ما زالت الثقافة هي..
هي تضفي بإرثها القديم والبالي على الأفكار وبطابعها الخلبي على الحديث العام حيث يتخللها الكثير من الفوضوية والأنا النرجسية والانتهازية ويولد الاكتئاب لدى المرء لأن الأغلبية تنطلق من مصالحها ورؤاها الذاتية أولا وليس هناك إلا القلة من يفكر بالمصلحة الحقيقية للكرد وهم غير فعالين ولا يؤثرون على الرأي العام بشكل مباشر إلا القليل والقليل جداً منهم
بداية مررت بسوق الهال قرب الجامع الكبير في قامشلو من دون تخطيط ورسم مسبق لمسلك السير أثناء رجوعنا من وداع أحد الأقارب إلى بوابة نصيبين والباعة تروج لبضاعتها وأصواتها تصل عنان السماء فلمحت من بعيد أحد الأساتذة الذين له باع وعمر طويل في السياسة الكردية أمام إحدى البسطاط التي تباع الخضار وقد عرفته من شعره الأشمط و بعد اقترابنا منه سلمنا عليه وسألناه عن أحواله الشخصية فرد علينا قائلا أن أسعار البطاطا غالية هذا اليوم ولوحظ عليه قليل من الخجل والارتباك ربما على الموقف الذي هو فيه.
انتظرته إلى أن ابتاع بعض من حاجياته فساعدته على حمل البعض منها إلى موقف السرفيس وفي الطريق القصير جدا سألته عن أحوالهم السياسية وما يقومون به هذه الأيام فقال بالحرف الواحد : والله نتابع الأحداث على التلفزيونات والأعلام والكل الآن في هرج ومرج لا نعرف ماذا نفعل وكيف نتصرف ولا احد يستمع على الآخر والكل يتصرف عما بدا له ..وأحسست أنه يقول الصدق..
عند موقف السرفيس تركته وسرت في الشارع الموازي للشارع العام وفي نهايته قبل التقاطع مع شارع الوحدة توقفت عند عدد من الوجوه الاجتماعية التي اعتادت أن تجلس هناك على ناصية الشارع كل يوم أمام إحدى المحلات .
وجوه ما زالت في عيونها الكثير من الحسرة والأمل وأجساد نحيفة قد شاخت وأنهكتها السنوات وهي في الوقت الضائع من عمرها فسلمت عليهم واحد تلو الآخر وكانوا أربعة علما أن هؤلاء يجتمعون هناك كل يوم تقريبا يحتسون الشاي والقهوة ويتحدثون عن حكايات سالف الأيام والأزمان إلى أن يأتي موعد الغداء حينها ينفضون إلى بيوتهم وفي الحقيقة لا أعرفهم كثير المعرفة إلا واحد هو العم إبراهيم بالرغم من الوقوف عندهم برهة كلما مررت بهذا الشارع على فترات طويلة ولكن دون الخوض في حديث خاص ولكن هذه المرة شدني العم إبراهيم بيدي وسحبني قليلا نحوه وسألني عن الأحوال وعما يفعله النخب الكردية هذه الأيام فابتسمت وقلت ماذا تتوقع وكلاما غير مباشر فيما سأل بأن هناك من هو كذا …وآخرين من هم كما تعرف … فابتسم وقال لا خير فيكم يا أيها المتعلمون وكلكم من طينة واحدة تعرفون كل شيء ما عدا الكردايتي وقد خربتم بيت هذا الشعب المسكين وأن أعمالكم شاهد عليكم فقلت : أنا أوافقك الرأي وودعتهم .
تابعت مسيري دون أن أعرف إنني سوف أرى أحد الأصدقاء القدامى من أيام الدراسة الجامعية في طريقي فسلمت عليه ورحب كثير ومن ثم استدعاني إلى مكتبه القريب وبعد ذلك دخل عدد من الأخوة المتعلمين من الشهادات والمهن العلمية من المكاتب المجاورة فدار حديث يا ليتني لم اسمعه فبدا كل واحد يتحدث عما يجري في الشارع هذه الأيام انطلاقا من مصالحه الذاتية وما سوف يأتي الأيام القادمة بالنتائج السيئة على مردود أعمالهم وتجارتهم وعدد زبائنهم فقلت لأحدهم هل من مشاركة لكم فيما يجري في الشارع فرد الجميع واستعاذوا بالله وقال أن ما يجري في الشارع خطأ في خطأ وما لنا من هذه الأحداث في الشارع السوري فليكسروا بعضهم وسوف نستفيد أخيرا ..فقلت ممن سوف تستفيدون وكيف وبعدها دار نقاش حاد عقيم وبلا جدوى …؟ ومن ثم غادرنا المكان .
سرنا جنوبا في الشارع المتجه إلى مقهى للإنترنت القريب فصادفت في الطريق أحد الشباب الحلوين ممن أعرفهم فتوقفنا وسألته عن الأخبار والأحوال فكان متفائلا في بعض الأمور ومتشائما من سلوك عناصر الأحزاب وممن يدعون ذاتهم بالنخب الكردية وهو بدوره سألني عما يكتبه الكتاب والمثقفين هذه الأيام في القضايا العامة والكردية.
فقلت له اعتقد أنك تتابع مقالاتهم وهم يغردون فرادى وأغلبهم يعبر عن ذاته دون التأسيس لشيء وليس لأغلبهم رسالة تجاه ما يحصل سوى الكتابة من أجل الكتابة فقال: أعرف وأتابع وعلق بدوره بعد أن اعتذر احتراما فقال: ما زال أغلبكم يكتب فيما لا ينفع المرحلة سوى إبداء الرأي في هذا الموضوع وذاك وما أكثر الأحداث التي تجري وإذا ما استمروا في هكذا سلوك وثقافة فالأفضل لهم ألا يكتبوا في السياسة والثقافة ويمدوا لهم بسطة أمام السرايا ويكتبوا العرائض سيكون ذلك أنفع لهم والذين في المهجر فالأفضل لهم العمل في البلديات خير لهم ولنا من نصائحهم , واستطرد قائلا أليس من المسئولية الكردوارية والأخلاقية والإنسانية للنخب الكردية جميعا العمل هذه الأيام لأمر يفيد الكرد ومن ثم قال كلام آخر وقليل من الغضب قد بدا على ملامح وجهه حيث لا مجال لذكره الآن وبعد ذلك ودعته وفي منتصف النهار عدت أدراجي…