عن التحالف العربي الكردي الإسلامي…!؟

جهاد نصره

توسعت منذ بدأت المظاهرات السورية ظاهرة تخلي الكتاب النقديين المستقلين عن دورهم المفترض أنه  يموضعهم على مسافة واحدة من مكونات العملية السياسية وأجنداتها جراء أسباب عديدة جلها غير مبرر..! فيما حمي وطيس حماسة السياسيين المتحزبين وغير المتحزبين بعد أن باتوا يشهدون حراكاً شارعياً لم يعهدوه منذ عقود خمسة..! إنه لمن الطبيعي أن تكون الفئات الأكثر تضرراً من ممارسات السلطة الاستبدادية على مدى عمرها المديد أكثر حماسة في هذه المرحلة المأزومة، وقد لوحظ بالفعل أن الكثيرين اندفعوا منذ الأيام الأولى وقبل أن يطلعوا على تفاصيل وحقائق ما يحدث على الأرض وليعرفوا إن كان هناك ثمة ارتباطات إقليمية أودولية أو أجندات مسبقة الصنع وخصوصاً أن معركة إعلامية كبرى راحت تدور رحاها وفي هذا وحده ما يكفي لمحاولة التحري والتدقيق والتمحيص..!
لقد كان لافتاً غياب أي ملاحظة أو موقف يقارب البعد الطائفي عن كافة البيانات والمبادرات المعلنة من قبل المعارضين المتحزبين والمستقلين وهو أمر يكشف عن نزوع سياسي مصلحي استثماري غير حميد…!؟
  لقد ساهمت كثرة وسائل الإعلام وتنوعها وتعارض أجنداتها في تظهير سباق محموم بين مختلف النخب السياسية،  وقد كشفت حيثيات هذا السباق عن مسعى التحاقي وحسب الأمرالذي يتطلب بالضرورة غض النظر عن كثير من التفاصيل والحقائق التي أخذت تتكشف يوماً بعد يوم..! وبالرغم من كل ذلك لم يحدث أن توقف حزب معارض واحد أو معارض مستقل عند خلفية الأحداث الطائفية لا بل إن غالبية هؤلاء رفضوا الاقرار بذلك واعتبروه أكذوبة من أكاذيب السلطة حتى أن بعضهم عمد إلى تكذيب حكاية شيخ قناة صفا الدينية والدور التحريضي القذر الذي يؤديه..! ثم إن غالبية المعارضين لم يلحظوا أجندة جماعة الإخوان وارتباطاتها الإقليمية والدولية ويفهم الكثيرون هذا الأمر المدهش على أنه  يعكس خشية هؤلاء من خسارة مقاعدهم في القطار إذا ما انطلق بما يعني أن المسألة عند غالبية هؤلاء المعارضين مسألة سلطة وكل ما تبقى هو لزوم عدة الشغل…! ولأن ذلك كذلك يشهد السوريون هذا الاندفاع المطرد لعقد المؤتمرات واللقاءات التشاوريه فبعد مؤتمر سمير أميس الأسبوع الماضي انعقد مؤتمر لمستقلين آخرين في حلب..

وبعد يومين في / 3 / تموز سينعقد مؤتمر جديد  لمستقلين جدد في فندق سمير أميس الذي قد يصبح اسمه عما قريب فندق السمر المعارض..

كما أنه يجري الإعداد لعقد مؤتمر علماني ينوي علمانيون من عدة مدن إقامته في أحد الأديرة الكنسية في رسالة يريدون من خلالها التأكيد على أن العلمانية لا تعني معاداة الأديان كما يدعي الإسلاميون بل تعني الاستقلال عنها لا أكثر من ذلك ولا أقل..

وكان سبقه لقاء علماني تحضيري مصغَّر في حي السكنتوري في اللاذقية..

ويجري الإعداد على قدم وساقين لعقد لقاء تشاوري موسع في دعتور بسنادة بالقرب من فندق صلولين انترناشيونال..

وليلة قبل أمس انتهى لقاء سنجوان الليبرالي من دون أن يصدر عنه أي بيان بسبب خلافات حادة بين النيوليبراليين والليبراليين اليساريين..

ويوم أمس أعلن في دمشق عن تحالف معارض من احزاب التجمع الوطني الديمقراطي ما عدا حزب رياض الترك وبقايا حزب العمل الشيوعي وخمسة أحزاب كردية و تجمع اليسار الماركسي بقيادة الياس دبانة..

وضمَّ إليه شخصيات معروفة مستقلة تقيم في فرنسا…!؟
لا شك في أن أغلب ما قيل وسيقال عن السلطة الاستبدادية صحيح حتى أن الحديث عن موبقات الإستبداد لن يوفي هذه السلطة حقها..! غير أن المفارقة تتجلى في أن معظم ما قيل عن التغيير وما بعد التغيير ليس صائباً ولا مطمئناً في نظر بعض الشارع ..

لقد كشف سباق المعارضين عن سوية نضج لا ترتقي إلى ما كان مؤملاً بالرغم من تجارب و معانات النضال الطويل بما في ذلك من ملاحقات وسجون ومنافي..! وقد انكشفت هذه السوية بعد القبول المريع بمعايير ومضامين الخطاب الإسلامي الأمرالذي يفسِّر ذلك التناغم العجيب والتلاقي المريب حول حكاية الدولة المدنية الديمقراطية والذي سبق لجماعة الإخوان أن تحدثوا عنها قبل سنوات..! هذه الدولة الوهمية التي لم يعد يخلو منها بيان أو مبادرة يدعي أصحابها أنها ستحترم مواطنيها  وذلك من دون أن يشرحوا كيف سيترجم هذا الاحترام إن اقتصر الأمر على إنشاء دستوري جذاب..! في العلمنة تتوفر أسس المواطنة الحقة وفي دولة المواطنة وحدها يمكن الحديث باسهاب عن احترام المواطنين.


أما فيما خص لجنة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الوطني الديمقراطي التي أعلن عنها في الأمس فاللافت الوحيد في هذا الائتلاف الجديد تمثل بالتحاق الأحزاب الكردية الخمسة والتي اقرَّت بأطروحة الأحزاب العربية القائلة بأن الدولة المدنية الديمقراطية ستنصف الشعب الكردي وتحل كل قضاياه لقد نسيت هذه الأحزاب شوفينية حزب الاتحاد الإشتراكي وغيرم من الأحزاب العربية المشاركة مثلما نسيت حقيقة موقف الإخوان المسلمين من قضية الشعب الكوردي القومية ويبدو أن الكلام المعسول صار يكفي قادة الأحزاب الخمسة..!؟ ولم لا فالحضن الإسلامي الدافيء يشترط هذا العمى السياسي الكردي مثلما يشترط أن يكون سقف البرامج وتطلعات جميع السوريين تلك الخرافة الديمقراطية التي صارت قاسماً مشتركاً عند اليسار واليمين..! والأهم أنها اندرجت لغوياً في برامج جماعات الإخوان المسلمين في معظم الدول العربية لزوم مواجهة العصر واستحقاقاته بثياب مدنية بدل العمائم..! هي خرافة لأن الحديث يدور عن وطن متعدد الأديان والمذاهب والأعراق الأمر الذي يحتم وجود دستورعابر لها جملةً وتفصيلاً..

إن مثل هذا الدستور الذي يكرِّس فصل الدولة عن الأديان هو الأساس الذي تقوم عليه دولة المواطنة الحقة وقد حاول بعض الرفاق إقناع ـ أم علي ـ بأن الدولة المدنية الديمقراطية التي سيعلون شأنها بمعية الرفاق الإسلاميين هي دولة المواطنة المنشودة لكن عبثاً فالمسكينة حاولت جاهدةً أن تتخيل أتباع الديانات والمذاهب والأعراق وهم يتراكضون على قدم المساواة في ملعب هذه الدولة المدنية العجيبة التي سينص دستور بنيانها على أن دينها الإسلام فلم تفلح بالرغم من كونها فلاحة أباً عن جد…!؟
لقد جانبت الأحزاب الكردية الخمسة  كما نعتقد جادة الصواب حين لم تصر على إدراج العلمنة في وثيقة التفاهم التحالفي التي أقروها قبل يومين مع الإسلاميين والقوميين..

وعلى إدراج قضية الشعب الكردي القومية من دون مواربة كما جاء في الوثيقة وهم كانوا سيفشلون في ذلك على كل حال نظراً لأن جميع العرب الحاضرين ينكرون حقيقة أسبقية الوجود الكردي في المنطقة ولم يسبق لهم أن أقروا بهذا البعد التاريخي الذي يكرِّس حقهم القومي وموقفهم الحقيقي اتجاه هذه المسألة لا يختلف عن موقف البعث العربي اللهم سوى باللغة الناعمة المجاملة..! إن حل قضية الشعب الكردي لا تتم من خلال المساومات والتنازلات المتبادلة وفي هذا فإنه من المؤمل من الشباب الكردي وهم الأكثر حضوراً وفعالية ويسجل في هذا السياق أن مظاهراتهم المتحضرة كانت الأرقى فوحدها التي خلت من شبهة الطائفية والعصبية العنصرية والتخريب..! إنه قد يكون ممكناً من الشباب الالتفات إلى شيخ العلمانية ـ مراد الخزنوي ـ ومحاولة تشجيعه وتحفيزه عسى أن يبادر إلى تبني دعوة لتأسيس هيكلية حزبية علمانية تملأ فراغاً في الساحة الكردية بشكل خاص والسورية بشكل عام فوحده الشيخ ـ الخزنوي ـ كان طالب بشجاعة وحكمة بإدراج بند العلمنة على جدول أعمال مؤتمر أنطاليا التركية وقد جوبه حينها بقلة أدب وضغينة من قبل كافة الإسلاميين المتواجدين بالرغم من أنه أكثر إسلاميةً منهم بما لا يقاس..

إن القول بالدولة المدنية الديمقراطية من غير العلمنة مجرَّد خرافة سياسية مبطنة بالإيمان يرتكب وزر تبنيها والدعوة لها جميع الذين اندفعوا للتشبيك مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرهم من الإسلاميين الذين سيقودون القطارالذي لن ينطلق من محطته والمعارضة على هذه الصورة كما ظن بعض المستعجلين وإن غداً لناظره لقريب..!؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…