم وهم يَخِصِّمُون. يس 49 ). التفسير (التأويل): 1 ــ ما ينظُرُون: ما ينتظرُون إلا صعقة (نفخة) إسرافيل تضربهم فجأة، فيموتون في مكانهم….

بوتان زيباري في زوايا المشهد السوري المعقّد، تتشابك الخيوط بين أيدٍ كثيرة، بعضها ينسج الحكايات بدماء الأبرياء، والبعض الآخر يصفّق للقتلة كأنهم أبطال ميثولوجيون خرجوا من أساطير الحرب. في قلب هذا العبث، يقف أكثر من خمسة آلاف مقاتل أجنبي ضمن صفوف هيئة تحرير الشام، وكأنهم غيوم داكنة جلبتها رياح التاريخ المشؤوم. هؤلاء لم يأتوا ليحملوا زيتون الشام في أيديهم…

اكرم حسين تستدعي الإجابة عن سؤال أيُّ سوريا نُريد؟ صياغة رؤية واضحة وشاملة تُعالج الجذور العميقة للأزمة السورية ، وتُقدّم نموذجاً لدولة حديثة تُلبي تطلعات جميع السوريين ، بحيث تستند هذه الرؤية إلى أسس الشراكة الوطنية، والتعددية السياسية، والمساواة الاجتماعية، وتجاوز إرث الاستبداد والصراعات التي مزّقت النسيج المجتمعي على مدار أكثر من عقد. لأن سوريا الجديدة يجب أن تبدأ…