“ياسوريا الجميلة السعيدة..
كمدفأة في كانون..
يا سوريا التعيسة..
كعظمة بين أسنان كلب..
يا سوريا القاسية..
كمشرط في يدي جراح..
نحن أبناؤك الطيبون..
الذين أكلنا خبزك وزيتونك وسياطك..
أبداً سنقودك إلى الينابيع..
أبداً سنجفف دمك بأصابعنا الخضراء..
ودموعك بشفاهنا اليابسة..
أبداً سنشق أمامك الدروب..
ولن نتركك تضيعين يا سوريا..
كأغنية في صحراء”
وبالرغم من أنه زجَّ بأكثر هؤلاء المفكرين والناشطين الميامين، في غياهب السجن، وعلى نحو لئيم، أو كيدي، انتقامي، كما حدث مع د.عارف دليلة ورياض سيف ود.
كمال اللبواني، وهذا غيض من فيض، وهجَّر من لم يتم سجنه، ولم يكن ذلك كله، إلا مثالاً على أن نظاماً تأسس عقله على منظومة العنف، في الوصول إلى تسلم مقاليد الحكم، ليس في مقدوره أن يتحول إلى نظام ديموقراطي، مدني، ولا يمكن لكل “مكياجات” العالم، أن تحسن صورته، و معدنه، ورائحته، وفكره المتعفن.
تكاد لا توجد بقعة يتيمة في سوريا، لا تنطلق منها المسيرات، والاعتصامات، الاحتجاجية، المناوئة لهذا النظام، وها قد كانت تظاهرات اليوم، الجمعة، الخاتمة، للشهر الرابع من الثورة، تعد من أكبر التظاهرات، قاطبة، بيد أن النظام لمَّا يزل يتصامم عن سماع عبارة- ارحل- التي تقال له، نهاراً جهاراً، وبكل لغات أبناء الشعب السوري:عرباً، وكرداً، وسريان، وآشوريين، وأرمن، وغيرهم، حتى وإن حاول استمالة بعضهم، هنا وهناك، وهو يلجأ إلى ثنائية: الترغيب، والترهيب، ليقع هؤلاء في فخه، بعد تدبيج الوعود المعسولة التي لا تنتج إلا الكذب، شأن إصلاح عمره، أكثر من عقد زمني، من دون جدوى، ولعلَّ لجوء النظام في مدينة سالمة آمنة ك: قامشلي، سريانيها، وأرمنيها، وكرديها، وعربيها، بل ومسلمها، وإيزيديها، ومسيحيها، ويهوديها، كلهم من شجرة أبوين من التوادد والتحابب، وكانت أمثولة منذ ولادة هذه المدينة، في الأُلفة، والحب، ولقد لجأ النظام- -مؤخراً- إلى محاولة إشعال فتيل فتنة،كريهة، انتبه إليها حكماء رجال الدين، والوجهاء، والقوى السياسية، ولاسيما المنظمة الآثورية الباسلة، وردموا كل ذلك، في ومضة عين، لأنَّ النظام الذي يرسل دباباته إلى بعض المدن، لإبادتها بمن فيها، من أجل بقاء كرسيه، يريد أن يشعل الحرب على أجزاء أخرى، من خريطة سوريا، لم تتوجه إليها الدبابة،على قاعدة” عليَّ وعلى أعدائي”، ربَّما، نظراً لاتفاقات خاصة “، بسبب منابع النفط “، من جهة، وعدم إمكان فتح مواجهة مع أهالي منطقة الجزيرة، ذات الأكثرية الكردية، من جهة أخرى، بحسب ما يروى، لئلا تتم إعادة، ونقل، مواجهة الثورة إلى فضاء آخر، كحرب تطهير عرقي، لا سيما وأنه ملوث اليد بذلك، في وقائع وأحداث مثبتة، وإن كان الغرب – كاملاً – لا يزال يواصل تواطؤه مع آلة القمع، بعد أن بانت نوايا المفرقعات التركية التي سبقت انتخاباتها، في الوقت الذي كشفت فيه الجامعة العربية -الخنثى- عن وجهها القبيح، من خلال تصريح نبيل العربي، الذي يندى له الجبين، وهو دعم للإرهاب، يسجل نقطة عار في استهلالة سجل مهماته، غير الميمونة.
وإذا كانت المؤتمرات واللقاءات التي تتم، تشغل فضاءً، مداه مائة وثمانون درجة، حيث النظام يريد إنتاج – لهَّاية – لأربعة وعشرين مليون مواطن، من خلال اللجوء للمؤتمرات، الخلبية، المدجنة، كأداة جديدة لتبييض صفحته-وكل بحار العالم وأنهاره وأمطاره لا تغسل دنسه- وبالتالي خلق فيتامينات إطالة عمره، إلا أن هنالك – مؤتمرات – أخرى تتم خارج الوطن، وفي داخله، لابدّ لها من أن تتحرَّر من رؤية النظام للمكونات السورية، وإن كان دعم هذه المؤتمرات ضرورياً، لإسقاط النظام، إلا أنه، في الوقت نفسه، يجب ألا يتم السماح- لأحد- لإضفاء صبغة واحدة، على سوريا المستقبل، كما يتمُّ في مصر، بعيداً عن مدنيتها، وتعدديتها، و ديموقراطيتها الحقيقية.
ولعلَّ التعليق على بذاءة الدعوة للحوار، في الوقت الذي تمارس فيه الشبيحة، والأمن، والجيش، القتل، بحق مواطنينا، وتمَّ الحديث عن مقتل أكثر من اثنين و ثلاثين متظاهراً في العاصمة-ما خلا الجرحى- وهذا ما يأتي نتيجة إحساس النظام، أن امتداد التظاهرات إلى العاصمة، بهذا الشكل، ليعدّ مسماراً أخيراً في نعش الاستبداد، ناهيك عن مواجهة الأرواح الأصيلة، بالرصاص، في مدن أخرى، كأدلب، وحمص، وغيرهما، لإسكات مواطننا، من دون جدوى.
كيف تتم الدعوة للحوار، ويقتل بضعة أشخاص، قرب صالة، سيقام فيها مؤتمر سلمي، في حي القابون الدمشقي،غداً، ناهيك عن تفريق أمن النظام، قبل أيام قليلة، متظاهرين كتاباً، وفنانين، ومثقفين، في شارع الميدان، وبأسوأ أسلوب، بات يكرر حتى اليوم-حيث شاهد العالم كله شاباً يركله رجال الشرط والأمن-يذكر بما تم في مدينة البيضاء،على نحو تقشعر له الأبدان.
و لايزال بعض الطلبة الجامعيين، رهن الأسر، سواء أكانوا في دمشق، أو حلب، أو غيرهما، بعد أن تعرضوا للتنكيل، بعيد كلمة بشار الأسد على مدرج جامعة دمشق.
ولعلَّ ما قاله محافظ حماة، الجديد، أنس الناعم، المعين بديلاً عن سلفه السابق، الذي لم ينجرّ إلى ارتكاب المزيد من المجازر، ونفذ ظاهر كلام بشار الأسد، بعدم إطلاق النار، على المتظاهرين، سلمياً- ذات مرة- لا باطنه، حيث جاء على لسانه بأنه قال لأهل المدينة: إنه التقى الرئيس أثناء أدائه القسم، وقد قال له بشار الأسد: كل المطالب الخدمية، لمن يقبل به رئيساً هي موضع اهتمام، إلا أن مطالب من لايقبلون به ذلك، فهي مرفوضة، وهو الكلام نفسه الذي طالما ردده حسني مبارك، وزين العابدين بن علي، ويقوله علي عبد الله الصالح والقذافي.
أجل، واضح، أن النظام، لا يستفيد من العبر التاريخية، قديمها، وحديثها، ولم يستفد من حكمة مجنون، كالقذافي، قال في أحد المؤتمرات للزعماء العرب، بأن ما جرى للطاغية صدام حسين، إنما سيجري لهم جميعاً، وإن كان هذا المجنون، قد نسي نفسه، حتى وهو- الآن- يعيد تجربة ذلك الطاغية في التواري، مخبأً، وراء آخر.
يستغرب المرء كيف أن بشار الأسد، لما يزل يُمني نفسه بالاستمرار في قيادة دفَّة الحكم، وهو الذي باع جزءاً من أرض سوريا، لموازنة ومعادلة الحكم، من دون أن يفكر بأن طبيباً يموت أحد مرضاه، نتيجة وصفة خاطئة من قبله، يعرض لإلغاء شهادته، لا سيما إذا تكرر ذلك، بل وإن موظفاً عادياً إذا أخلّ بوظيفته، ولم يكن جديراً بها ، فإنه ليُبعد عنها، أو يعزل عنها، خاصة إذا كانت وظيفته حسَّاسة، فإن إعفاءه عن المهمة-بالحسنى- هو المصير المنتظر، فلم أن رئيساً فشل في قيادة كل هذه الملايين السورية، وبلغ عدد القتلى برصاص أمنه، الآلاف، وهكذا بالنسبة للجرحى، أو المعاقين، والمعتقلين، وكذا بالنسبة للأطفال الميتمين، والنساء المترملات، لا يتطوع-وهو حامل الشهادة و المتعلم-ليترك مهمته، ويتفرغ للطب، أو لأي “عمل آخر”، ليفيد أسرته ووطنه، بل فوق كل هذا، ألا يكرر له أبناؤه الصغار عبارة: “ارحل!”، وهم يسمعونها من فضائيات العالم الحر، إن كان لا يمارس عليهم رقابة الإعلام ..؟!
إن ذاكرة ما بعد ثورة الاتصالات، لم تعد تلك الذاكرة المرهونة للمحو، المفترض من قبل النظام، الذي يظن أن عشرات الآلاف ممن قتلوا في حماة – وحلب – وحمص وتدمر، وغيرها..
،في ثمانينيات القرن الماضي، صاروا في ذمة التاريخ، المطوي، وهكذا بالنسبة لعشرات الضحايا الكرد الذين كانوا قرابين أولى*، على مربض الحرية، في زمن الإصلاح الزائف، لأن الدماء التي تسيل –الآن- من جسد الوطن، لم تعد تقدم أوراق ذاتها – وحدها – للحرية، بل تتكئ على ذلك الإرث السابق، نفسه، وهي تصنع فجرها الموعود، عاجلاً،لا آجلاً، وهذا ما يسقط رهان كل من يحاول التماهي مع خطاب النظام التلفيقي، أو حتى من يمسك –العصا- من وسطها، لأننا نعيش في زمن سقوط الأقنعة، الذي سيتبع سقوط النظام نفسه، ما دام الطفل السوري، بات يصرخ بأعلى صوته: مافي حوار – ارحل بشار ..!.
15-7-2011
سقط اليوم شهداء كرد مع أخوتهم في حي الكرد الدمشقي” ركن الدين”