وقف العنف أولاً… والهدف إيجاد مخرجٍ سياسي

  جريدة الوحدة *

ثمة شبه إجماع وطني لدى الشعب السوري بعربه وكرده، بمسلميه ومسيحييه وجميع أطيافه ومكوناته المجتمعية، بأن استمرار اعتماد السلطة لخيارها الأمني -العسكري في معالجة تجليات الأزمة الشاملة التي تشهدها البلاد أمرٌ عقيم ويولِّدُ مزيداً من التوتير والتعقيد، وأن تواصل عمليات القتل والاعتقال والإذلال بحق المواطن- الإنسان يُفضي إلى الأسوأ الكامن في صبِّ الزيت على نار دوامة العنف هنا وهناك، لتتجهَ الأوضاعُ نحو المجهول والنفق المظلم، ليس على الصعيد الإنساني -المجتمعي وكيان الدولة بمختلف مؤسساتها فحسب، بل وعلى صعيد الاقتصاد السوري بمختلف فروعه ومجرى الحياة اليومية- المعيشية للمواطن وكافة شرائح المجتمع،
 وهذا ما يفسِّر دعوة جميع القوى والفعاليات الثقافية والسياسية في البلاد إلى وجوب وضرورة وقف فوري لأعمال القمع والقتل وتطبيق فعلي للمرسوم الرئاسي القاضي برفع حالة الطوارئ وحماية واحترام حق التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي بحرية دون خوف أو ترويع، حيث أن الاستجابة لهكذا دعوة وطنية عامة لا بدَّ أن تشكلَ البداية الأساسَ لفتح صفحة جديدة بهدف إيجاد وبلورة مخرجٍ سياسي للأزمة، يضع البلاد على مسار مرحلة التحوّل الديمقراطي دون تردد، وطيّ صفحة نمطية حكم الحزب الواحد الأحد الذي لطالما ثبتَ للقاصي والداني أنه مصدر الفساد والاستبداد وإعادة انتاجهما على مرّ السنين والعقود.

إن الثقافة السياسية والنهجَ النضالي العام الذي ثابرَ حزبنا على العمل الدؤوب لنشره وزرعه على أوسع نطاقٍ وطني على مرّ السنين، شأنه في ذلك شأنُ معظم القـوى والفعاليات السياسية والثقافية تمحورتْ ولا تزال حول مطالبَ وأهدافٍ محددة وواضحة المعالم، بدءاً بشعار الحرية لجميع المعتقلين السياسيين، طي ملف التعذيب والاعتقال السياسي وإلغاء حالة الطوارئ والقضاء الاستثنائي، مروراً بضرورة إلغاء المادة الثامنة من الدستور بجميع مفاعيلها بغية طرح مشروع دستورٍ عصري جديد يضمن وينجم عنه قانون حضاري للانتخابات المحلية والتشريعية، وآخر ينظم عمل الأحزاب والجمعيات، يرافقه قانون إعلام حر وصولاً إلى تحقيق التغيير الوطني الديمقراطي المنشود ومبدأ التداول السلمي للسلطة، وذلك من خلال انتهاج مبدأ ولغة الحوار البنّاء عبر الشروع بعقد مؤتمر وطني شامل دون إقصاءٍ أو تهميش لأحد، وتوفير بيئة ملائمة لانعقاد جلسات هكذا مؤتمر وطني تاريخي ومنشود، ليعتمد محاورَ ومواضيع محددة وجدول زمني معين في إطار الإقرار دون مواربة بأننا اليوم بصدد استحقاقات ميدانية للانتقال بالبلاد من مرحلة الاستبداد ونمطية حكم الحزب الواحد ، إلى مرحلة التحول الديمقراطي والغد الأفضل، غدٍ مرتقب لا مكان فيه للعسف والاستبداد  أو التمييز بسبب الدين أو القومية والانتماء السياسي والفكري، غدٍ تعمّه مفاهيم السلم والحرية والمساواة، ويسود فيه القانون  على الجميع، غدٍ تُستعادُ فيه كرامة وحرية المواطن وبعيداً عن الفقر والعوز.
إن مرحلة المخاض التي تعيشها سوريا اليوم والتي من الممكن وصفُها بالصعبة والعسيرة لا تحتمل التعنت في مواصلة الخيار الأمني-القمعي ومزيد من إراقة الدماء الذي بدوره قد يوفر ذرائع لتدخلات خارجية لها أجنداتها المريبة، نحن السوريون بغنىً عنها ويرفضها جميع من تعزّ عليه كرامة المواطن والوطن في الحاضر والمستقبل.
وإن النبضَ الوطني الحار الذي يتسم به الحراك الوطني الشعبي الديمقراطي العام بمختلف أوجهه وتجلياته السياسية والثقافية ولقاءاته ومؤتمراته التشاورية وتظاهراته السلمية المحقة والمشروعة، يستوجب حمايته والسهر عليه من مغبة مسعى إستغلاله أو الالتفاف عليه وحرفه عن مساره وتجييره في خدمة نزعات وشعارات لامسؤولة، حيث أن حماية استمرار الحراك في مساره السلمي، يشكل ضمانة وضرورة وطنية لإطلاق وإنجاح أي مؤتمر وطني شامل يعتمد مبدأ ولغة الحوار، وينشده الجميع في الأمس واليوم.

* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي) العدد (215) حزيران 2011 

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

سعيد يوسف ظهر الدين الإسلامي بحسب المصادر التاريخية…في المنطقة الجغرافية التي تسمى الآن بشبه الجزيرة العربية. منذ البداية استعان المسلمون الاوائل بنسق من المفاهيم الفكرية المستمدة من أنساق دينية سابقة كان لها أتباع في الجغرافية المذكورة، أومن أنساق دينية أخرى أو مفاهيم أفرزتها الحياة الاجتماعية الجديدة كمفهومي الأنصار والمهاجرين والصحابة …ثم تمّ توظيفها توظيفاً براجماتياً في خدمة أهدافهم السياسية والاجتماعية…..

خالد بهلوي عاش الإنسان السوري سنوات طويلة في خوف ورعب؛ خوفًا من البراميل المتفجرة، والغرق في البحار أثناء الهجرة، والفقر والجوع، والخوف على مستقبل الأجيال المتعاقبة وتعليمهم. من الطبيعي أن تنتهي كل هذه العوامل مع نهاية حكم الطاغية بشار الأسد، الذي خلق الخوف والرعب لكل أسرة بنِسبٍ وأشكال مختلفة. بعد سقوط الأنظمة الاستبدادية في العديد من الدول، غالبًا ما…

صلاح بدرالدين الاكاديمي والثورة السورية حوار قصير بين وطني سوري وبسمة القضماني عندما شكلت جماعة – الاخوان المسلمين – ( المجلس الوطني السوري ) باستانبول بعد اندلاع الثورة السلمية العفوية الدفاعية بعدة اشهر عام ٢٠١١ ، وارادوا – تطعيمه – كعمل تكتيكي بحت برموز ليبرالية ، ويسارية ، والاحتفاظ بسلطة القرار ، والمفاصل الأساسية المالية ، والعسكرية…

«شهداء ثورة القرن»: عنوان الملف الذي نشرته مجلة العربي القديم في عدده الخاص، الذي صدر بمناسبة انتصار الثورة السورية ، وثقت فيه ابرز شهداء الثورة، وضمت القائمة الشهيدين مشعل التمو وحسين عيسو. فيما يلي ننشر رابط المجلة ورابط الشهيدين (مشعل التمو وحسين عيسو): رابط الشهيد حسين عيسو بقلم الكاتب حسين جلبي: Hisen_Iso رابط الشهيد مشعل التمو بقلم الكاتب محمد عبدالستار…