صحّ النوم يا قلق ….. يا لقلق

مصطفى أحمد

في السادس عشر من هذا الشهر ، أعربت حكومة إقليم كردستان ، و على لسان المتحدث باسمها السيد كاوة محمود ، عن قلقها من انتهاكات محتملة ، تطال حقوق الأكراد في سوريا ، و أضاف بأن حقوق الأكراد في سوريا دون المستوى المطلوب ، مشددا على أن حكومة الإقليم لا تتدخل في الشأن السوري ، و أنها تحترم حقوق بقية الدول.

و في الحقيقة فإن هذا الموقف المبدئي ، و الواضح ، و الحازم من جانب حكومة الإقليم ، جاء منسجما تماما مع أهمية الحدث – و لو أنه جاء متأخرا لبعض الوقت – و هو يؤكد بشكل لا لبس فيه على التضامن القومي الذي تبديه حكومة الإقليم ليس فقط مع القضايا القومية في هذا الجزء ، و إنما في أجزاء كردستان كافة .
منذ ما يزيد عن أربعة أشهر ، و سوريا تعيش أزمة سياسية عاصفة ، و حادة ، و مفتوحة على كل الاحتمالات .

المظاهرات و الاحتجاجات مستمرة و تغطي كل منطقة في سوريا ، القتلى بالمئات ، و المعتقلون و المهجرون بالآلاف ، و الحدث يحتل المساحة الأهم في الساحة السياسية الدولية و الإقليمية ، عقوبات بحق قيادة النظام ،و تنديد بممارساتها القمعية و تحذيرات متكررة باتخاذ قرارات فعالة بحقها إن هي استمرت في اعتماد الحل الأمني ، و يخرج إلينا السيد كاوة ليعبر عن قلق حكومة الإقليم من انتهاكات محتملة لحقوق الأكراد في سوريا، و كأن سوريا تقع في كوكب آخر ، و أنها لا تتصل بالإقليم الكردي بحدود ، و أن الملايين من الأكراد لا يرتبط مصيرهم بما ستؤول إليها الأحداث ، فهو يختزل كل ذلك في كلمة واحدة – قلق –
في تركيا ، الدولة تراقب الحدث وتطوراته عن قرب ، وتستعد لكل طاريئ ، بدءا من استقبال الفارين ، و انتهاء بالتأهب للتدخل العسكري ، ناهيك عن التصريحات الصادرة عن مسؤوليها : نصيحة و تحذيرا و توبيخا للقيادة السورية على الرغم من العلاقات المتميزة التي سادت بين البلدين في السنوات الأخيرة ، و مع ان الدولة التركية تتذرع بمختلف الذرائع و هي تسمح لنفسها بالتدخل في الوضع السوري ، إلا ان من المؤكد ان مستقبل الأكراد في هذا البلدهو الذي يؤرق الساسة الأتراك ، و يدفع بهم إلى كل هذه الحيطة أولا و آخرا .
و مع أننا ندرك تماما انه من الإجحاف ان نقارن بين الدور التركي و ما يمكن ان تنهض به حكومة الإقليم، إلا أنه من الإجحاف أيضا ان يتجاهل الإقليم حدثا بهذه الجسامة و التبعات ، و يكتفي بتصريح باهت ، و لا يدرك بأن الوضع السوري مفتوح على احتمالات متعددة ، لعل احتمال التقسيم غير مستبعد منها ، و من المؤكد أن هذا الاحتمال هو الذي يشكل الهاجس الأكبر لدى الساسة الأتراك ، و لذلك فإنهم يهددون بالتدخل العسكري ، مدعومين بتفويض من الغرب ، و علينا أن نعرف أن الأتراك عندما يتدخلون عسكريا فإنهم سيتحكمون في مستقبل الأكراد في هذا البلد ، و هم لن يسلموا المنطقة الكردية إلى حكومة الإقليم حتما ، كما أنهم لن يلحقوها إلى ماردين و رها و أورفة ، فهم لا يحتاجون إلى مزيد من المتاعب ،و إنما سيقومون بضمها إلى ديرالزور أو حلب ، و ستترك لمسؤولي الإقليم التفرغ لحل مشاكل العراق ، و إتمام المصالحة بين علاوي و المالكي ، و التقريب بين النجيفي و الحكيم ، فقد أثبت مسؤولو الإقليم حنكنتهم في هذا الجانب ، ألم يؤكد السيد كاوة استعداد حكومة الإقليم على التقريب في وجهات النظر !! و لكن بين من و من ؟ هذا ما لم يوضحه .
أمر واحد يتوجب علينا أن نقف أمامه مطولا ، و أن نتعمق في بحثه : ذهنية الإنسان الكردي ، الحنبلية و ثقافة العبودية المتأصلة في ذهنه .
الغلبة الغالبة من دول العالم أدلت ، و لا تزال تدلي بدلوها فيما يجري في سوريا من أحداث عاصفة ، أصغر هذه الدول – قطر – سحبت سفيرها من دمشق ، و هي التي تقع على مرمى حجر من الغول الإيراني ، الحليف الأول للنظام السوري ، و السيد كاوة يطلع علينا بلغة متخشبة تعود إلى عصر الحرب الباردة – نحن لا نتدخل في شأن سوريا – والأنكى من ذلك انه يتحدث عن الحقوق المنقوصة لأكراد سوريا ، و أنا أجزم بأن معلوماته عن أكراد سوريا لا تتجاوز السطر الواحد ، و إلا لما تحدث عن حقوق دون المستوى ، و هل كان لأكراد هذا الجزء حقوق على الإطلاق ، و منذ أن تم إلحاقهم بهذه الدولة ، كما أجزم بأنه يجهل جهلا تاما دور هذا الجزء في دعم النضال القومي لباقي الأجزاء .

فقد عمّد أكراد سوريا بدمائهم تراب كردستان في الأجزاء الأخرى قبل االجزء السوري ، و قدموا كل أشكال الدعم و المساندة للثورات الكردية ، مستهينين بقمع الأنظمة ، و سجونها ، و زبانيتها ، و سطروا الكلمة ، و تبنوا الموقف ، يوم كان للكلمة طعم الرصاص ، و يوم كان للموقف طعم الموت .

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف ما أن تسقط الأنظمة الدكتاتورية بعد عقود من القمع والدماء، حتى تبدأ الأسئلة الكبرى بالظهور حول مستقبل المجتمع وما خلفته تلك السنوات من أزمات نفسية، اجتماعية، وسياسية. إذ أنه وبعد أربع عشرة سنة من القتل والدمار، انهار النظام السوري، كما كان متوقعاً، تحت ثقل الجرائم التي ارتكبها، متوهماً أن وصفة القمع التي ورثها عن أبيه ستظل…

اكرم حسين مع سقوط نظام الأسد، واجهت سوريا مرحلة انتقالية مليئة بالتحديات، تتطلب رؤية واضحة ، وإدارة حكيمة ، لتجنب الانزلاق نحو الفوضى أو التقسيم، وهو السيناريو الذي عانت منه العديد من الدول التي شهدت تغييرات جذرية في أنظمتها السياسية. فالتجارب التاريخية تُظهر أن الفترات الانتقالية غالباً ما تكون مصحوبة بصراعات بين القوى السياسية المختلفة التي شاركت في إسقاط…

شكري بكر بعد قراءة متأنية بالشأن الكوردستاني بشكل عام والكوردي في سوريا بشكل خاص نرى بأن حزب العمال الكوردستاني يعمل مع القضية الكوردية ببروباغندا يهدف لحرمان الشعب الكوردي من ممارسة حقه في تقرير مصيره بنفسه . من هنا نرى بأن الحوار الكوردي الكوردي أن يشمل المجلس الوطني الكوردي كإطار يمثل عدة أحزاب كوردية بالإضافة إلى بعض الكيانات…

إبراهيم اليوسف بين عامين: عبورٌ من ألمٍ إلى أمل…! ها نحن نودّع عامًا يمضي كما تمضي السحب الثقيلة عن سماءٍ أرهقتها العواصف، ونستقبل عامًا جديدًا بأحلامٍ تتسلل كأشعة الفجر لتبدّد عتمة الليل. بين ما كان وما سيكون، نقف عند محطة الزمن هذه، نتأمل في مرآة أيامنا الماضية، تلك التي تركت على جبين الذاكرة بل القلب ندوبًا من الألم والتشظي، وفي…